المتقاعدون في السعودية يكافحون الغلاء في غياب خطط للتأمينات الاجتماعية لتحسين أوضاعهم المالية

الرياض - شكل رفض المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لتوصية تقدم بها مجلس الشورى السعودي بشأن رفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين، التي بقيت ثابتة منذ العام 2012، خيبة أمل كبيرة بالنسبة لهذه الشريحة الاجتماعية المهمة في المملكة، والتي تعاني من صعوبات في تأمين احتياجاتها الحياتية نتيجة التضخم الكبير الذي تشهده البلاد.
وكان عدد من أعضاء مجلس الشورى تقدموا بتوصية طالبوا من خلالها بزيادة معاشات المتقاعدين في المملكة إلى ثلاثة آلاف ريال (800 دولار)، مع توسيع المظلة التأمينية للمشتركين وعائلاتهم، في محاولة لتخفيف وطأة تفاوت الرواتب عليهم، ومواجهة ارتفاع الأسعار.
ودعا عضو الشورى محمد عشيري، وهو أحد المشاركين في طرح التوصية، إلى فتح آفاق جديدة بالنسبة للمتقاعدين الذين لا يزالون يملكون القدرة على تقديم الإضافة في سوق الشغل، من خلال طرح تسهيلات مالية تساعدهم على فتح مشاريع اقتصادية وإدارتها.
وقوبلت هذه المقترحات بتحفظات كبيرة من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، خصوصا في علاقة بزيادة الراتب الشهري للمتقاعدين، معتبرة أن ذلك قد يتسبب في المزيد من العجز في المؤسسة.
فهد بن جمعة: لا بد أن يتلاءم معاش المتقاعد مع تكلفة المعيشة
وخلّف هذا الموقف لمؤسسة التأمينات استياء واسعا في صفوف المتقاعدين، الذين علّقوا آمالا كبيرة على تحرك مجلس الشورى لصالح تحسين أوضاعهم المعيشية، التي ازدادت تعقيدا خلال السنوات الأخيرة بفعل الغلاء الذي تشهده المملكة.
وقال محمد عثمان الناهض في تحقيق أجرته صحيفة “عكاظ” المحلية “ساءنا رفض التأمينات لتوصية الشورى برفع الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين إلى ثلاثة آلاف ريال، والذي كنا ننتظره كثيرا لتعديل وضعنا المادي، وحل جزء من معاناتنا مع ضعف الرواتب”.
ولفت الناهض إلى أن الرواتب التي يتقاضونها لم تعد تكفي لسد احتياجاتهم اليومية، بسبب زيادة تكاليف المعيشة عن السابق، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفواتير الكهرباء والاتصالات والمياه والملابس والوقود والإيجار، مشيرا “كنا نأمل في أن توافق التأمينات على التوصية التي تقدم بها مجلس الشورى، ولكن صُدمنا برفضها، ونتأمل خيرا في أن يعاد النظر فيها مجددا”.
ويعد مجلس الشورى السعودي، الذي تأسس في عشرينات القرن الماضي، بمثابة هيئة استشارية تنظر في السياسات العامة للدولة، بما يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ويملك أعضاء المجلس صلاحيات اقتراح مشاريع قوانين وتقديم توصيات، لكنه ليس بسلطة قرار.
وقال عبدالله الخزام “إن رفض توصية مجلس الشورى برفع الحد الأدنى للمعاشات أزعجنا كثيرا، كنا ننتظر تعديل وضع المتقاعدين منذ سنوات طويلة، لكن لم يحصل ذلك”.
وأشار الخزام إلى أن “المعيشة حاليا أصبحت أصعب من السنوات الماضية، بسبب ارتفاع أسعار الاحتياجات الضرورية للاستهلاك، يقابلها ضعف في الراتب التقاعدي لدى الكثير من المتقاعدين، وتوجد معاشات حاليا لا تتجاوز مبلغ 1983 ريالا، وهذا لا يغطي إطلاقا احتياجات الفرد الواحد الأساسية، فكيف بعائلة كاملة؟ ونأمل أن يعاد النظر في التوصية والموافقة عليها وحل المعاناة التي أصبحنا نعاني منها بعد ارتفاع الأسعار”.
وأوضح عتيق شخيّر الشمري أن معاشه التقاعدي لا يتجاوز الألفي ريال، ولا يفي إطلاقا باحتياجات الأسرة والأبناء، لاسيما في ظل تضخم الأسعار عالميا، مضيفا “لدي أبناء لا يزالون يتلقون التعليم بالمدارس، ويحتاجون مصاريف مكلفة، وليس لنا دخل سوى الراتب التقاعدي”.
عدد المشتركين في المؤسسة العامة للتقاعد حتى نهاية الربع الأول من 2021 بلغ أكثر من 1.2 مليون مشترك على رأس العمل
ووفق الإحصائيات الأخيرة، يقدر عدد المتقاعدين في السعودية الذين تقل رواتبهم عن ثلاثة آلاف ريال بنحو مئتي ألف متقاعد، وهناك نحو مئة وأربعين ألفا لا تتجاوز رواتبهم الألفي ريال.
وأكد عضو لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى سابقا فهد بن جمعة أن في ظل غلاء المعيشة وارتفاع معدل التضخم، لا بد أن يتلاءم معاش المتقاعد مع تكلفة المعيشة، وأن يرتفع سنويا بمعدل التضخم، وأن يحصل على التأمين الطبي لتتم معالجته في أقرب مستشفى إليه، لافتا إلى ضرورة حرص الهيئة العامة للتأمينات على أخذ ذلك في الحسبان للمتقاعدين الجدد، من خلال رفع راتب الاشتراك في التأمينات إلى الحد الذي يوفر دخلا مناسبا لمن يتقاعد مستقبلا.
ولعضو جمعية المتقاعدين حصة التميمي رأي آخر أوردته لـ”عكاظ”، حيث اعتبرت أن الحد الأعلى ليس هو المطلب، مشيرة إلى أنه لو تمت زيادة معاشات المتقاعدين إلى الضعف لن يفيد بسبب ازدياد التضخم داخليا وعالميا.
ورأت التميمي أن الحل يكمن في ضرورة تقديم تسهيلات للاستثمارات في قطاع الأعمال وإعفاء شريحة المتقاعدين من رسوم الدولة، وإعطائهم قروضا سريعة واستثنائية وميسرة بلا شروط، وأشارت إلى أن المتقاعدين مبكرا بعمر الأربعين والخمسين والخمسة وستين عاما ما زالوا قادرين على العمل، ويجب طرح عدة اختيارات أمامهم.
وبحسب بيانات مؤسسة التأمينات، بلغ عدد المشتركين على رأس العمل المشمولين بنظام التأمينات الاجتماعية، الذين يعملون في القطاع الخاص، 8.32 مليون مشترك حتى نهاية الربع الثاني من 2020. في المقابل، بلغ عدد المشتركين في المؤسسة العامة للتقاعد حتى نهاية الربع الأول من 2021 أكثر من 1.2 مليون مشترك على رأس العمل.