ازدراء الأديان تهمة جاهزة آخر ضحاياها الأديبة سلوى بكر

الأديبة المصرية طرحت مسألة تدريس القرآن والتشدد لتتحرك ضدها المؤسسات الدينية.
الجمعة 2022/06/03
لم أمسّ الدين الإسلامي بسوء

مازالت المؤسسة الدينية بأفكارها القديمة تتحكم في مفاصل الحياة في الكثير من المجتمعات العربية، فهي مؤسسة تحكم قبضتها حتى على الحياة العلمية والثقافية والفنية، وتكبح جماح الأفكار الحرة أو الناقدة أو المجددة، وذلك بتهمة تتناقلها منذ قرون ألا وهي ازدراء الدين، باعتبارها تهمة فضفاضة وجاهزة لرفعها أمام أيّ مثقف أو كاتب أو مفكر أو مبدع أو صاحب رأي. ومؤخرا وجهت هذه التهمة إلى الكاتبة المصرية صاحبة التجربة الأدبية الهامة سلوى بكر.

القاهرة - أصبحت تهمة ازدراء الأديان سيفا مسلطا على رقاب الكثير من المفكرين والمثقفين في مصر، وتهمة تطارد كل من يحاولون الاجتهاد لرفض تصرفات سلبية في المجتمع تتقاطع مع الدين، وتتعرض الأديبة والروائية سلوى بكر لهذه التهمة حاليا.

وتقدم أحد المحامين ببلاغ إلى النائب العام في القاهرة يتهمها بازدراء الأديان ردا على تصريحات أدلت بها في أحد البرامج التلفزيونية مؤخرا، وأبدت فيها الاعتراض على تحفيظ الأطفال القرآن الكريم في سن مبكرة، واعترضت على ارتداء الفتيات الحجاب في مرحلة تعليمية متقدمة، وجاءت إجاباتها في البرنامج وبعده مؤيدة لمدنية الدولة ومشجعة على الإبداع.

واعتبرت الأديبة المصرية أن القيام بهذه الممارسات يمثل نواة للتطرف في البلاد، ومن الضروري الوقوف ضد كل ما يمثل عائقا في المستقبل، وهي نظرة يتبناها الكثير من المثقفين الذين طالبوا بتحديث مناهج التعليم وتنقيح التراث وتجنّب كل ما يعوق التقدم أو يحجب فضيلة الاجتهاد وتهيئة البيئة لنمو الدولة المدنية.

وأحدثت تصريحات سلوى بكر ردود فعل متفاوتة، فالمثقفون وقفوا إلى جوارها بقوة باعتبار أن كلامها لا يمثل إهانة للدين الإسلامي ولا يمس الجهات التي تقوم بتحفيظ القرآن في المدارس أو الكتاتيب، خاصة أن كلامها كان
منصبا على رفض ما تراه تصرفات سلبية لم تكن موجودة خلال تنشئتها، وهو الذي جعلها وغالبية أبناء جيلها على درجة عالية من الوعي والتنوير وبلا تشدد أو انحياز إلى دين على حساب آخر.

وحلّت الكاتبة الروائية سلوى بكر ضيفة على الإعلامي عمرو عبدالحميد مقدم برنامج “رأي عام” على قناة “TeN” المصرية، وتحدثت عن الحجاب وتحفيظ الأطفالِ القرآنَ قائلة “مواجهة الإرهاب أمر حتمي وضروري، حيث يدفع الأبرياء والشهداء دماءهم ضريبة تلك الجماعات الإرهابية”.

مواجهة بين فريقين

أكدت بكر أن فكر الجماعات الإخوانية تغلغل في التعليم بصورة كبيرة، وتساءلت مستنكرة “إزاي (كيف) نلزم البنات في الإعدادي بلبس الحجاب ونلغي حصص الرياضة والموسيقى والرقص؟”، مشيرة إلى أن التعليم “بحاجة إلى قيادة لديها رؤية ثقافية وفكرية تبدأ باختيار المقرر الدراسي وتنتهي باختيار مدرس واع ومثقف”.

ووجدت قوى إسلاموية، درجت على توظيف هذا النوع من التصريحات التي تتسم بدرجة من اللبس لدى البعض، في ذلك فرصة لشن حملة على الأديبة المصرية، ورفع ورقة ازدراء الأديان في وجهها. وهي الورقة التي تحولت إلى سلاح يتم تهديد كل من يحاولون الاعتراض على أي تصرفات لها علاقة بالدين.

ويقول الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد إن ما قالته سلوى بكر يندرج ضمن حرية الرأي، لأنها ليست في موقع سلطة حتى تتمكن من تنفيذ ما قالته، ولم تحمل سلاحًا لإجبار المجتمع على الاقتناع بما تقوله، ومن الطبيعي أن تختلف الآراء بشأن ما ذهبت إليه، غير أن الخطر في تحول الآراء مرتبطة بالدين إلى قضايا ازدراء أديان وتصبح سيفًا على رقاب المثقفين والمجتمع بوجه عام.

ورقة ازدراء الأديان تحولت إلى سلاح لتهديد كل من يحاولون الاعتراض على أي تصرفات لها علاقة بالدين

ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن “الأفكار السلفية المسيطرة على المجتمع منذ عقود طويلة تقود إلى مثل هذه الممارسات، وهناك قناعة لدى قطاعات واسعة من المواطنين بأن المثقفين ليست لهم علاقة بالدين، والأمر يرتبط بالتعليم الديني وأساليبه وقدرات القائمين عليه في توصيل صحيح الدين إلى الصغار”.

وكالعادة احتدّ الجدل، وحاول كل فريق أن ينظم صفوفه للدفاع عن موقفه، بينما بدت سلوى بكر هادئة ومتمسكة بموقفها ولا تحبذ الشعبوية التي أراد البعض جرها إليها عنوة، وقامت بالمزيد من التوضيح والتفسير والشرح لفحوى رؤيتها التي حاول من يمكن وصفهم بالخصوم المتدثرين بالدين استغلالها لشغل الرأي العام وتحقيق أهداف سياسية من ورائها تعزز مكانتهم في المجتمع وتوحي بأنهم أصحاب الصوت الأعلى.

وشددت تصريحات بكر عقب اتهامها بازدراء الأديان على أنها لم تمس الدين الإسلامي بسوء، ولا تعترض على تعليم القرآن الكريم، وكل ما أبدته هو اعتراضات على ممارسات بشرية تحمل انعكاسات قاتمة على المجتمع، والمطالبة بقصر تدريس تعليم الدين على قصار الصور التي يمكن للتلاميذ استيعاب مضمونها.

مقارنات عقيمة

إبراهيم عبدالمجيد: ما قالته الكاتبة سلوى بكر يندرج ضمن حرية الرأي

عند هذه اللحظة تبارى بعض الشيوخ المحسوبين على الأزهر ودخلوا في جدل “عقيم” ومقارنات بلهاء بين أيهما أجدى تعليم الدين من الصغر أم تعليم الرقص والباليه والموسيقى واللغات الأجنبية؟ نقاش حاد بالقضية التي طرحتها الأديبة المصرية عن هدفها.

وتحدث أحدهم باستفاضة عما يمثله كل جانب في حياة الطفل، في إشارة إلى تعليم القرآن في الصغر والفنون والرياضات المختلفة واللغات الأجنبية، واستشهد بفتح الباب لتحفيظ القرآن وتلقي الجهات القائمة عليه نحو نصف مليون طلب لأطفال يريدون حفظ القرآن في هذه السن، واستخدم الإقبال المكثف دليلا على جاذبية المشروع.

واتخذت القضية بعدا تصاعديا وتحولت إلى كرة ثلج كبرت خلال أيام قليلة بصورة قد يصعب تفتيتها، لأنها تقاطعت مع المشروع الذي تقوم به مؤسسات دينية عديدة بشأن تحفيظ الأطفال القرآن.

وحدث استقطاب مجتمعي لافت بين مؤيدي سلوى بكر ومعارضيها، في حين تعمدت شرح الأمر وتبسيطه انطلاقا من دوافع رأت أنها تستحق المناقشة بلا تزمت من أي طرف، فالعبرة أن ما طرحته يمكن أن تكون له تأثيرات تتجاوز مسألة الثقافة، وتصل إلى تهديد الأمن إذا تحول ما تعلمه الأطفال في الصغر إلى ركيزة يستند عليها المتطرفون لتجنيد المزيد من العناصر التي تتبنى أفكارهم.

في المقابل يرى شيوخ في الأزهر أن مشروع تحفيظ الأطفال القرآن تحت إشراف جهات رسمية هو حائط صد يمنع تجنيدهم مستقبلا، لأن طريقة التعليم والتحفيظ تقوم على الوسطية والليونة والحث على تعظيم القواسم المشتركة في الأديان.

مطبات فكرية

محمد أبوحامد: على المثقفين الحذر أثناء تناول القضايا الدينية الشائكة

رغم أن أنصار هذا الاتجاه يدافعون عن موقفهم بقولهم إن تحفيظ الأطفال القرآن قيمة دينية وأخلاقية تعصمهم من الوقوع في فخاخ المتشددين وتهذب أخلاقهم، إلا أن نخبة علمانية ترى عكس ذلك، حيث يمنع هذا الطريق هؤلاء الأطفال من الاطلاع على ثقافات وديانات أخرى، ولفتوا إلى أن عددا كبيرا من كوادر التنظيمات المتطرفة درسوا في مدارس دينية وحفظوا القرآن في سن صغيرة وكانت عقولهم منغلقة بشدة.

ويؤكد الباحث في شؤون الأديان محمد أبوحامد أن إثارة عدد من المثقفين موضوعات ذات ارتباط بتعليم القرآن الكريم أمر لا يخدم توجهات الدولة نحو تصويب الخطاب الديني، ولا يعبر عن طبيعة البناء الثقافي لجيل العظماء من المفكرين المصريين وعلى رأسهم طه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهما من أوائل دعاة تجديد الخطاب الديني.

ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن “تصريحات المثقفين التي دائما ما تجتزأ من سياقها تكون سببًا في خلق انطباع عام لدى عوام الجمهور بأن التجديد يستهدف إبعادهم عن القرآن أو العبادات الأساسية في الدين وهو أمر ليس صحيحا”.

ويشير إلى أن المؤسسات الدينية المصرية تحاول بشتى الطرق التعامل مع الفراغ الذي طالما استغله تنظيم الإخوان والجماعات المتطرفة داخل المساجد وتتجه نحو تدشين المزيد من المبادرات التي تستهدف استيعاب الأطفال بدلاً من تركهم عرضة للاستقطاب، وبالتالي فإثارة جدل ثقافي حول تحفيظ القرآن يتعارض مع توجه الحكومة.

وشدد على أن المثقفين عليهم أن يتعاملوا بالمزيد من الحذر مع القضايا الدينية الشائكة التي تمنح مبررات لمؤسسات دينية تتحفظ على أي أفكار ترتبط بتجديد التراث، ما يجعل هناك صعوبات عديدة في الترويج لأفكار الاعتدال.

13