القاهرة تستعين بالقروض الخارجية لتحقيق الأمن الغذائي

لجأت الحكومة المصرية إلى التوسع في الاقتراض من المؤسسات الدولية لدعم خططها في تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين في ظل حالة الاضطراب التي تسود العديد من الأسواق العالمية وضعف سلاسل التوريد التي أدت إلى ارتفاع أسعار القمح والحبوب بشكل عام.
القاهرة - تشكل أزمة شح القمح هاجسا يؤرق الحكومة المصرية دفعها إلى الاتفاق مؤخرا على تلقي قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة.
وبهذا المبلغ تكون المؤسسة قد ضاعفت سقف اتفاقية التمويل المخصص للقاهرة إلى 6 مليارات دولار لتلبية احتياجات البلاد من الغذاء. وتترقب السلطات وصول نصف مليار دولار أخرى من البنك الدولي في إطار برنامج الأمن الغذائي الذي ينتظر موافقة المجلس التنفيذي للمؤسسة المالية المانحة.
ومن المتوقع أن يوفر البنك 380 مليون دولار لاستيراد نحو 700 ألف طن من القمح لصالح برنامج دعم الخبز و117.5 مليون دولار لزيادة سعة التخزين في الصوامع، وتطوير أصناف القمح عالية الإنتاج والمرونة المناخية و2.5 مليون دولار لإدارة المشروع.

وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وقامت باستيراد نحو 12.9 مليون طن في العام 2020 بقيمة 3.2 مليار دولار، وزرعت مع بداية موسم القمح الحالي 3.62 مليون فدان لتفادي تفاقم المشكلة، وتمثل هذه المساحة الأكبر في تاريخ البلاد.
ويؤكد اللجوء إلى الاقتراض من أجل تحقيق الأمن الغذائي إخفاق الحكومة في إدارة هذا الملف. ومع بداية الحرب الأوكرانية أكدت الحكومة في تصريحات متكررة على لساني وزيري الزراعة والتموين أن البلد لديه الاحتياطي الاستراتيجي الكافي من القمح، لكن الأوضاع الراهنة كشفت أن تلك الإعلانات غير مدروسة بدقة.
وأعلن وزير التموين علي مصيلحي في أبريل الماضي أن مصر لديها احتياطي من القمح يكفي حتى يناير 2023 حيث توزعت الكمية المتاحة بين 2.6 مليون طن مستورد و5.5 إلى 6 ملايين طن مستهدف توريدها من المزارعين.
وطرأت مشكلة في توريد القمح من المزارعين دفعت مصيلحي إلى إصدار توجيه وزاري بشأن الضوابط المقررة لحصر الأراضي المزروعة التي تم حصادها، والأراضي التي لم يحصد محصولها حتى الآن.
وجاء ذلك في إطار مخطط الحكومة لشراء حصة القمح المستهدفة محليا هذا الموسم، كما تقرر معاقبة المزارعين الممتنعين عن توريده اعتراضاً منهم على سعر الأردب المحدد بواقع 885 جنيهًا (نحو خمسين دولارا).
وشمل القرار إمكانية، حسب قيمة القمح غير المسلم إلى الحكومة، بمضاعفة القيمة المقررة للتوريد لتكون قيمة أردب القمح غير المسلم بمبلغ 1770 جنيها (نحو مائة دولار).
وبموجب ذلك سيتم تنزيل هذه المبالغ في حساب الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة للوزارة بالبنك المركزي، تنفيذا لأحكام المادة السادسة من القرار الوزاري الصادر في التاسع والعشرين من مايو الماضي.
ويعتقد شريف فياض أستاذ الاقتصاد الزراعي بمعهد بحوث الصحراء بالقاهرة أن الحكومة لن تقدر على تحصيل كميات القمح المستهدفة من المزارعين.

وتوقع أن تبلغ كمية القمح الموردة نحو 4.5 مليون طن بسبب ارتفاع سعره في السوق، حيث يقوم التجار وبعض شركات القطاع الخاص بشراء الأردب بنحو 1100 جنيه (حوالي ستين دولارا).
وما يؤكد أن الحكومة فشلت في إدارة ملف الأمن الغذائي ما ظهر جليا قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية أيضا، إذ تعاني البلاد من أزمة شح القمح، التي تعمقت بسبب السياسات الزراعية الطاردة لزراعته ووجود محاصيل أخرى مثل الفول لها أولوية.
وقال فياض لـ"العرب" إن "المزارعين أهملوا المحاصيل الرئيسية لعدم ربحيتها وفضلوا زراعة الخضروات، لأنها أكثر ربحية". وأضاف "تسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج مثل الأسمدة والقيمة الإيجارية للأراضي الزراعية القديمة في مضاعفة الأزمة، فهي عوامل دفعت الفلاح إلى التخلي عن زراعة المحاصيل الأساسية".
ومن ثم مشكلة الغذاء في مصر ليست وليدة الظروف العالمية الراهنة، ولابد من إعادة النظر في إدارة ملف الأمن الغذائي من قبل وزارتي الزراعة والتموين.
كما أن استمرار الاقتراض من أجل الغذاء يضع الدولة في موقف ضعف أمام المؤسسات الدولية، وهو ما يعوق السلطات في جذب الاستثمارات الأجنبية والترويج للمشروعات التي تستهدفها الفترة المقبلة.
وتمثل القروض عبئا جديدا على الديون الخارجية للبلاد، إذ تُنهك فوائد خدمة الديون وأقساطها الموازنة العامة للدولة، وهي عوامل تعرقل الاستثمارات الحكومية، ومن ثم تعوق مشروعات البنية التحتية في البلاد.
وكشفت أحدث بيانات صادرة عن المركزي عن ارتفاع صافي الدين الخارجي لمصر بقيمة 8.1 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي. وصعد منحنى الديون إلى حوالي 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي من مستوى 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي بنسبة زيادة بلغت 5.8 في المئة.
ويكمن الحل الأمثل في مواجهة الفقر الغذائي بمصر في ضرورة تغيير الاستراتيجية الزراعية التي تعزز الاكتفاء الذاتي لتجاوز أزمة توفير الحبوب مستقبلاً وهذا لن يتحقق إلا بالتركيز على الاهتمام بالمزارع أولاً لإقناعه بزراعة المحاصيل الأساسية ثم منحه حوافز وتسهيلات ائتمانية.
ويأتي التدخل من جانب الحكومة لتحديد القيمة الإيجارية والتي تصل إلى نحو 15 ألف جنيه للفدان للأراضي الزراعية القديمة في مقدمة عوامل الدعم الرئيسية للمزارع.
وإلى جانب ذلك ينبغي دعم مدخلات الإنتاج وأهمها الأسمدة، وأن تكون أسعار المحاصيل عند التوريد ملائمة حتى لا يلجأ المزارع إلى بيع المحاصيل في السوق الموازية.
مشكلة الغذاء في مصر ليست وليدة الظروف العالمية الراهنة، ولا بد من إعادة النظر في إدارة ملف الأمن الغذائي من قبل وزارتي الزراعة والتموين.
وأوضح الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن الحكومة تسعى إلى ضمان توفير احتياطي استراتيجي من السلع الغذائية في البلاد، وأن اللجوء إلى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية لا يخضع لأسعار الفائدة المرتفعة على المستوى العالمي، بل يخضع لبعض الرسوم والتي لا تعمق الأعباء على الموازنة العامة للدولة.
وأشار لـ"العرب" إلى أن القاهرة تسعى للتحوط أيضا من التضخم المستورد، وعلى العكس نجحت في زيادة نصيبها المخصص من المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة، وهي خطوة إيجابية تدعم الاحتياطي النقدي الذي تراجع بسبب التزامات الديون.
ويجب أن تعمل الحكومة على الحد من معدلات الفقر بالبلاد كي لا يظل رغيف الخبز المدعم يمثل أزمة تؤرق السلطات، بالتالي كلما تحسنت مستويات المعيشة تنخفض معدلات الدعم وعدم الحاجة الماسة إلى بطاقات التموين مثلما يحدث حاليا.
ومن العوامل التي تعزز من العدالة الاجتماعية زيادة الضرائب على الأثرياء وكذا على الشركات بما لا يطرد الاستثمار، لأن الحاصل حاليًا هو زيادة معدلات العوز والفقر بسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة منذ 2016.