"تحفة": مونودراما ساخرة عن علاقة التونسي بالتاريخ والمتاحف

الممثل محمد علي التونسي تقمّص ما لا يقلّ عن 25 شخصية أخذ خلالها الجمهور الحاضر إلى عالم المتاحف والتاريخ عبر شخصيات أثرت في تاريخ تونس.
السبت 2022/05/28
نموذج عن الكثير من التونسيين

تونس- ينظر أغلب التونسيين للمتاحف بتجاهل، حيث يشكو أغلبها من قلة الزيارات إلا من السياح، فالتونسي بطبعه لا يهتم كثيرا للتاريخ فلا يقبل على معرفته والتعرف على أشهر متاحف البلاد ومقتنياتها.

من هذه الفكرة، انطلق الفنان التونسي الشاب محمد علي التونسي لينجز عمله المسرحي الجديد “تحفة” والذي قدّمه مؤخرا في عرضه الأول بالعاصمة، وهو من نوع المونودراما الساخرة، من إخراج صحبي عمر ونص مالك بالحاج ومحمد علي التونسي وإنتاج شركة “موزيكا برود” وإدارة إنتاج لكريم الفوراتي.

و”تحفة” هي مغامرة جديدة في جنس الكوميديا، دام عرضها ساعة ونصف، وتتمحور أحداثها حول شخصية “فرج تحفة الراقد” شاب مولع بالتاريخ يعمل مجسد تحف في متحف وطني تاريخي، يحكي لنا عن يومياته المهنية وعن علاقته بالتاريخ ناقدا وضعه الاجتماعي المتردي بأسلوب الإضحاك والسخرية السوداء، تائها بين حاضره وماضيه.

◙ الممثل الشاب تمكن من نسج روابط تعددية مع المتلقي وأبدى تحكما في التواصل الداخلي للعمل على مستوى الإمتاع والإضحاك

وتعد مونودراما “تحفة” مساحة للثورة على الماضي والحاضر وهي أيضا محاولة للتطلع إلى مستقبل أفضل.

والمصطلح “تحفة” في العربية، وجمعُه تُحفٌ، هو قطعة أثرية لَهَا قِيمَةٌ تَارِيخِيَّةٌ أَوْ فَنِّيَّةٌ. وقد وظّفه الممثل محمد علي التونسي ومخرج العمل صحبي عمر في عديد المقاصد الأخرى التي يمكن أن تخدم الأسلوب الفني للعرض وهو “الإضحاك”، بما أن مصطلح “تحفة” يطلقه التونسيّون في لهجتهم الدارجة على الأشخاص الذين يتمتّعون بموهبة الإضحاك، فيقولون عنه “ملا تحفة”. ويبدو أن الممثل أتحف الحاضرين في عرضه ما قبل الأول بعمل مونودرامي ساخر متكامل على مستوى الشكل والمضمون.

إطلالة محمد علي التونسي على الركح، استُقبلت بوابل من التصفيق والتحيات وهتافات الإعجاب، إثر ذلك دخل الممثل في تفاصيل العمل، ليحكي تجربة الشخصية “فرج تحفة الراقد” مع المتحف ومع بقية أفراد العائلة التي تجسّد أيضا تنصيبات في المتحف نفسه.

وتقمّص الممثل محمد علي التونسي ما لا يقلّ عن 25 شخصية أخذ خلالها الجمهور الحاضر إلى عالم المتاحف والتاريخ عبر شخصيات أثرت في تاريخ تونس ومنها شخصية “حنبعل” التي يجسدها في المتحف أو من خلال شخصيات أخرى مثل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والجازية الهلالية والمنصف باي وغيرهم.

ووضع الممثل ظروف العمل في المتاحف وطرق إدارتها محلّ سخرية سوداء في ظاهرها هزل وإضحاك وفي باطنها تراجيديا ومأساة عن واقع المتاحف وسياسة الدولة في الاهتمام بتاريخ البلاد وثقافتها.

وإن اهتمت القضية المحورية في مونودراما “تحفة” بعلاقة التونسي بالتاريخ وبالمتاحف، فإن الممثل قد عرّج أيضا على عديد القضايا الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية، فانتقد بأسلوبه الساخر تدهور المقدرة الشرائية للمواطن وضعف المناهج التعليمية وعدم مواكبتها للتطور البشري وتدني الذوق الثقافي العام للأعمال الفنية وافتقارها للمضامين الهادفة. كما انتقد أيضا التعاطي الإعلامي مع الأحداث اليومية والقضايا الكبرى وغيرها من الملفات على غرار تفاقم ظواهر الفقر والبطالة وانحدار القيم الأخلاقية في المجتمع.

وللتعبير عن جملة هذه القضايا المطروحة، اهتمّ المخرج صحبي عمر بالجوانب الفنية المميزة لهذا العمل من سينوغرافيا وأداء الممثل وإيقاع العرض. ويمكن اعتبار مونودراما “تحفة” قد راوحت بين أسلوب الخطاب المباشر وبين “التجريب”، لذلك يمكن وصفها بأنها مغامرة جديدة في جنس الكوميديا، لما توفرت عليه من كتابات ركحية جديدة وغير مألوفة بالاعتماد على مدارس وتجارب مسرحية عالمية أهمها الأميركي “بوب ويلسون” والبريطاني “بيتر بروك”، وقد كان التركيز بالأساس على لعب الممثل على الركح الذي تنوّع أداؤه بين فن الحكي وبين تجسيد الشخصيات والغناء والرقص ليحول الصمت والسكون إلى ضحك وقهقهة خرجت من نفوس جمهور مثقل بأعباء الحياة.

وقد تمكن الممثل الشاب من نسج روابط تعددية مع المتلقي وأبدى تحكما في التواصل الداخلي للعمل على مستوى الإمتاع والإضحاك في الاسترسال الأدائي عبر التلون الصوتي والحركة الكاريكاتورية، وذلك في تجسيده لشخصيات من محيطه تتميز بسلوكيات مثيرة للسخرية الهزلية.

وهذه الخصوصية في أداء الممثل محمد علي التونسي، وظّفها المخرج أيضا للتصعيد في إيقاع العرض من بدايته إلى نهايته، وهو ما ساعد على شدّ انتباه الجمهور طيلة العرض الذي اختتمه بالثورة على الماضي والحاضر والثورة على الذات من أجل تغيير جدي وحقيقي نحو مستقبل أفضل.

والممثل الكوميدي الشاب محمد علي التونسي، يدرس حاليا في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، استهل مسيرته في الفن الرابع بالمسرح المدرسي والجمعياتي. وتم اكتشاف موهبته في التمثيل والكوميديا من خلال مسابقة “نسكافيه كوميدي شو” في موسمها الثالث سنة 2016 حيث حاز على الجائزة الوطنية الأولى مما مكنه من إنجاز عمله الأول في “وان مان شو” بعنوان “الفليجة”.

ونال الممثل عددا من الجوائز من بينها جائزة أفضل ممثل كوميدي “اكتشاف جديد” عام 2018، وجائزة أفضل كوميدي طوال 3 أعوام هي 2019 و2020 و2021، وكانت له مشاركة في الأعمال الدرامية.

15