أول مسرحية عن المثليين في تونس أمام تحد كبير

"فلاغرنتي" تكشف المسكوت عنه في المجتمع وتنادي بتغيير القوانين.
الخميس 2022/05/26
تجربة صعبة تظهر إنسانا مسحوقا

قد تبدو قضايا المثليين للكثيرين جدلا مسقطا على الواقع العربي، ولكنها ليست كذلك، فمن حق الأفراد اختيار ميولاتهم الجنسية أو العقدية أو الفكرية أو الجمالية، دون الخوف من المساس بهم أو ترهيبهم أو حتى التنكيل بهم، ورغم أن البعض ممن يدافعون عن هذه القضية أضروا بها من حيث تكريسهم للتنافر والعداء من زاوية أخرى، فإن هناك من نجح في وضع القضية في إطارها، سعيا إلى ما هو أبعد من المسألة نفسها، من أجل بناء مجتمع متنوع ومختلف ومتماسك على مبدأ الحرية. وهو ما يحاوله عمل مسرحي تونسي جديد.

تونس - تعرض المخرجة التونسية آسيا الجعايبي حتى مطلع الشهر المقبل أول مسرحية حول المثليين في تونس، ما يمثل “تحدياً” في بلد محافظ لا تزال قوانينه تحظر المثلية وتقمعها بشدة.

تقول الجعايبي (32 عاما) بفخر إن مسرحية “فلاغرنتي” أو “تلبس بجريمة” التي تُعرض حتى أوائل يونيو في قاعة خاصة بتونس العاصمة، شكلت “تحديا كبيرا” إذ استغرق التحضير لها تسعة أشهر من العمل المتواصل.

خوض في المحرمات

أُنتج العمل بالشراكة مع منظمة “موجودين” المحلية المدافعة عن حقوق المثليين، ويشارك فيه ستة ممثلين تتراوح أعمارهم بين 23 و71 عاما، في محاولة لإظهار أن الصراع المرتبط بالهوية والميول الجنسية يطال مختلف الأجيال.

بأسلوب لا يخلو من “الكوميديا السوداء”، يتقمص الممثلون، وغالبيتهم هواة اختيروا لهذه المهمة تجربة أداء، شخصيات حريتها “مهضومة بالكامل”، وهم ضحايا عنف داخل أسرهم وفي الشارع وأماكن العمل.

يهدف العمل المسرحي إلى التوعية الاجتماعية ومحاولة تغيير العقليات القائمة على التمييز، وإلغاء القانون المجرم للمثلية

وخرج الناشطون في مجال الدفاع عن حقوق المثليين من الظل في تونس إثر ثورة 2011، مع ظهور منظمات وجمعيات محلية تدافع عن حقوقهم، وهو أمر نادر نسبيا في العالم العربي.

لكن ظروف حياتهم اليومية لا تزال صعبة بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية، في ظل الرفض الاجتماعي القوي لهم فضلا عن الحظر القانوني.

فمن شأن صورة على الهاتف المحمول أن تقود صاحبها إلى التوقيف والتعنيف اللفظي والجسدي، مع ملاحقة قضائية وفرض الخضوع لفحص شرجي لإثبات ميوله الجنسية.

وتوضح آسيا الجعايبي أن “فلاغرنتي” تعالج “مواضيع من المحرمات، وتتحدث عن واقع في تونس نصرف عنه النظر، ونحاول من خلال هذا العمل إظهاره للجمهور”.

ويجرّم الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية في النسختين العربية والفرنسية “اللواط” و”المساحقة” بعقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجنا في حق من “يتجاهر عمدا بالفاحشة”.

وتؤكد منظمة “موجودين” أنه تم سجن 59 شخصا استنادا إلى هذا الفصل في الفترة الممتدة من العام 2020 حتى أكتوبر 2021.

Thumbnail

لحظة تاريخية

يهدف العمل المسرحي إلى التوعية ومحاولة تغيير العقليات القائمة على “التمييز”، وإلغاء قانون “رجعي” ودعم فنون المثليين في تونس، على ما يقول المسؤول في منظمة “موجودين” كرم عويني.

ونظمت “موجودين” في العام 2018 مهرجانا سينمائيا خصصته للمواضيع المتعلقة بالمثليين.

ويفصح الموظف في المنظمة أليا العريضي (27 عاما) وقد حضر عرضا صفق له الجمهور طويلا “هذه لحظة تاريخية في هذه البلاد، ليس بالأمر السهل أن تظهر حدثا مماثلا في دولة عربية ومسلمة”. ويتابع “وكأنما باستطاعتنا الآن الحديث عن هذه القصص، ما يعطي أملا في تطويرها”.

المسرحية تعالج مواضيع تعتبر من المحرمات وتتحدث عن واقع مخفي ومسكوت عنه في تونس محاولة إظهاره للجمهور

تثير المسرحية مواضيع أخرى منها الفساد في الشرطة والقضاء والإفلات من العقاب وهجرة الكفاءات. ويمتد العرض لساعتين وتحاول المخرجة من خلاله الكشف عن معاناة المثليين الذين لا يتمكنون من العيش بالحرية التي يرغبون فيها.

ويقول سليم (24 عاما) إن المسرحية لامست “أعماقه”، مضيفا “رأيت تجاربي على المسرح، هذا مثير”. ويؤكد الممثل حمدي البجاوي بدوره “هي تجربة صعبة تظهر إنسانا مسحوقا”.

لم يطرأ أي تعديل على الفصل 230 العائد إلى عام 1913 حين كانت تونس مستعمرة فرنسية، ولا يوجد إلى اليوم مشروع قانون لتنقيحه بالرغم من دعوات منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لإلغائه.

وتعهدت تونس في العام 2017 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بعدم فرض اللجوء إلى الفحص الشرجي، ولكن يتم الطلب من بعض الأطباء استعماله “لإثبات” المثلية.

ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد بما فيها القضائية، إلغاء تجريم المثلية كما يرفض عقوبة السجن بسبب ذلك. ويختم الممثل حمدي الذي يتقمص شخصية آدم الطبيب في المسرحية، مشهدا في نهاية العرض بـ”لن نستسلم والصراع متواصل”.

ويحاول العمل أن يخرج خطابا جديدا عن المثليين، انطلاقا من مستويات اللغة المعتمدة كلاميا وجسديا، لكسر الصورة النمطية عنهم، علاوة على تنزيله في إطارهم الاجتماعي دون فصل أو ميز جنسي، إذ تدمجهم في مشاكل أكبر من ذواتهم، وإشكالات فكرية ووطنية متعددة، ما يثبت انتماءهم إلى المجتمع دون وصم أو تفرقة.

14