"أبوصدام" هولك مصري يحوّله الغضب إلى رجل مدمر

فيلم يكشف الأزمات النفسية ومآلات الكبت والانفعال.
الثلاثاء 2022/05/10
تتويج محمد ممدوح

انتهت مساء الأحد فعاليات الدورة الثانية عشرة من مهرجان مالمو للفيلم العربي والتي استمرت من الرابع إلى غاية التاسع من مايو الجاري، وكانت جائزة أحسن ممثل من نصيب الفنان المصري محمد ممدوح عن دوره في فيلم “أبوصدام” للمخرجة نادين خان والذي توج من خلاله مسيرة هامة تكرسه كواحد من أبرز نجوم الشاشة الكبيرة.

للمرة الثانية بعد الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يحصل الفنان المصري محمد ممدوح على جائزة أحسن ممثل عن فيلمه “أبوصدام” بعد تتويجه الأحد بهذه الجائزة من مهرجان مالمو للفيلم العربي.

وتدور أحداث الفيلم، الذي أخرجته نادين خان بعد سنوات طويلة من إخراجها لفيلمها الروائي الأول “هرج ومرج”، حول “أبوصدام” سائق عربة النقل الثقيل (تريلا) والذي يلعب دوره محمد ممدوح، ومساعده (التباع) “حسن” الذي يلعب دوره الممثل الشاب الصاعد أحمد داش. وتركز قصته، التي كتبتها نادين خان بنفسها بينما كتب السيناريو والحوار الكاتب محمود عزت، على ذلك السائق والتبّاع أثناء رحلة عملهما على الطريق، وتصور معظم أحداثه على الطريق وداخل تلك العربة.

الخوف من الغضب

يسير العمل دراميا وفق خطين متوازيين، الخط الأول هو “أبوصدام” أثناء تلك الرحلة التي ستكشف تدريجياً ضعفه كرجل في مقابل شخصيته الخارجية العنيفة التي تستخدم الصوت العالي كسلاح لها، وخاصة أثناء كلامه مع زوجته أو عائلتها، وعلى الرغم من أنه محور العمل وشخصيته وقصته الرئيسية، ولولاه لما كان هناك فيلم أصلا، إلا أنه في الواقع شخص هامشي لا قيمه أو وزن له سواء في المجتمع أو ضمن عائلته.

وعلى الخط الثاني هناك التبّاع “حسن” الذي سيظهر طيلة زمن الفيلم بمظهر الخنوع الخائف، بينما هدفه الأساسي من الرحلة سرقة “أبوصدام”، ولكن تدريجيا ستطرأ على شخصيته تحولات داخلية نتيجة خوفه من تصرفات الأخير، فيتراجع عن سرقة المال إلى أن ينتهي به الأمر إلى كبت تلك الرغبة نهائيا فيفر هارباً مع نهاية الرحلة.

 ويبدو أن كاتب السيناريو في خط الرحلة تحديدا قد استفاد من تيمة أفلام الطريق (وهذه النوعية من الأفلام تغادر فيها الشخصيات الرئيسية المنزل في رحلة على الطريق، وأثناء تلك الرحلة تغير مفهومها لحياتها اليومية، وتلك الأفلام تركز في موضوعها بشكل خاص على المسافرين الرفقاء من الذكور وعلى موضوع الذكورية)، فالبطل “أبوصدام” يتمرد على الأعراف الاجتماعية المحافظة التي تطالب بها زوجته وعائلتها، بينما يتجاوزها بدوره عمدا، فقط لأنه رجل والأهم من ذلك مهزوم ومأزوم جنسيا في حقيقة الأمر، في المقابل سيعدل “حسن” عن سرقة “أبوصدام”.

أما بالنسبة إلى الخط الأول والمتعلق بشخصية “أبوصدام” نفسها فقد أعادني إلى شخصية المسلسل الأميركي الشهير “Hulk” (هولك) التي عرضت في الثمانينات على شاشة التلفزيون الأميركي، وكانت أحداثه تدور حول الرجل الخارق الذي ينفعل تحت الضغط وربما الإهانة، فيخرج عن طوره ويبدل جلده ليتجسد لنا في هيئة رجل عملاق، أخضر اللون قوي الجسد، خارق لكن بمظهر أحمق، وقادر على تدمير المكان الذي يتواجد فيه. ورغم أن العمل برمته كان يحمل الكثير من الفانتازيا والخيال، فإن جيلاً كاملاً من الشباب تابعه بشغف وتأثر به، بل أكثر من ذلك بيعت حقوق الشخصية لشركة ألعاب، ليصبح بمقدور الجميع تقمصها ولعب دورها.

والعمل الذي صُورت حلقاته عبر سلسلة تلفزيونية وأنتج منه ما يقارب الثمانين حلقة، وأدى دور البطولة فيه كل من الممثل الأميركي بيل بيكسبي الذي يلعب دور الطبيب بانر ولو فيريغنو الممثل ولاعب كمال الأجسام الأميركي الذي يلعب دور هولك، بلغت شهرته العالم كله بما فيه الوطن العربي حينها رغم عدم وجود فضائيات مفتوحة كما هو الحال اليوم.

الأداء المتمكن لمحمد ممدوح كان ملفتا إلى درجة أننا خلنا تفاصيل الشخصية جزءا لا يتجزأ من تفاصيل شخصيته

وتصرف مؤلف العمل كينيث جونسون بدهاء حين جعل لبطله ماضيا وبعداً دراميا وتاريخيا والأهم من ذلك إنسانيا، وكتب في حلقات العمل الأولى قصة بطلها العالم الفيزيائي الذي عانى لسنوات من أزمة نفسية نتيجة تعرضه لحادث انقلاب سيارته وفقدانه زوجته، فحاول مرارا وتكرارا دراسة الظواهر الجسمانية الخارقة التي تظهر في البشر بعد تعرضهم لضغط نفسي بسبب عدم تمكنهم من إنقاذ من يحبون، فاكتشف نوعاً من أشعة غاما الكهرومغناطيسية المحرمة، وما إن جربها على نفسه حتى استشاط غضبا وتغيّر لون بشرته وتضخم جسده، وهو ما أدى إلى عدم السيطرة عليه لاحقاً.

وفي فيلم “أبوصدام” هناك أيضا رجل يصبح لونه أخضر، وخاصة حين ينفعل أو يتم استفزازه، ويعرف كل من حوله سلوكه هذا إلى درجة أن أحد التباعين قد لمّح إلى “حسن” بذلك منذ بداية الفيلم، لكن كاتب السيناريو لم يجعل منه رجلا متهورا يخرج عن طوره بعد أول موقف مستفز يمر به كما يحصل عادة  مع هولك، بل مهد لهذا الغضب تدريجيا وخلال زمن الفيلم (90 دقيقة تقريبا)، من خلال تراكمات ذكورية من رجل أثبتت أحداث الفيلم غضبه وعجزه، بحيث جعل الموقف الأخير (الشكوى التي تقدمها سيدة في حقه) على بساطته هو الموقف الذي سيقصم ظهر البعير والذي سيستشيط منه “أبوصدام” غضبا، إلى درجة أنه يرتكب حماقة تؤدي إلى جريمة قتل.

وقوة الفيلم ليست متأتية فقط من الأداء المتمكن لبطله محمد ممدوح الذي كان ملفتا إلى درجة أننا خلنا تفاصيل الشخصية جزءا لا يتجزأ من تفاصيل شخصيته الحقيقية وليست مجرد أداء متقن لممثل؛ فعيناه حادتان، وتحديدا حين ينظر إلى الأعلى  فيظهر بياضهما واضحا إلى درجة تكاد تقول إن النار ستخرج منهما من شدة غضبه، وطريقة قبض يديه على رأسه في كل مرة يحاول فيها كتم ما بداخله تعكس أيضا مشاعر الخوف من غضب لا يمكن كبته.

كما ميزت الفيلم الطريقة الهوليوودية التي أخرجت بها نادين خان فيلمها، وتحديدا على صعيد التصوير وحركة الكاميرا، خاصة في ظل ضيق مكان وضع الكاميرا والمصور ضمن العربة نفسها، بالإضافة إلى صعوبة اللقطات الخارجية التي تم التقاطها لرحلة العربة سواء من الأعلى أو من الجوانب، وتحديدا أثناء مشاهد المطاردات في بداية الفيلم ونهايته، بالإضافة إلى اللقطات الأساسية لبطل الفيلم والتي ستلتقط  بالرغم من ضيق المكان انفعالاته وغضبه عبر لغة جسدية تجعل من التصوير والإخراج بحد ذاته قيمة حقيقية مضافة إلى النص المكتوب.

تتويجات المهرجان

◙ رجل ضعيف لكن احذر غضبه
 رجل ضعيف لكن احذر غضبه

شارك في دورة هذا العام من مهرجان مالمو للفيلم العربي ما يقارب 67 فيلما ما بين روائي طويل وقصير وتسجيلي. وأسند المهرجان جوائزه في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي شارك في تحكيمها كل من هاني لاشين وجمال سليمان وجورج خبّاز وعهد كامل ورشيدة السعدي، إلى فيلم “صولا” من إخراج صلاح إسعاد ومن إنتاج مشترك بين الجزائر وفرنسا والسعودية وقطر، وقد تحصّل العمل على جائزة أحسن فيلم وجائزة أحسن ممثلة لبطلته صولا بحري.

 أما جائزة لجنة التحكيم فذهبت إلى فيلم “فرحة”، من إخراج دارين سلام ومن إنتاج مشترك بين الأردن والسويد والسعودية. وتحصل المخرج التونسي مهدي هميلي على جائزة أحسن مخرج عن فيلمه “أطياف” من إنتاج تونس ولكسمبورغ وفرنسا، كما تحصل مواطناه أنيس الأسود وشيما بن شعبان على جائزة أحسن سيناريو عن فيلم “قدحة”، ونال فيلم “الحارة” للمخرج باسل غندور تنويها خاصا من لجنة التحكيم.

أما مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، التي شارك في تحكيمها قاسم عبد ومحمود المسّاد وندى الأزهري، فقد توج فيها الفيلم اللبناني “لولا فسحة المترو” للمخرج جورج هاشم بجائزة أحسن فيلم، بينما كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة من نصيب الفيلم المصري “من القاهرة” للمخرجة هالة جلال.

وأخيرا توج في مسابقة الأفلام القصيرة، التي شاركت في تحكيمها شيري عادل وصوفيا جاما ومحمد سلمان، الفيلم اللبناني “ثم يأتي الظلام” للمخرجة ماري روز أسطا بجائزة أحسن فيلم، بينما تحصلت المخرجة التونسية أمل غويلاتي على جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها “شيطانة”، ونال فيلم “ثم يحرقون البحر” وفيلم “ليل” تنويها من لجنة التحكيم، في حين ذهبت جائزة الجمهور إلى فيلم “الحارة” من إخراج باسل غندور وإنتاج الأردن ومصر والسعودية وقطر.

14