"الإسلام في ثلاثين ثانية".. تيك توك البيت الجديد للمتطرفين

جماهيرية جارفة لجيل جديد من المؤثرين يحملون تفسيرات صارمة للدين على تيك توك.
الخميس 2022/06/02
مليونا مشترك يتابعون "وصايا" ريدازيري

عبر تطبيق تيك توك، يصل المؤثرون المسلمون إلى جمهور كبير من خلال مقاطع فيديو قصيرة جدا مخصصة لتعليم الدين. وتحظى بعض الروايات التي تروج لمقاربة متطرفة للإسلام بشعبية كبيرة بين الشباب. ويكون الهدف من هذه الفيديوهات التي تكون قصيرة وديناميكية وجذابة عادة: التذكير بما يسمح به الدين وبما لا يجيزه.

كيبيك (كندا) - بشعر بني وعيون خضراء ولحية أنيقة حقق الكيبيكي ريدازيري نجاحا كبيرا على الشبكات الاجتماعية، لاسيما على تطبيق تيك توك، حيث يضم حسابه أكثر من مليوني مشترك.

 يتقن الرجل، وهو في منتصف العشرينات من عمره، رموز هذه الوسائط الجديدة تماما: مقاطع فيديو قصيرة ومونتاج ديناميكي وروح دعابة ومسابقات، والأهم القرب من مجتمعه الذي يسميه بمودة “العائلة”. موضوعه المفضل في كل ذلك: الإسلام.

كل يوم يقدم تذكيرا للمؤمنين: الطريقة الصحيحة للوضوء وما يجب القيام به عندما يتم تشتيت انتباهك أثناء الصلاة. يتحدث عن التسامح والمساعدة المتبادلة، ويطلب من مشتركيه مساعدة المحتاجين. يقدم ريدازيري أيضا جوانب أكثر تقليدية من الدين: القواعد الصارمة التي تحكم العلاقات بين الرجال والنساء، والالتزام بارتداء الحجاب، وأسباب عدم الاستماع إلى الموسيقى أو تزيين المنزل في عيد الميلاد.

عرف تيك توك لأول مرة بالشبكة التي تركز على الترفيه والتي تجذب الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و29 عاما. ومع ذلك، تتداخل الأديان بشكل متزايد هناك: حصد هاشتاغا #islam (إسلام) و#jesus (المسيح) 78.9 مليار و51.5 مليار مشاهدة على التوالي. وكان الرقم مليارا و85 مليون مشاهدة على التوالي فقط في عام 2019، وفقا لمقالات من صحيفتي “أنسايدر” و”ذي دايلي بيست”.

ومن أشهر الحسابات التي تتحدث عن الإسلام “شارع إلهان”، “افهم طعامك”، “تعرف على الإسلام” و”هشام R2F”، يتبع كل منها مئات الآلاف من المشتركين. وهي أكثر شعبية من حسابات تتحدث عن المسيحية الكاثوليكية على غرار “نوهاتي” و”ليونل فيه” و”أوليفييه”. ومن بينهم يحظى الأب ماثيو، وهو كاهن شاب من منطقة يون في فرنسا، بشعبية واسعة.

أعلن هذا الأخير عن نفسه، من بين أمور أخرى، بفضل مقطع فيديو أكد فيه أنه لم يُكتب في أي مكان، لا في الكتاب المقدس ولا في التعليم المسيحي، أن المثلية الجنسية “خطيئة”، مما أثار حفيظة فرنسيين وخاصة رجال الدين. ولديه الآن ما يقرب من 900000 مشترك. وعلى تيك توك حتى “الشيطانة” تجد مكانها، إذ يتابع حساب xxdevilishdollxx الشابة التي تدعي أنها “شيطانة” أكثر من 92000 شخص.

وفي وقت سابق من هذا العام صنفت صحيفة “لا كروا” الفرنسية اليومية، في تقرير عن صعود المؤثرين المسلمين الناطقين بالفرنسية، ريدازيري كأحد أهمهم. وسلط تقرير للصحيفة الضوء على قلق الفرنسيين بشأن هذه الزيادة في جذب الاهتمام.

 وأعرب كلود أسكولوفيتش الصحافي المسؤول عن المراجعة الصحافية في الإذاعة العامة “فرانس إنتر” عن قلقه من أن البعض تمكن من تكييف الأصولية مع قوانين تيك توك. وفي الموقع الإخباري اليميني المتطرف “بوليفارد فولتير”، ادعى الصحافي رينو دي بورليف أن الإسلام “يجند” و”يلقن العقائد” على هذه الشبكة الاجتماعية “الخطيرة”.

وتابع أن “هناك خوف من انتشار “الخرافات” وأيديولوجية دينية تشجع على فصل المؤمنين عن بقية السكان. قبل كل شيء، نشعر بالقلق لهذا الشاب المولع بالمقاطع المرحة، والذي لن تكون روحه النقدية حادة بما يكفي لتمييز القمح عن القشر”.

وتجاهل ريدازيري، الذي يبتعد عن الإعلام، العديد من طلبات المقابلات وظلت عدة محاولات مع ست من السلطات الدينية والأكاديمية حبرا على ورق أو رُفضت. فقط صولانج ليفبفر الأستاذة وصاحبة كرسي إدارة التنوع الثقافي والديني في جامعة مونتريال، وافقت على مناقشة هذا الموضوع.

صولانج ليفبفر: الاهتمام بالمواضيع الدينية على تيك توك ليس مفاجئا

بالنسبة إلى ليفبفر فإن “الاهتمام بالمواضيع الدينية على تيك توك ليس مفاجئا للغاية” وتضيف “عندما يكون عمرك بين 15 و25 عاما، فأنت في فترة تسأل فيها نفسك عادة أسئلة كبيرة، في هذا البحث عن بناء الذات، غالبا ما نجد أنفسنا نبحث عن الروحانيات والمعايير وقواعد الحياة التي يمكن أن توفرها العقيدة”.

وتتابع ليفبفر “لقد مر الدين أيضا بأوقات سيئة في المجال العام الناطق بالفرنسية لعدة سنوات. لقد جعل اعتماد قوانين العلمانية في فرنسا وكيبيك وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 هذا الموضوع شائكا. هناك رواية عن الدين تتحدث عنه بشكل نقدي وتخرجه من المدارس. حسنا، سوف يعود. سيخلق هذا محرما، ولن يجرؤ الناس بعد الآن على مناقشته وسيتوجهون إلى الإنترنت والشبكات الاجتماعية”.

ومع ذلك، إذا كانت “القارة الرقمية” مناسبة بشكل خاص لهذا البحث عن المعنى، فهي ليست منطقة مألوفة للسلطات الدينية، إذ بدأت اتصالاتها بوسائل التواصل الاجتماعي في التكون بفعل وباء كورونا. وتقول الأستاذة إن “بعض التجمعات الدينية لم تكن لديها حتى عناوين بريد إلكتروني لأعضائها”.

وتشير إلى أنه “بفضل إتقان ريدازيري والأب ماتيو الكبير للغة هذه الشبكات وصلا إلى الجيل الجديد من الشباب، هذه المهارة لا تزال نادرة داخل الجماعات الدينية التقليدية”.

وعلى حساباته على تيك توك وإنستغرام ويوتيوب، يدعي ريدازيري أنه تم حظره في عدة مناسبات. ويكرر أنه ليس إماما وأنه ببساطة يقدم تذكيرات دينية لأتباعه.

ورد على وسائل الإعلام الفرنسية التي تشعر بالقلق على شعبيته عبر إنستغرام، بخيبة أمل بسبب تصويره على أنه “خطيب يحتمل أن يكون خطيرا”، ويدعي ريدازيري أنه “لا يمثل أي حركة طائفية. إنه يود أن يدافع عن الحرية والتعايش وقبل كل شيء السلام”.

ويقول أرنود لاتشيريت الدكتور في العلوم السياسية والمتخصص في الإسلام إن “خطر الانعزال مشكلة، بعض هذه الروايات تبث رؤية جامدة، بل صارمة للإسلام”. ويعتقد أن “الخطر الرئيسي لمقاطع الفيديو الخاصة بريدازيري هو عزل أولئك الذين يشاهدونها. إنهم يخاطرون بالتحول وتبني نسخة من الإسلام تنفرهم وتفصلهم عن بقية المجتمع”.

كلود أسكولوفيتش: هناك خوف من انتشار "الخرافات" وأيديولوجية دينية تشجع على فصل المؤمنين عن بقية السكان

في المقابل تحاول اللجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الانحراف والتطرف في فرنسا أيضا مخاطبة الشباب ولكن لديها فقط 6000 مشترك مقابل أكثر من مليون لبعض المؤثرين المسلمين.

وتدعي شركة تيك توك إزالة أي محتوى لا يحترم قواعد مجتمعها.

من جانبه، يأسف مروان سيناسور، وهو مسلم ويدرس علم النفس الاجتماعي في جامعة فرنسية، لأن هؤلاء الأئمة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين، لم يتحدثوا أبدا عن العقيدة الإسلامية.

ويقول سيناسور إن “ظهور دعاة إسلام سلفي شديد التبسيط على الشبكات الاجتماعية يثير أولا مسألة اندماج هؤلاء الشباب في المجتمع الفرنسي”، مؤكدا أن الأمر “علامة على فشل النظام المدرسي في إرساء ثقافة الروح النقدية للأجيال التي تبحث عن المعنى”.

وعن سؤال حول صعوبة الترويج لإسلام التنوير والعقل، يقول سيناسور إنه “من الصعب في فرنسا إجراء خطاب حول الإيمان والعقل، في حين أن العلمانية كثيرا ما يتم الترويج لها. ينتمي الدين أيضا إلى عالم العقل، لكن لا أحد يجرؤ على قول ذلك. هذه المعرفة مقومة بأقل من قيمتها. على سبيل المثال، يجب أن يكون أطفالنا قادرين على تعلم اللغة العربية كلغة أجنبية في المدرسة، في إطار عام وعلماني وعقلاني، وليس فقط في المساجد أو الجمعيات التي أغلبها أصولية”.

ويضيف أن “الإسلام ليس الدين الزائف التبسيطي الذي ينقله تيك توك. هناك دعاة يسمحون لك بالتفكير”.

ويتابع “هناك تلاوات للقرآن على موقع يوتيوب مع ترجمة فرنسية، وهناك كتب تمهيدية عن القرآن، مثل تلك التي كتبها الطيب شويرف أو الطاهر بن جلون، والتي تقدم رؤية بسيطة ولكنها ذات صلة بالقرآن والإسلام.. الإسلام ليس فيديو في ثلاثين ثانية”!

16