الدبيبة يتجول في طرابلس بعد انسحاب باشاغا على وقع قتال

طرابلس - اضطر رئيس الحكومة الليبية المعينة من البرلمان فتحي باشاغا الثلاثاء إلى الانسحاب من العاصمة طرابلس بعد ساعات على دخولها لمباشرة أعمال حكومته، على وقع اشتباكات مسلحة بين مجموعة مؤيدة له وأخرى داعمة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، الذي ظهر عقب ذلك في جولة تفقدية جدد خلالها رفضه تسليم السلطة.
ودخل باشاغا طرابلس الليلة الماضية بعد شهرين من الجمود بين الإدارتين المتنافستين في ليبيا، واستعان في ذلك ببعض الكتائب المسلحة، على رأسها كتيبة "النواصي"، الأمر الذي رفضته كتائب أخرى، قامت بمحاصرة مقر كتيبة النواصي بطريق الشط وسط طرابلس.
وقال باشاغا في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر "رغم دخولنا السلمي إلى العاصمة طرابلس دون استخدام العنف وقوة السلاح واستقبالنا من قبل أهل طرابلس الأفاضل، فوجئنا بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة منتهية الولاية"، في إشارة إلى حكومة الدبيبة.
وأكد باشاغا أنه "لا يمكن أن نساهم في المساس بأمن العاصمة وأهلها الآمنين"، مشيرا إلى أن تعريض سلامة المدنيين للخطر جريمة يعاقب عليها القانون.
وأضاف "جئنا بالسلام وللسلام وبالحكمة وتغليب المصلحة الوطنية، نزعنا فتيل الفتنة ولم نرض بمجاراة الخارجين عن القانون وتعريض المدنيين للخطر".
وهاجم باشاغا "سلوكيات الحكومة منتهية الولاية الهستيرية"، واتهمها بمواجهة "السلام بالعنف والسلاح"، معتبرا أن ذلك "دليل قاطع على أنها ساقطة وطنيا وأخلاقيا ولا تمتلك أي مصداقية لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة".
وقال باشاغا "لسنا طلابا للسلطة بل عاقدون العزم على بناء دولة مدنية ديمقراطية ذات سلطة منتخبة، دولة يسودها القانون ولا يحكمها منطق العنف والفوضى الذي ترعاه الحكومة منتهية الولاية".
واندلعت اشتباكات مسلحة في مناطق متفرقة من طرابلس، خاصة منطقتي "المنصورة" و"جزيرة سوق الثلاثاء" القريبتين من مقر كتيبة "النواصي"، التي أعلنت في بيان مباركتها وصول باشاغا إلى العاصمة واستعدادها لتقديم الدعم له بكل الطرق الممكنة.
وبعد الاشتباكات التي لم تعرف نتائجها بعدُ، قام آمر اللواء 444 محمود حمزة بالتوسط بين الفريقين، وتوصل إلى اتفاق يقضي بخروج باشاغا والقوات التابعة له من المدينة.
وعقب انتهاء المواجهات المسلحة، قام الدبيبة رفقة بعض الوزراء بجولة ميدانية داخل طرابلس لمعاينة الأضرار الناجمة عن الاشتباكات.
وقال الدبيبة خلال الجولة التفقدية مخاطبا المتجمهرين حوله "إن من يريد حكم البلاد فعليه التوجه للانتخابات".
وأضاف، وفق فيديو مصور له أثناء جولته التفقدية نشرته "منصة حكومتنا" على فيسبوك، "جاؤونا في عقاب (آخر) الليل وكسروا ودمروا وتسببوا في خسائر لأرزاق الناس والليبيين".
وخاطب أحد المتضررين "نعتذر عن هذا العدوان القادم من أقصى البلاد بالسلاح، وسنقوم بتعويض كل المتضررين"، وأضاف "لن ننسى من اعتدى علينا".
وأعلن الدبيبة تشكيل لجنة لتقييم الأضرار وتقديم التعويضات المناسبة للمواطنين، بالتنسيق مع المجلس البلدي طرابلس المركز في غضون ثلاثة أيام.
وكانت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، أعلنت الثلاثاء أن "مجموعة مسلحة خارجة عن القانون حاولت التسلل إلى العاصمة طرابلس لإثارة الفوضى باستخدام السلاح".
وأضافت الوزارة أن "الأجهزة العسكرية والأمنية تعاملت بإجراءات حازمة ومهنية لمنع هذه الفوضى وإعادة الاستقرار إلى العاصمة، ما أدى إلى فرار تلك المجموعات المسلحة من حيث أتت".
ووصف بيان الوزارة ما حدث بـ"العملية الصبيانية"، مشيرا إلى أن الاشتباكات "تسببت في أضرار بشرية ومادية ما زالت أجهزة الدولة تعمل على حصرها ومعالجتها".
وتوعدت الوزارة بأنها "ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المس بأمن المواطنين وسلامتهم، وستطارد كل المتورطين في هذا العمل الجبان مهما كانت صفاتهم".
وفي وقت سابق الثلاثاء، دعت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز إلى ضبط النفس وحماية المدنيين بعد ورود تقارير عن وقوع اشتباكات، كما حثت السفارة الأميركية في طرابلس الجماعات المسلحة على "الامتناع عن العنف".
وقالت ستيفاني ويليامز في تغريدة إن "الحاجة ملحة حاليا إلى الحفاظ على الهدوء على الأرض وحماية المدنيين".
وحثت ويليامز "جميع الأطراف على ضبط النفس والحرص على ضرورة الامتناع عن الأعمال الاستفزازية، بما في ذلك الخطاب التحريضي والمشاركة في الاشتباكات وحشد القوات".
وقالت السفارة الأميركية لدى ليبيا في بيان إنها "تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن اشتباكات مسلحة في طرابلس".
وأضافت السفارة أن "على القادة السياسيين أن يدركوا أن الاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها من خلال العنف، لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بشعب ليبيا".
وشددت على أن "السبيل الوحيد القابل للتطبيق للوصول إلى قيادة شرعية هو السماح للشعب الليبي باختيار قادته".
وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي إن "ما حدث من أعمال مسلحة، لا يمكن أن ينتج أي نوع من الاستقرار، فحل الأمور السياسية باستخدام السلاح يجب أن يكون قد ولّى إلى غير رجعة، فقد جربه الليبيون وأثبت فشله".
وطالب اللافي في بيان كافة الأطراف بالالتزام بقدر كبير من المسؤولية وضبط النفس، وأن تضع في الحسبان أرواح المدنيين وممتلكاتهم، مؤكدا أن مثل هذه الأعمال تأتي في مرحلة بغاية الخطورة على الوطن والمواطنين.
وأهاب بجميع من في البلاد أو خارجها إلى أن يغلّبوا صوت العقل، ويسعوا لحل كل الخلافات بالحوار البناء، مناشدا الأطراف الدولية تقديم الدعم للحوار الليبي، وألا تساهم بطريقة مباشرة أو مستترة في زيادة التوتر، مطالبا المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا بأن تقوم بدور نشط في هذا الوقت.
ودخل باشاغا المدينة ليلا مع مقاتلين من أنصاره على أمل أن يسيطر على الحكومة، لكن سرعان ما قوبل تحركه بمعارضة من القوات المتحالفة مع الدبيبة، الذي تم تعيينه من خلال عملية مدعومة من الأمم المتحدة العام الماضي.
وجاءت هذه المحاولة بعد أن انتهت محاولات سابقة لباشاغا لدخول طرابلس بسلام، عندما أعادت الجماعات المتحالفة مع الدبيبة موكبه.
ولم تنعم ليبيا بأمن يُذكر منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي، إثر تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إذ انقسمت في 2014 بين فصائل متناحرة في الشرق والغرب، قبل إبرام هدنة في 2020 وضعت البلاد تحت حكم حكومة وحدة هشة.
وانهارت خطة لإجراء انتخابات في ديسمبر وسط خلافات بين الفصائل الرئيسية والمرشحين البارزين حول قواعد الانتخابات. وتحرك البرلمان، الذي انحاز إلى الشرق خلال الحرب، لتعيين حكومة جديدة.
ورفض الدبيبة تحركات مجلس النواب قائلا إن إدارته لا تزال شرعية، وإنه لن يسلم السلطة إلا بعد الانتخابات.
ودأب باشاغا، وزير الداخلية السابق الذي ينتمي مثل الدبيبة إلى مدينة مصراتة الساحلية القوية، على القول إنه سيدخل طرابلس دون عنف. وانتهت محاولاته السابقة للقيام بذلك بعرقلة موكبه من قبل الفصائل المنافسة.
وقال مجلس النواب الأسبوع الماضي إن حكومة باشاغا يمكن أن تعمل الآن من مدينة سرت، الواقعة في وسط البلاد قرب خط المواجهة المجمد بين الفصائل الشرقية والغربية.