الانتساب إلى المدارس الخاصة في مصر لا يرتبط فقط بقدرة الآباء على دفع تكاليفها

استعداد الأسر المصرية لتحمل أعباء تعليم أولادها يواجه برفض أصحاب المدارس.
الأربعاء 2022/05/25
المدارس الخاصة امتياز لا تحظى به جميع الأسر

تضع المدارس الخاصة والدولية في مصر شروطا مضبوطة للالتحاق بها تعتبرها بعض الأسر ذات المستوى التعليمي المتوسط، تمييزية، لكونها تشترط حصول الوالدين على شهائد جامعية، ما يحرم الأبناء من دخولها وتلقي تكوين تعليمي متميز. كما لا يكفي أن تكون الأسر قادرة على توفير المال، حيث ترفض تلك المدارس الطفل الذي تعيش أسرته في منطقة شعبية بدعوى أنه يحمل نفس أفكارها وسلوكياتها.

القاهرة - منذ فُتح باب التقديم في المدارس الخاصة في مصر قبل نحو شهر لاستقبال الأطفال الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي للعام الدراسي المقبل، قام الأب محمد إبراهيم بالتقديم لابنه في ثلاث مدارس، لكنه لم يُقبل في أي منها لأنه يمتلك متجرا لبيع السلع الغذائية وحاصل على مؤهل متوسط (دبلوم تعليم تجاري)، ولم يتخرج من كلية جامعية، والأم لم تكمل تعليمها أيضا.

كان الأب يحلم بأن يتعلم ابنه في مدرسة خاصة، غير التي تعلم هو فيها وهو صغير، حيث كانت مدرسته قديمة ومتهالكة يغلب عليها الطابع التقليدي كأي منشأة حكومية، ولا يزال الحال كما هو لم يتغير في غالبية المدارس الرسمية في مصر إلا قليلا.

منذ أن تزوج عقد اتفاقا مع زوجته على أن يستثمرا في تعليم أولادهما، من خلال إلحاقهم بمدارس راقية أسوة بأبناء الطبقة الميسورة، ومهما بلغت قيمة المصروفات الدراسية لن يكون هذا عائقا أمام دخولهم مدرسة يغلب عليها الطابع المتحضر لينعكس ذلك على الأبناء فكرا وثقافة، لكن الحُلم بدأ يتبدد.

قال الأب لـ “العرب” إن الانتكاسة الكبيرة في حياته هي إخفاقه في إلحاق ابنه بمدرسة خاصة معروف عنها التعليم المتميز، لأنه لم يتلق تعليما جامعيا، “هذا قمة الظلم، لماذا تتم معاقبة طفلي على أنني كنت فاشلا دراسيا، إذا كانوا بحاجة إلى المال فأنا مستعد لذلك، لكن ماذا أفعل أمام شرط الحصول على شهادة جامعية، هل يُعاقب الطفل بسببي مدى الحياة”.

الكثير من المدارس الخاصة ترفض الطفل الذي تعيش أسرته في منطقة شعبية بدعوى أنه يحمل نفس أفكارها

تبدو تساؤلات الأب منطقية في مجتمع لا يكرس الطبقية والتمييز والعنصرية بين أبنائه، لكنها غير واقعية عند العديد من أصحاب المدارس الخاصة والدولية، فلا يعنيهم أن يكون الأبوان يمتلكان قدرات مالية عالية تسمح لهما بدفع المصروفات بانتظام دون افتعال أزمات، فالمهم أن يتشارك الأب والأم في تربية وتعليم أولادهما لا تحميل المدرسة وحدها كل المسؤوليات.

لم ييأس الأب من رفض ابنه في ثلاث مدارس ووصل لأحد أعضاء مجلس النواب ليحصل منه على تزكية، وينال تأشيرة وزير التربية والتعليم طارق شوقي لقبول ابنه بأي مدرسة خاصة، لكن المدرسة رفضت أيضا تفعيل التأشيرة لتعارضها مع قواعد القبول التي حددتها، وهي أن يكون الأب والأم حاصلين على تعليم جامعي.

كانت مشكلة الأب أن يبلغ الطفل بحقيقة الأمر، حيث يبدو أكبر من سنه الحقيقي في التفكير، فقد التحق مبكرا بإحدى الحضانات الخاصة ويفهم نسبيا ما يدور حوله، وكثيرا ما سأل والده عن سبب رفضه رغم أنه أجاب بتميز على الأسئلة التي طرحت عليه في المقابلات الشخصية بالمدارس الثلاث، لكن الأب في كل مرة يتهرب من مصارحة الابن بالحقيقة.

حالة الأب محمد ليست فردية، لكنها أصبحت ظاهرة موجودة على نطاق واسع في التعليم المصري، فقبل الإمكانيات المادية للأسرة من المهم معرفة الكلية التي تخرج منها الأبوان والخلفية الاجتماعية للأسرة، وهناك مدارس تسأل الأطفال في المقابلات الشخصية عن موقع سكن العائلة، واسم النادي الذي تشترك فيه الأسرة، ونوع السيارة المملوكة للأب، للحكم على مدى قبوله.

ترفض الكثير من المدارس الخاصة الطفل الذي تعيش أسرته في منطقة شعبية بدعوى أنه يحمل نفس أفكارها وسلوكيات أفرادها من دون إدراك أن أغلب سكان هذه المناطق تغيرت أفكارهم، ولم يعد العديد منهم يعيشون حياة مغلقة، الأمر الذي كرس الانتقائية والتمييز في التعليم المصري، وجعل هوية الأسرة حاكما في تحديد نوعية المدرسة.

تتشارك وزارة التربية والتعليم في تأجيج ظاهرة الانتقائية في الالتحاق بالمدارس الخاصة والدولية، وتبدو متخاذلة في وضع قواعد صارمة تمنع رفض أي طالب بسبب خلفيته الأسرية والاجتماعية والتعليمية للأبوين، وتبرر ذلك بأن السوق عرض وطلب، ويحق لكل مدرسة وضع معايير قبول الأطفال، بالتالي لا تتدخل من قريب أو بعيد للمحاسبة ورد الاعتبار.

يتذكر الأب محمود رمزي الذي أنجب طفلين وأراد إلحاقهما بمدرسة خاصة متميزة في حي النزهة بمصر الجديدة في القاهرة، وأول شيء طُلب منه تقديم صورة من شهادة المؤهل له وزوجته، وقبل أن يتحدد موعد مقابلة الطفلين لاختبارهما تم إبلاغه برفضهما، لأنه حاصل على مؤهل متوسط، فيما تخرجت الأم من كلية الآداب.

لم يُنكر محمود تعرضه لصدمة عندما سمع من الموظفة سبب الرفض قبل أن يتقدم بأوراق نجليه، ما زاد حزنه أن ابنيه كانا واقفين يسمعان هذا الكلام.

Thumbnail

وقال لـ”العرب”: “كانا في قمة سعادتهما وهما يرتديان الملابس الزاهية ويؤهلان نفسيهما لهذه المدرسة الجميلة النظيفة التي يلتحق بها أبناء الطبقة الميسورة، ومهما وصفت حزنهما لرفض قبولهما، لن أجيد الوصف”.

وأضاف الأب أنه استطاع الوصول لإحدى المعلمات بالمدرسة عن طريق صديق له، وسألها عن السبب الحقيقي فأبلغته أن المدارس الخاصة تهتم بالوجاهة الاجتماعية للأسر قبل أي شيء آخر، ولا تفضل وجود أبناء الآباء الحاصلين على تعليم متوسط، وتحرص على اختيار أطفال ينتمون إلى أسر لها نمط تفكير متقدم وهو ما يحدد مستوى التعلم، وتبحث عن عائلات لها نفوذ مالي كنوع من الدعاية لنفسها.

يعمل محمود تاجرا للفاكهة ويملك وفرة مادية وبإمكانه دفع المصروفات المطلوبة دفعة واحدة، ما يعكس أن فكرة تضحية الكثير من الأسر بتحمل أعباء التعليم للأبناء مهما كانت متطلباته صارت ظاهرة مجتمعية بامتياز، بحثا عن بيئة تعليمية عصرية، لكنها تصطدم بشروط القبول في المدارس الخاصة ورهنها بمعايير محددة.

أوضح عادل السيد، وهو باحث متخصص في العلاقات الأسرية ومحاضر في التنمية البشرية بالقاهرة، أن ثمة تغيرات طرأت على الأسرة المصرية، فهي مستعدة للتضحية بكل شيء مقابل أن يحظى الأبناء بتعليم يغير واقعها الاجتماعي، وصار الاستثمار الأسري في الأبناء نمطا شائعا، وهذا أمر إيجابي يصطدم بعنصرية المدارس الخاصة.

وذكر لـ “العرب” أن العديد من الآباء لا يريدون لأولادهم نفس المصير الذي عانوا منه في الصغر، بالحرمان من أقل حقوقهم في التعليم المتحضر والبيئة المدرسية الراقية، وهذا يتطلب من الحكومة مساعدة هذه الشريحة لا إحباطها بقواعد تتنافى مع القانون “فالأذى النفسي أشد قسوة على الأطفال حيث يشعرون بتمييز طبقي ضدهم”.

ولفت إلى أن الطفل الذي يُرفض في مدرسة خاصة لمستوى أسرته التعليمي أو الاجتماعي سيكون مهتزا نفسيا ضد الطبقات الأخرى، وقد يعتبرها سببا في حرمانه من التعليم الجيد ويشب على كراهية هؤلاء، ما يهدد القوام الأسري والمجتمعي ويؤسس لأجيال بينها صراعات نفسية لأن هذا يمتلك كل شيء وذاك حُرم من كل شيء.

17