لافروف في الجزائر: روسيا تريد موقفا واضحا

الجزائر – تحمل زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الجزائر الكثير من الدلالات، قياسا بالتوقيت والتطورات التي يعيشها العالم بسبب الأزمة الأوكرانية؛ فبينما ينظر إليها البعض على أنها تأتي في سياق استعراض دبلوماسي واستراتيجي روسي من أجل أن تؤكد موسكو للخصوم أن لها أصدقاء وحلفاء، تلقي الزيارة بالمزيد من الضغوط على الجزائر التي تجد نفسها في ورطة بين الالتزام بتحالفها التقليدي مع روسيا وحاجتها إلى عائدات تصدير الغاز إلى أوروبا.
وقال متابعون إن لافروف سيسعى لانتزاع موقف جزائري واضح من الحرب الأوكرانية يتجاوز التوقف عند التصويت لصالح روسيا في المنظمات الدولية أو بيانات المساندة، لافتين إلى أن المطلوب هو تراجع الجزائر عن تعهداتها بضخ المزيد من الغاز إلى أوروبا، وهو ما لن تستجيب له الجزائر، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسارتها حليفا مهمّا، لاسيما في ظل العزلة التي تعيشها منذ فترة.
وقال المتابعون إن النظام الجزائري لا يقدر على إعلان انحيازه الواضح إلى روسيا في الحرب ولا يستطيع التعهد بعدم زيادة إمداداته إلى أوروبا، وإن الرئيس عبدالمجيد تبون أو وزير الخارجية رمطان لعمامرة -اللذين ينتظر أن يلتقيا بالضيف الروسي- سيكتفيان بتصريحات عامة عن متانة العلاقة مع موسكو دون أي تصريحات قد توتر العلاقة مع أوروبا.
وكانت الجزائر قد استبقت زيارة لافروف بزيادة كميات الإمدادات إلى إيطاليا ضمن اتفاق جديد يتنزل في سياق استعداد أوروبا لإمكانية التخلي عن الغاز الروسي، وذلك على هامش زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي إلى الجزائر. كما سبق للرئيس تبون أن عبر عن استعداد بلاده لضخ كميات إضافية من الغاز لتلبية طلب الأوروبيين، ما أوحى بأن الجزائر تريد أن تستغل فرصة الأزمة الأوكرانية لتحقيق عائدات إضافية لخزينة الدولة.
النظام الجزائري لا يقدر على إعلان انحيازه الواضح إلى روسيا في الحرب ولا يستطيع التعهد بعدم زيادة إمداداته إلى أوروبا
كما أعلن توفيق حكار الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك النفطية في تصريحات لصحف محلية عن أن بلاده “مستعدة لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز عبر أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا، في حال تقلصت الصادرات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا، وأن سوناطراك ممون غاز موثوق بالنسبة إلى السوق الأوروبية، وهي مستعدة لدعم شركائها على المدى البعيد في حال تأزم الوضع”.
ويعتقد المتابعون أن المسؤولين الجزائريين سيسعون خلال لقاء لافروف إلى الفصل بين مصالح الجزائر مع أوروبا والعلاقة التاريخية مع روسيا، فلكل مقام موقف، وأن موسكو تعرف هذه المعاهدة وستتفهمها، حتى وإن أوحت التصريحات بغير هذا الاتجاه.
وجاءت زيارة لافروف إلى الجزائر في أعقاب نشاط دبلوماسي حثيث نحو الجزائر من قِبل عدد من العواصم الغربية -وفي مقدمة ذلك زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن- وبعد توقيع اتفاقيات لضخ كميات إضافية من الغاز الجزائري في الأسواق الأوروبية.
وذكر رئيس لجنة الصداقة الجزائرية – الروسية في مجلس النواب الجزائري عبدالسلام باشاغا أن الزيارة تبحث “العلاقات الثنائية الاستراتيجية والمستجدات الدولية والإقليمية”، وأن “الزيارة الروسية تأتي بهدف تعميق الشراكة الاستراتيجية وتأكيد متانة العلاقات الجزائرية – الروسية التي تمتد 60 عاما”، وأن استمرار الأزمة الأوكرانية يشكل فرصة أمام الجزائر للتأكيد على موقفها الداعي إلى “إيجاد حل سياسي للصراع الدائر”.
ورغم تشديد حكار، وكذلك وزير الطاقة محمد عرقاب، على أن “الغاز الجزائري لن يكون بديلا عن الغاز الروسي في أوروبا” والتطمينات التي قدمها في وقت سابق سفير موسكو في الجزائر إيغور بيلياييف بأن “المسألة تجارية لا تقلق بلاده” إلا أن الانزعاج الروسي من المسألة غير مستبعد، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرف برفضه لازدواجية المواقف من أي جهة مهما كان قربها من بلاده.
وكان تبون وبوتين قد أعربا في اتصال هاتفي بينهما عن “نيتهما مواصلة التنسيق الثنائي في إطار صيغة أوبك+ وفي إطار منتدى الدول المصدرة للغاز من أجل ضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية”.
وتسعى الجزائر لتبنّي موقف محايد من الأزمة المذكورة، رغم أنها لم تصوت لصالح توصيتين أمميتين حول إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا وسحب موسكو من لجنة حقوق الإنسان، وهو ما اعتبرته أوساط دبلوماسية انحيازا غير معلن إلى موسكو.
ورغم ذلك تتبنى رسميا خيار “المفاوضات المباشرة ” بين روسيا وأوكرانيا بهدف وقف العمليات العسكرية والتعامل العاجل مع الأزمة الإنسانية، بالإضافة إلى دعم الجهود الدبلوماسية الدولية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الراهنة، بما يمكّن من منع الانهيار المتزايد للمعايير الدبلوماسية.
كما أعربت عن دعمها لـ”الحل السياسي” الذي يضمن الحفاظ على سيادة الدول وسلامة أراضيها ومصالحها الحيوية المشروعة، وهي عضو في المجموعة التي شكلتها الجامعة العربية للوساطة في الأزمة الأوكرانية، والتي سبق لها أن قابلت مسؤولي البلدين في موسكو وكييف.
ويعول الطرفان على اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين من أجل تعزيز اتفاق الشراكة الاستراتيجية، لكن الأزمة الأوكرانية تسببت في تأجيله إلى حد الآن، غير أن الاهتمام الروسي بدا واضحا من خلال تصريحات دبلوماسيين حول المسألة؛ إذ سبق للسفير إيغور بيلياييف أن ذكّر بأن بلاده سلمت إلى الجزائر مشروع الشراكة المعمقة لإبداء ملاحظاتها عليه.
وتعد الجزائر من الحلفاء النادرين لروسيا في شمال أفريقيا والقارة السمراء عموما؛ فعلاوة على العلاقات التاريخية تعتبر من أكبر زبائن سوق السلاح الروسي، وترتبط باتفاقيات تسليح متجددة، كما تشكل نقطة عبور في مشروع تمدد النفوذ الروسي في أفريقيا، بدءا بالدور الجديد لميليشيات فاغنر في مالي.
