مسقط توجه بوصلتها إلى فرص تعدين العملات المشفرة

وجهت سلطنة عمان بوصلتها إلى الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة المُعتمدة في قطاع الطاقة، بغية توظيفها في مجالات تخدم اقتصادها للاستفادة من الغازات المصاحبة في عمليات الإنتاج التي يمكن أن تتيح فرصا هائلة من بوابة إدارة العملات الافتراضية.
مسقط – استحوذ جهاز الاستثمار العماني على حصة إضافية في شركة كروزو إنيرجي سيستمز الأميركية لتقنيات الطاقة التي تساعد منتجي الوقود الأحفوري على الحد من حرق فائض الغاز، واستخدامه بدلا من ذلك في عمليات تعدين العملات الرقمية.
وتعطي الصفقة للبلد الخليجي موقعا رياديا في منطقة الشرق الأوسط للوصول إلى هذه التقنية المتقدمة، بما يخدم قطاعات النفط والغاز وتوليد الطاقة وتقنية المعلومات والاتصالات.
وكان الجهاز، الذي لم يكشف عن حجم الحصة كون سياساته تحول دون الإفصاح عن ذلك، جزءا من جولة تمويل قيمتها 350 مليون دولار جمعتها كروزو في أبريل الماضي.

تشيس لوشميلر: سنطلق أول مشروع تجريبي في المنقطة بحلول 2023
واكتفى إسماعيل الحارثي، المدير المسؤول عن الاستثمارات التكنولوجية بالجهاز، بالقول في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العمانية الرسمية إن الجهاز “يحتل موقع الريادة في جلب هذه التقنية إلى المنطقة التي تضم بعضا من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم”.
كما أوضح عقب توقيع الاتفاقية في مسقط أن الجهاز يسعى إلى استفادة المنطقة ككل، وخصوصا الشركات العاملة في قطاع الطاقة التي ستحصل على عوائد مالية من شركة كروسو لتتمكن من استخدام الغازات المصاحبة بتقنيتها الحديثة.
ورفضت كروزو الكشف عن تفاصيل الصفقة، لكن رئيسها التنفيذي تشيس لوشميلر أكد أن الشركة التي تتخذ من دنفر مقرا لها ستفتح مكتباً في العاصمة العمانية لتعزيز نشر مولدات الطاقة ومعدات التعدين اللازمة للحصول على الغاز من مواقع آبار النفط.
وقال إن شركته “تجد في جهاز الاستثمار العماني شريكا ذا نظرة بعيدة المدى في ما يخص معالجة المشكلات الكبرى، وتتطلع بشكل كبير إلى تعزيز هذه الشراكة”.
وتساهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 38 في المئة من الغازات الفائضة عن حقول النفط، التي يجري حرقها في العالم، والتي تتعرض لانتقادات بسبب إطلاق غازات دفيئة ضارة وتفاقم أزمة تغير المناخ.
وقال لوشميلر “كنا نشعر دائما بضرورة حضورنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، نظرا إلى مساهمتها المرتفعة في حرق الغازات عالمياً. وأضاف “نحاول التوصل إلى اتفاق مع الدول التي تسعى بشكل مكثف لحل مشكلات حرق الغازات”.
ويخضع تعدين العملات الرقمية لتدقيق السلطات النقدية والتنظيمية أيضا، كونه يستخدم الطاقة بكثافة ويعتمد على حرق الغاز الطبيعي.
ويتطلب إنشاء أو تعدين البتكوين والعملات المشفرة الأخرى والتربح منها كمبيوترات قادرة على حل معادلات رياضية معقدة، مما يؤدي إلى استهلاك كبير للكهرباء يعادل أحيانا ما تستهلكه دول بأكملها.
ولأن تلك العملات المتداولة تتحرك خارج جميع السلطات الرقابية والتنظيمية، فليس ثمة أرقام دقيقة لقيمتها، لكن خبراء يقولون إنها أكثر من 1.1 تريليون دولار بما يعادل ثلث قيمتها في نوفمبر الماضي، بينما كانت في 2019 عند 400 مليار دولار تقريبا.
وتركز كروزو إنيرجي، التي تحتفظ بكل العملات التي تستخرجها، على بدء أعمالها في المناطق النائية، حيث لا يكون من المجدي اقتصاديا إنشاء بنية تحتية للحد من حرق الغازات.
وستعقد الشركة الأميركية ورشة عمل في عمان الاثنين المقبل مع أكبر منتجي النفط في البلاد، ومن بينهم شركتا أوكيو وتنمية نفط عُمان. واستبق لوشميلر انعقاد هذا اللقاء بالإعلان عن بدء إطلاق أول مشروع تجريبي في الشرق الأوسط بحلول نهاية العام أو مطلع عام 2023.
38
في المئة نسبة إنتاج المنطقة العربية من الغازات الفائضة عن حقول النفط حول العالم
وأشار إلى أن انخفاض أسعار بتكوين سيكون “له بالتأكيد بعض التأثير في إيراداتنا، لكن لن يؤثر في أي خطط للنمو والتوسع”. وبحسب تقرير أصدره البنك الدولي في عام 2020 فإن عمان ضمن الدول العشر الأولى في العالم من ناحية انبعاثات الغاز المصاحب.
وتشكل الصفقة استمرارا في تنويع استثمارات الجهاز الدولية جغرافيا وقطاعيا، وبما يعود بالنفع على البلد الخليجي، من حيث عائدات الاستثمار واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة ونقل التقنيات الحديثة والمتقدمة عالميا للاستفادة منها محليا.
ووفقا لتصريحات الحارثي لوكالة بلومبرغ فإن الحكومة العمانية التي وقَّعَت على مبادرة البنك الدولي لإنهاء الحرق الروتيني للغازات بحلول عام 2030 استثمرت في كروزو منذ مطلع 2021، ثم زادت تلك الحصة في جولة التمويل التي انعقدت في أبريل الماضي.
وأضاف في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني “تلتزم عُمان بخفض الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري تماشيا مع اتفاقية باريس للمناخ”.
وتضخ عُمان حوالي 830 ألف برميل من النفط الخام يوميا رغم أنَها ليست عضواً في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ولكنها جزء من تحالف أوبك+ الذي تقوده السعودية وروسيا.
ونفذت الحكومة سلسلة من الإصلاحات لموازنة ميزانيتها، وخفّضت ديونها منذ وصول السلطان هيثم بن طارق إلى السلطة في عام 2020، بما في ذلك إدخال ضريبة القيمة المضافة من بوابة تنويع مصادر الدخل.
وتخطط مسقط لاستخدام المكاسب غير المتوقَعة من ارتفاع سعر النفط الخام إلى أكثر من مئة دولار للبرميل لخفض الدين العام الذي ارتفع خلال جائحة كورونا، وتعزيز الإنفاق على المشاريع التنموية.
ووفقا لوزارة المالية سجلت البلاد فائضاً في الموازنة العامة قدره 545 مليون دولار في الشهرين الأولين من هذا العام، وذلك بالمقارنة مع عجز بلغ 1.2 مليار دولار قبل عام.
وعانى البلد الخليجي ذو التصنيف الائتماني المنخفض لدى كافة الوكالات الكبرى خلال السنوات الأخيرة لكبح العجز المتزايد، ولكن الأزمة في أوكرانيا أعطت متنفسا للمسؤولين لسداد جزء من ديون البلاد.
وتهدف سلطنة عمان المثقلة بالديون إلى تحقيق التوازن في موازنتها بحلول عام 2025. وتتوقع الحكومة خفض ديون البلاد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 58 في المئة هذا العام من 62.9 في المئة مسجلة خلال العام الماضي.