الأردنية مجد القصص تختزل مسيرتها في دراسة تجارب رواد المسرح والرقص الحديث

أعمال المسرحيين في الشرق والغرب بين النظرية والتطبيق.
الجمعة 2022/05/20
أوركسترا أخرجتها القصص بناء على خبرتها الفنية

تحمل الفنانة والأكاديمية الأردنية مجد القصص خبرتها في العمل المسرحي معها حتى في مؤلفاتها المسرحية القليلة والتي تظل إضافة مهمة للمكتبة المسرحية العربية، تقف مطولا على التجارب المسرحية الغربية وتأثيرها في الحراك المسرحي العربي وسبل تطويره.

عمّان - تشتغل الفنانة المسرحية الأردنية مجد القصص بالتوازي بين العمل التطبيقي والنظري، حيث وضعت في واحد من مؤلفاتها خبرتها الأكاديمية والتطبيقية في متابعة حركة المسرح والرقص بين الدول العربية والغربية.

ومن مؤلفات القصص كتاب بعنوان “رواد المسرح والرقص الحديث في القرن العشرين”، الذي أعادت وزارة الثقافة الأردنية طباعته في نسخة ثانية ضمن منشورات “مكتبة الأسرة الأردنية القراءة للجميع”.

ويتطرق الكتاب إلى تجارب مسرحية برزت في القرن الماضي والنظريات والمفاهيم المسرحية التي جبلت عليها. كما يقدم أيضا مراحل تدريب الممثل المسرحي بدءا من التعلم الذاتي إلى التدريب الجماعي والتعرف على الثقافات الأخرى وتبادل الخبرات إلى حين الوصول إلى إنتاج أعمال مسرحية يتحمل مسؤوليتها الممثل إلى جانب المخرج.

الكتاب يتطرق إلى تجارب مسرحية برزت في القرن الماضي والنظريات والمفاهيم المسرحية التي جبلت عليها

ويعدّ هذا الكتاب الذي كانت طبعته الأولى في العام 2009، من أدبيات المسرح القليلة التي تعاين موضوع الحركة على خشبة المسرح دون أن تحيد عن المذاهب والمدارس المسرحية المتباينة كالمسرح الملحمي والمسرح الراقص والمونودراما وغيره من فنون الأداء المسرحي.

وتدرس القصص في هذا الكتاب المسرح والرقص عند إدوارد جوردون كريغ وإيزادورا دنكن وأدولف آبيا وقسطنطين ستانسلافسكي وبرتولد برخت وفيسفولد ميرخولد وماري ويغمان ومارسي كننغهام ومارثا غراهام وجيرزي جروتفسكي وفلاديمير ستانويسكي وآنا هالبر وجاك لاكوك وبينا باوش ويوجين باربا وبيتر بروك.

والكتاب يقدم إسهامات كل هؤلاء في تطور المسرح، عارضا تجاربهم ومدارسهم الفنية لكل من يرغب في الاطلاع عليها.

وكتب الناقد فيصل دراج مقدمة الكتاب التي أشار فيها إلى علاقة القصص بالمسرح وكيف انجذبت إليه في سن مبكرة، في شروط مريحة وغير مريحة، وكيف أنها تمسكت بشغفها بالفن الرابع حتى غدا المسرح كل حياتها وصارت حياتها عبارة عن جملة عروض مسرحية متجددة، وشغف الفنانة بالمسرح كان قائما على تصويب موهبتها بالمعرفة وتنقيحها الممارسة العملية بمعرفة النظرية سعيا وراء نموذج مسرحي بعيد لا يرى صورته إلا من اجتهد للوصول إليه.

ويرى دراج أن المؤلفة تترجم في كتابها خبرة ذاتية وتقيسها على خبرات مسرحيين آخرين وحّدوا في تجربتهم المسرحية بين النظرية والتطبيق، حيث أضاءت المؤلفة في الحالين معنى الممارسة الفنية التي تبدأ من شيء يشبه النظرية.

ويوضح أن الكاتبة شرحت وأضاءت معنى الفن ودلالته، كما شرحت مصائر النظريات وهي تنتقل من نظرية إلى أخرى متوقفة أمام مقولاتها وسياقها العام، كما أضاءت معنى الفن وهي تحاور نظريات متعددة، ذلك أن التعدد مساءلة تتيح المقارنة وإخصاب تصور بآخر مثلما أن التنوع رفض للإجابات الجاهزة وبحث مفتوح عن جواب فني لا يكتمل.

وينوه الناقد بأن مبدأ المقارنة الذي هو أساس التجدد والنقد الذاتي هو الذي أملى على القصص أن تقرأ تجربتها المسرحية الذاتية على ضوء تجارب الآخرين ودفعها إلى تقديم وجهات نظر مسرحية كونية تسمح للفنان العربي بأن يقوم أحواله وتدفع بالمتفرج العربي إلى طرح الكثير من الأسئلة.

المؤلفة تترجم في كتابها خبرة ذاتية وتقيسها على خبرات مسرحيين آخرين وحّدوا في تجربتهم المسرحية بين النظرية والتطبيق

ويرى دراج أن القصص تطرح تارة بشكل مباشر وتارة أخرى بشكل غير مباشر موضوع العلاقة بين “الأنا” و”الآخر”، في الحقل المسرحي وفي خارجه، فقد جاء المسرح إلى العالم العربي وافدا وحاولت جهود مبدعة تأصيله، من دون أن يمنع التأصيل الانفتاح على الآخر، إن لم يكن الانفتاح الواعي لشروطه المميّزة له منطلقا للتأصيل وشرطا أساسيا من شروطه.

ويعتبر أن الجهد المبذول في الكتاب يشكل محاولة جديدة لقراءة العلاقة بين الحداثة والأصالة، لأنه لا وجود لنص إلا مقارنة بنص آخر ولا سبيل إلى التعرف على الأنا المسرحية إلا بقياسها على أنا أخرى تتجاوزها معرفة وخبرة.

وتقول القصص في تقديمها للكتاب “إن الهدف من تأليفه هو تقديم إضافة إلى المكتبة العربية حول أهم المنظرين في المسرح في القرن الماضي الذين قاموا بالبحث ليس من خلال التنظير فقط، بل وضعوا نظرياتهم قيد التطبيق، ومارسوا العمل على خشبة المسرح لعقود طويلة قبل أن يضعوا أمامنا خبرتهم بشكل نظري”.

ولأن الممثل هو الناقل الأساسي لأفكار هؤلاء المخرجين على خشبة المسرح فقد اختارت المؤلفة التركيز عليه وعلى كيفية تدريب الممثل عند كل منهم.

وتبيّن القصص أن جمعها رواد المسرح والرقص الحديث في القرن الماضي في كتاب واحد، جاء من منطلق أن الاثنين تأثرا ببعضهما بعضا، فإيزادورا دنكن، على سبيل المثال، كانت قد تأثرت بقسطنطين ستانسلافسكي وإدوارد جوردن غريج، وكيف ترى أن فلاديمير ستانويسكي قد تأثر بشكل كبير بجيرزي جررتفسكي، فكان لا بأس من جمعهما معا حتى نرى أن الفنون تتكامل، علما أن بداية المسرح عند الإغريق بدأت برقص الديثرامبوس قبل الكلمة، ولاحقا أتت الأعمال الكلاسيكية القديمة الخالدة عند إسخيليوس وسوفكليس وغيرهما.

مجد القصص تؤمن بأن المسرح هو المتنفس الحقيقي

وتشير المؤلفة إلى أن العالم العربي لا يعرف إلا القليل عن الرقص باستثناء أولئك الذين تعرفوا على الثقافة الغربية من خلال الدراسة أو السفر أو مشاهدة الأفلام العربية، والسبب في غياب المعرفة بالرقص هو قلة المعلومات عن هذا الموضوع كما كثير من الفنون والموضوعات التي يتجنب الإنسان العربي المكاشفة الثقافية فيها ويخشى مواجهتها مباشرة خوفا أو درءا لمفاهيم اجتماعية قائمة تنتقص من فن الرقص وتضعه في زاوية الترفيه المعيب والمرفوض من المجتمعات المحافظة.

وترى أنه لذلك تقاعس الكثير من الكتاب ودور النشر عن القيام بالكتابة أو نشر وترجمة الكتب أو البرامج التي حملت مفاهيم جديدة لفن الرقص غير المبتذل ودوره في عملية التغيير الاجتماعي، المنبثقة عن أعمال الرواد في هذا المجال، فبتنا نجهل الكثير عن مجالات عديدة ابتداء من الباليه ومرورا بالرقص الحديث وانتهاء بمدرسة “ما بعد الحداثة” في الرقص.

ويذكر أن مجد القصص هي ممثلة ومخرجة مسرحية أردنية من أصول فلسطينية، تحمل شهادة الماجستير في التمثيل والإخراج وهي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين ونقابة الفنانين، لها أكثر من خمسين عملا مسرحيا ومثلها في التلفزيون وأربعة أفلام كرتون وقد صدر لها أيضا مؤلف مسرحي بعنوان “مدخل إلى المصطلحات والمذاهب المسرحية” وهي حاصلة على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية.

وتؤمن القصص بأن المسرح هو المتنفس الحقيقي ومازالت إلى اليوم تواصل رسالتها لتقديم فعل مسرحي راق من خلال عملها في الجامعة الأردنية وتقديمها لأعمال مسرحية تشارك في أكبر المهرجانات المسرحية العربية.

وتناولت المخرجة القصص في أحد أعمالها المسرحية سيرتها الذاتية وبداياتها، وكان ذلك في مسرحية “وبعدين”، حيث تم اكتشافها من قبل الفنان الكبير زهير النوباني براتب زهيد، ولم تثنها صعوبات البدايات عن الالتزام بالرسالة الفنية والثقافية الجادة وحرصها على الاهتمام بقضايا الأمة العربية والدفاع عن موطنها الأصلي فلسطين.

15