محاولات سورية مضنية لإنقاذ صناعة النسيج المحاصرة بالمشاكل

تتزايد المؤشرات على أن صناعة النسيج في سوريا تمر بمرحلة حرجة مع عجز شركات القطاع عن السير بعيدا عن المشاكل التي تعاني منها البلاد في ظل الأزمة المالية وعوامل الجفاف رغم إصرار الحكومة على أن لديها خططا لإنقاذها وزيادة طاقة الإنتاج.
دمشق - تختزل صناعة النسيج السورية حجم التحديات التي تواجه معظم القطاعات، حيث تحاول عبثا منذ سنوات العثور على بوصلة تخرجها من الطريق المسدود بفعل تراكم المشاكل التي تكبل عودتها إلى النشاط.
وتجد أغلب شركات القطاع التي تنشط في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد نفسها في موقف لا تحسد عليه بالنظر إلى تراكم المشاكل التي جعلت أعمالها في تراجع.
وفي ظل صعوبة توفير إمدادات الوقود والكهرباء بشكل دائم، خلف الجفاف آثارا كارثية على زراعة القطن الذي يشكل المادة الأساسية في مدخلات إنتاج مصانع الغزل والنسيج.

محمد عزوز: تأمين القطن أولوية لاستمرار الإنتاج في شركات الغزل
وشكلت ترتيبات إعادة النهوض بقطاع زراعة القطن إحدى الخطوات التي عملت الحكومة على تنفيذها خلال الأشهر الأخيرة رغم أن هذا المجال الذي يدعم الصناعات النسيجية المحلية محاصر بالأزمات المالية.
ورغم أن هذه الزراعة مرت بانتعاش ملحوظ الموسم الماضي متحدّية الصعوبات في ظل تركة سنوات من الحرب وسيطرة التنظيمات الإرهابية على أراضي المزارعين، ما حرم الدولة من إيرادات ضخمة طيلة سنوات، لكن الحكومة تجد صعوبة بالغة في تأمين القطن.
وتظهر بيانات مديرية مكتب القطن أن المساحات المزروعة بلغت 29 ألف هكتار موزعة على محافظات تشتهر بهذا المحصول ومنها حلب والحسكة ودير الزور والرقة ومناطق الغاب والقامشلي، وهي مساحة قليلة قياسا بنحو 200 ألف هكتار قبل اندلاع الأزمة.
وتحاول صناعة النسيج التخلص من ركام الحرب التي دمرت القطاع، وإيجاد سبل للتغلب على قانون العقوبات الأميركية المعروف باسم “قانون قيصر”.
وأكد محمد عزوز رئيس الاتحاد المهني للغزل والنسيج أن تأمين مادة القطن يعد أولوية لاستمرار العملية الإنتاجية في شركات الغزل العامة حيث تم عقد لقاءات مع المعنيين في وزارة الصناعة للوصول إلى حلول عاجلة في ظل تراجع الكميات الموردة من المزارعين.
ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى عزوز قوله إن “كميات القطن الموردة إلى مؤسسة حلج وتسويق الأقطان للموسم الحالي بلغت 6731 طنا ونتج عن عمليات الحلج نحو 2700 طن قطن محلوج تم تسويقها إلى شركات الغزل”.
ويستقطب قطاع إنتاج القطن حوالي 20 في المئة من الأيدي العاملة السورية، كما أنه يزرع على مساحات شاسعة تقدر بحوالي 200 ألف هكتار تنتج حوالي 800 ألف طن سنويا.
واعتبر عزوز أن الكميات كانت غير كافية لتشغيل شركات الغزل والنسيج وكان لا بد من البحث عن بدائل عاجلة خلال الفترة السابقة لضمان استمرارية الإنتاج والاستفادة من الطاقة التشغيلية للآلات وللعمال عبر تدوير المخزونات والاستفادة من العوادم.
معلومات عن القطاع
- 63 في المئة حجم القطاع بالنسبة إلى المجال الصناعي
- 20 في المئة من إجمالي القوة العاملة تعمل في القطاع
- 12 في المئة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي
وأجازت الحكومة مؤخرا إطلاق مناقصة في السوقين المحلية والدولية لتوريد خمسة آلاف طن لردم الفجوة في كميات القطن اللازمة لمصانع النسيج.
وستتم عملية التوريد وفق حاجة كل شركة ضمن مواصفات تشغيلية ضمن إعلان موحد لكافة الشركات والاستمرار بالشراء المباشر لكميات صغيرة من المزارعين وفق الشروط الخاصة لتوريد الأقطان منزوعة البذرة.
وترى أوساط اقتصادية محلية أن ثمة حاجة ملحة لتحسين الظروف المهنية للعاملين وتطوير بيئة العمل بما يساهم في تحسين الإنتاج وزيادته وتحديث وتأهيل العشرات من المنشآت.
وتؤكد هذه الأوساط أن ذلك يتطلب الاسراع بتأمين مادة القطن حرصا على عدم توقف العملية الإنتاجية وتعديل تسعير استجرار القطن ووضع محفزات تسويقية للمزارعين لضمان تسليم كامل إنتاجهم بغية تخفيض الاستيراد في ظل شح السيولة النقدية لدى الدولة.
وكانت صناعة النسيج والألبسة قبل اندلاع النزاع في سوريا من أبرز القطاعات الإنتاجية في البلاد، وتخطت صادراتها الدول العربية إلى أوروبا.
لكن الإنتاج تدهور منذ العام 2011 شأنه شأن باقي القطاعات الاقتصادية التي أنهكتها الحرب، لاسيما مع تعرض المصانع للتدمير ونزوح العاملين، بالإضافة إلى تداعيات العقوبات الغربية على دمشق.
ونظرا إلى عدم وجود إحصائيات حكومية رسمية تظهر تقديرات منظمات ومؤسسات مالية دولية أن صناعة النسيج كانت تشكل 63 في المئة من قطاع الصناعة السوري، وهي تؤمن عشرين في المئة من اليد العاملة وتسهم بنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبلغت صادرات القطاع قبل الأزمة حوالي 3.3 مليار دولار سنويا لتتراجع إلى النصف، لكن بعض المحللين والخبراء يرون أن الرقم الحقيقي قد يكون أقل بكثير مما أشارت إليه تقارير المنتدى الاقتصادي السوري.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن عضو مجلس إدارة المؤسسة السورية للتجارة ماهر الزيات قوله إن “إنتاج الألبسة في مناطق سيطرة النظام تراجع إلى النصف من كميات الإنتاج الطبيعية”.
وأرجع الزيات وهو عضو رابطة المصدّرين السوريين للألبسة والنسيج، هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، لعل أهمها توفر الوقود وارتفاع أسعاره والانقطاعات المتكررة في الكهرباء في مناطق سيطرة النظام، فضلا عن نقص اليد العاملة.
وبحسب بيانات الرابطة فقد تسببت الحرب في توقف أو تدمير قرابة سبعين في المئة من مصانع النسيج في سوريا.
وتعاني مناطق سيطرة الحكومة في سوريا منذ أكثر من عامين نقصا حادا في المحروقات نتيجة العقوبات الأميركية المشددة التي تعطل واردات النفط والمشتقات المكررة.
وقال وزير النفط السوري بسام طعمة في كثير من المرات إن “قانون قيصر عطل شحنات من موردين وأن تشديد الحصار الأميركي ومنع وصول التوريدات اضطرّنا إلى أن نخفض هذا التوزيع نحو 30 إلى 35 في المئة”.