تونس تمتحن اتحاد الشغل لتضعه في حجمه الحقيقي

يعكس صمت الرئيس التونسي قيس سعيد وحكومته برئاسة نجلاء بودن إزاء تصعيد اتحاد الشغل أن الدولة التونسية بصدد امتحان النقابة قبل إعادتها إلى حجمها، خاصة وأن عدة تحركات أبرزت أن الرئيس سعيد لا يتراجع أمام أي ضغوط ومن أي جهة كانت.
تونس – قالت أوساط سياسية تونسية إن سكوت الرئيس قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن على التصعيد في الخطاب الصادر عن قيادات الاتحاد، وكذلك قرار الإضراب العام في المؤسسات الحكومية، يظهر أن الدولة تمتحن اتحاد الشغل لترى إلى أين سيصل به خطاب المزايدة قبل أن تتدخل لتضع حدا لمظاهر تحدي الدولة.
وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن سكوت الدولة ليس علامة ضعف، لافتة إلى أن الرئيس سعيد أظهر أنه قوي ولا يخضع للابتزاز من أي جهة كانت، حيث نجح في تجميد البرلمان ثم حله لاحقا، وأصدر مراسيم ستقود إلى تغيير كلي للواقع من بوابة الاستفتاء، وهو لن يقف صامتا أمام التصعيد الذي يلوح به الاتحاد، وما قد يقود له من توتر اجتماعي.
وأضافت هذه الأوساط أن هذه فرصة أمام الدولة لتعيد الاتحاد إلى حجمه الحقيقي كمنظمة اجتماعية مهمتها الأصلية التفاوض مع الحكومة، والوصول إلى نتائج توافقية تراعي إمكانيات الدولة من ناحية وحاجة الموظفين والعمال إلى تحسين الرواتب من ناحية أخرى.
أوساط سياسية أشارت إلى أن سكوت الدولة ليس علامة ضعف، لافتة إلى أن سعيد أظهر أنه لا يخضع للابتزاز من أي جهة
ودعت الاتحاد إلى التخلي عن فكرة التفاوض من موقع قوة والعودة إلى طبيعة العلاقة مع الدولة مثلما هو الشأن ما قبل 2011 حتى يمكن بناء علاقة توافق مع الحكومة، خاصة الحالية التي تريد علاقة قائمة على المصارحة والجلوس على طاولة الحوار والتفاوض حول جميع النقاط.
وأعلن الاتحاد الثلاثاء إضرابا عاما في كافة المنشآت العمومية يوم السادس عشر من يونيو على خلفية خلافات مع الحكومة بشأن إصلاح المؤسسات.
وأفاد موقع “الشعب نيوز” التابع للنقابة بأن الهيئة الإدارية للاتحاد قررت موعد الإضراب الذي سيشمل 159 مؤسسة ومنشأة عمومية، ردا على ما أسماه الموقع بضرب الحكومة لمبدأ التفاوض وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية بجانب الارتفاع الكبير والمستمر للأسعار.
ويطالب الاتحاد بتطبيق اتفاقات موقعة مع الحكومة والدخول في مفاوضات لزيادة الأجور بهدف مواجهة الغلاء والشروع الفوري في إصلاح المؤسسات العمومية.
ويعترض الاتحاد على أي خطط لبيع مؤسسات عمومية للقطاع الخاص كما يطلب سحب منشور حكومي يفرض ترتيبات محددة على عملية التفاوض مع النقابات وهو ما يعتبره الاتحاد قيودا مسبقة على التفاوض.
ويقول مراقبون إن الاتحاد يحتاج إلى أن يلتزم بما يقوله من تصريحات عن رغبته في الحوار والتهدئة لأن الواقع غير ذلك، وأن النقابات تستعد لسلسلة من التحركات الاحتجاجية قد تزيد من مضاعفة الأزمة المالية في البلاد وتهز من صورتها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات، والتي تتطلب مشاركة الاتحاد في صياغتها وتبنّيها عبر مؤسساته لتصبح ملزمة له.
وواصل في الأيام الأخيرة نورالدين الطبوبي وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد تصعيدهم من اللهجة تجاه الرئيس سعيد.
ودعا الطبوبي الاثنين الرئيس سعيد ورئيسة الحكومة بودن إلى مصارحة التونسيين بحقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، في وقت حذرت فيه عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر من “تزوير” نتائج الاستفتاء المقبل حول الدستور الجديد.
وقال في مؤتمر صحافي في العاصمة “من واجب القيادة السياسية اليوم، ممثلة في رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة، مصارحة المواطنين بحقيقة الوضع الحالي في البلاد على جميع الأصعدة والمخاطر التي تهددها، وتقديم الحلول الكفيلة بتجاوز هذا الوضع”، مشيرا إلى أن “الوضع الاجتماعي يسوء يوما بعد يوم والاتحاد تحلى بالصبر لمدة 10 أشهر واليوم يجب التوصل إلى حلول، ونحن متمسكون بحقوق العمال وبالاتفاقيات الممضاة والمتعلقة بعدة ملفات كالحضائر والعائلات المعوزة
وغيرها”.
ونفى الطبوبي وجود وساطات بين الرئاسة التونسية واتحاد الشغل بهدف إقناع المنظمة الشغيلة للمشاركة في الهيئة الاستشارية لصياغة دستور جديد، مضيفا “الاتحاد لا يبحث عن التصعيد والمنظمة تفصل بين السياسي والاجتماعي. والشعب هو الفيصل بين الجميع في الرؤى والخيارات”.
كما دعا الطبقة السياسية إلى “الكف عن المهاترات والمناكفات، فالمرحلة اليوم هي مرحلة تجميع وانطلاق حقيقي وشعور بالمسؤولية”، موضحا “الوقت يجري، واليوم تحدونا إرادة كبيرة جدا في اتحاد الشغل وكذلك اتحاد الأعراف لإيجاد الحلول والمخرجات”.
ويتناقض هذا الخطاب مع ما يقره الاتحاد والطبوبي معا في علاقة بالإضراب الذي ينوي الاتحاد القيام به في المنشآت العمومية في يونيو.