قطر وحلول حزب المخدرات

المخدرات أنواع. ولكنها جميعا ترفع المعنويات ليس إلى السقف، وإنما إلى ما فوق السقف.
بعض المخدرات يمكنه أن يمنحك شعورا بالشبع، حتى وأنت جائع ولم يتناول أطفالك طعاما منذ يومين. ولهذا السبب، فالكثير من متعاطي المخدرات، فقراء. لأنهم إذا لم يجدوا سبيلا للشبع، فعلى الأقل يتخيّلونه.
بعض المخدرات يمنحك شعورا بالقوة الخارقة، إلى درجة أن تستطيع أن تتخيل الثراء قد أصبح مضمونا حتى ولو ظل جيبك خاويا، وحتى ولو كنت قد دفعت آخر القروش التي في جيبك للحصول على حبة كبتاغون يمكنك الحصول عليها بتخفيضات باعتبارك زبونا دائما لحزب “المقاومة”.
كما يمكنك أن تتخيل الكثير من الأشياء، التي قد تبدو، في ظروف الصحو، غير واقعية. ولكنك، حالما تمضغ الحبة أو تبتلعها، أو تشمها، تصبح سوبرمان، قادرا على كل شيء، فتجلب لعائلتك خبزا من نافذة توزيع مُتخيلة، وطعاما فاخرا من مطعم لا يرتاده إلا التجار، وتركب سيارة من أحدث طراز، بعد أن تكون قد بعت الحمار لمحل الجزارة القريب منك قبل عام، وأكلت ثمنه.
زعيم حزب المخدرات في لبنان، انطلق من هذه النافذة، عندما وعد ناخبيه بالقول “إن ‘المقاومة’ سوف تستخرج لهم النفط والغاز”. فصدّقوه، لكي يحقق في الانتخابات النيابية ما كان يُتوقع له أن يحقق.
الآن وقد جاءت الفكرة بعد أن انقضت السكرة، فقد أصبح من الجائز أن يُسأل حسن نصرالله، الأسئلة البسيطة التالية: ما علاقة “المقاومة” بإنتاج النفط والغاز؟ وما الذي حل بـ”الدولة” حتى تخلت عن هذه المهمة لـ”المقاومة”؟ ومنذ متى صارت “المقاومة” شركة إنتاج للنفط والغاز؟ وهل تم الانتهاء من التفاوض مع إسرائيل بشأن حقول الغاز المتنازع عليها في المتوسط؟ ومن هي الأطراف التي سوف تتولى أعمال التنقيب والاستخراج؟ وكم سوف يستغرق الأمر من الوقت؟
لبنان، يحتاج إلى ما لا يقل عن 15 مليار دولار لإنقاذ اقتصاده. وهذه أموال، لا يمكن تقديمها من دون ترخيص دولي، أو من دون إصلاحات. لأن المسألة سوف تكون تمويلات من الباب الخلفي للفساد وللإرهاب
في ظروف الاستقرار وعندما لا يرتبط الأمر بمنازعات، فإن إعداد العقود مع الشركات المتخصصة التي ترسو عليها المناقصات، قد يستغرق عاما أو عامين، وبدء أعمال الحفر والإنتاج قد تحتاج هي الأخرى عاما أو عامين، وإيجاد متعاقدين للتسويق وغير ذلك من التفاصيل يتطلب هو الآخر وقتا. ومناقشة كل هذه الأمور، قبل المصادقة عليها في البرلمان، تتطلب وقتا إضافيا، ما يجعل التحليق فوق سقف التوقعات نوعا من “جرعة زائدة”.
ولكن تاجر المخدرات الأكبر في لبنان، قد يملك ما يبيعه من الأوهام، إلا أن لديه حلولا تحت الإبط أيضا. مؤقتا، على الأقل، وبما أن البلاد تعيش في حالة من الإفلاس، فإن الاعتماد على حبوب المخدرات يظل وسيلة مناسبة لاجتياز حاجز الوقت. كما يمكن لحزبه بيعها بتخفيضات من على جميع مراكز توزيع الخبز سابقا.
وليست فكرة السطو على الدولة من عجائب الأمور. إنها شأن مألوف بالنسبة إلى حزب ظل هو الدولة، وهو رئيسُ رئيسها لعدة سنوات. ما جعل الاستغناء عنها، لكي تتولى “المقاومة” الواجبات المنوطة بها أمرا طبيعيا. فمثلما أن “المقاومة” قادرة على كل شيء، وفقا لنوع آخر من المخدرات، فإنها تستطيع القفز فوق كل العوائق والتدابير، لكي تتحول إلى منتج للنفط والغاز.
مع ذلك، فهناك شيء من “الواقعية السحرية” في تخيل دورٍ للنفط والغاز هو الذي يؤثر على صياغة مصير لبنان. وهي واقعية سحرية تشبه أن ترى الفيل يمشي فوق مياه البحر الأبيض المتوسط.
الإصلاحات الهيكلية التي تطلبها مؤسسات الإقراض الدولية، لن تتحقق، لأن حزب الله وحلفاءه لا يريدون تنفيذها، حتى ولو زاد لبنان غرقا في جهنم.
هذه الإصلاحات سوف تؤدي من الناحية الفعلية إلى الإطاحة بهيمنتهم على الدولة، وتغلق عليهم منافذ الفساد. ولو أنهم سلّموا بالقبول بإصلاحات اقتصادية، تحت وطأة المجاعة والإفلاس، فإن الباب سوف ينفتح على المطالبة بإصلاحات سياسية. لتنفتح هذه الأخيرة بدورها على إصلاحات قانونية. وهو ما يمكن أن يؤدي بالعديد من الشخصيات التي دعمت تعاقدات الفساد وجرائمها إلى العيش خلف القضبان. دع عنك انكشاف المتورطين بجريمة انفجار مرفأ بيروت.
وبينما تعني القروض الدولية مسألة “حياة أو موت” لإنقاذ البلاد من الانهيار التام، فإن القبول بشروط هذه القروض، هو “مسألة حياة أو موت” بالنسبة إلى أحزاب الفساد.
تحتاج إلى الكثير من المخدرات لكي تخرج من هذه المعضلة. إلا إذا توفر “حل سحري” آخر لتوفير التمويلات، لا ينطوي على أي اشتراطات، ويمكنه التهرّب من دائرة الضغوط الدولية في آن معا.
قطر، ليسَ بعيداً عن التوافق مع إيران، هي التي اقترحت أن توفر هذا الحل. لتكتشف في النهاية أن حسن نصرالله، لم يكن يبيع مخدرات خالصة عندما كان يتاجر بفكرة أن “المقاومة” هي التي سوف تنتج النفط والغاز.
قطر شريك مع إيران في أعمال “المقاومة”، أو أنها على تواطؤ ضمني معها على الأقل. ومثلما أن هناك شراكة غاز بين قطر وإيران في “حقل الشمال”، فلا شيء يمنع من أن تكون هناك شراكة غاز بين قطر ولبنان في “حقل الجنوب”.
قطر في موقع تفاوضي أفضل مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالشراكة أو حتى المنافسة في حقول الغاز المشتركة مع لبنان
في الخامس من ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس ميشال عون أن لبنان “بصدد الاستفادة من خبرات قطر في التنقيب عن الغاز”.
عون، قال لصحيفة الشرق القطرية إنه كلّف وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض بتمديد مهلة إطلاق جولة التراخيص الثانية لكي يتسنى لقطر أن تتقدم بعروضها.
قطر أيضا في موقع تفاوضي أفضل مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالشراكة أو حتى المنافسة في حقول الغاز المشتركة مع لبنان. ولكن المسألة الأهم هي أن حصول قطر على موطئ قدم في غاز المتوسط يمكن أن يحوّلها إلى طرف يقضي على الدور الذي تريد مصر أن تلعبه في هذا الحقل، وفي هذا المكان. لاسيما وأنها تستطيع أن تجمع ثلاثة تحالفات خلف دورها لا تملك مصر القدرة عليها، وهي إسرائيل وتركيا وحزب الله.
على سبيل التمهيد، أو الرشوة، بدأت قطر بتزويد لبنان بالغاز لخدمة محطاته لتوليد الطاقة، من دون أن تعترض طريق الغاز المصري الذي يموّله البنك الدولي عن طريق “خط الغاز العربي” الذي يمر عبر الأردن فسوريا فلبنان. لاسيما وأن الحاجة إلى المزيد من الغاز سوف تظل قائمة، ولاسيما وأن القصة ليست بالضرورة قصة تزويد لبنان بالغاز، وإنما تحويله إلى منتج.
أين تكمن المخدرات في هذا التدبير؟
إنها تكمن في ثلاثة عوامل على الأقل. الأول، هو عامل الوقت. فلكي يصبح لبنان منتجا للغاز ويحصل على عائدات، أمر يتطلب العديد من السنوات، بينما الانحدار يتسارع إلى قعر الهاوية بين شهر وآخر.
والثاني، هو أن لبنان، يحتاج إلى ما لا يقل عن 15 مليار دولار لإنقاذ اقتصاده. وهذه أموال، لا يمكن تقديمها من دون ترخيص دولي، أو من دون إصلاحات. لأن المسألة سوف تكون تمويلات من الباب الخلفي للفساد وللإرهاب.
والثالث، هو أن دولة الفساد التي يرعاها حزب الله في لبنان هي التي أفلست قبل أن تفلس الخزانة العامة للبلاد.
تمويل هذه الدولة، بوسائل فساد، لن يحميها كما لن يحمي تلك الوسائل.
بيع المخدرات أسهل. والانتشاء بأحلامها أكثر متعة من التعاطي مع تعقيدات النظر إلى الفيل وهو يمشي فوق مياه المتوسط.