"أسير الشمس" رواية جزائرية بطلها دولاكروا الرسام الفرنسي الذي دس السم في العسل

الرواية تحفل بمعلومات تاريخية قيمة سلط الكاتب من خلالها الضوء على جوانب تاريخية مجهولة تجاهلها التأريخ الرسمي.
الأربعاء 2022/05/04
مراجعة ما خلف الصورة

الجزائر - يعود الروائي الجزائري حميد عبدالقادر في روايته “أسيرُ الشّمس” إلى رحلة الفنان الفرنسي أوجين دولاكروا (1798 – 1863)، التي قادته إلى الجزائر سنة 1832، رفقة الكونت دومورني، بعد مرورهما بالمغرب، ثم العودة إلى مدينة الجزائر.

وفي عام 1832 سافر ديلاكروا رفقة دبلوماسي يدعى لوكونت دي مورناي إلى المغرب، لمقابلة سلطانها وبحث بعض المستجدات التي طرأت غداة احتلال فرنسا للجزائر. ووصلت البعثة الدبلوماسية هذه إلى طنجة في أواخر يناير من ذلك العام، ومنها انتقلت إلى مكناس لمقابلة السلطان وكان ذلك خلال شهري مارس وأبريل، قبل أن تعود أدراجها إلى فرنسا عبر وهران في الجزائر في شهري يونيو ويوليو من ذلك العام.

ستة أشهر أمضاها ديلاكروا في المغرب العربي، لم تشغل المهمة الدبلوماسية إلا بضعة أيام منها. فتسنى له أن يشبع فضوله وعطشه إلى استكشاف عالم يختلف كل الاختلاف عن المدينة الباريسية التي أراد الهروب منها وكأنه يكرهها، للاطلاع على غيرها.

الرواية تحكي كيف أنّ فرنسا لم تكتفِ باحتلالها الجزائر وعملية الاستيطان، بل عمدت إلى أكثر من ذلك

وتميَّزت هذه اللوحات ببلوغ لغة ديلاكروا الفنية ذروتها من حيث قدرتها على التعبير عن الحركة المشحونة بالعواطف، الأمر الذي وضعه على رأس المدرسة الرومنطيقية في فرنسا دون منافس قريب، لكنها أخفت بين طياتها نظرة استشراقية يحاول الروائي عبدالقادر استنطاقها في عمله الجديد.

وتحكي الرواية، الصادرة عن دار ميم للنشر والتوزيع، كيف أنّ فرنسا لم تكتفِ باحتلالها الجزائر وعملية الاستيطان، بل عمدت إلى أكثر من ذلك، خاصّة بعد ظهور تيّار في فرنسا يُعارض عملية الاحتلال، التي أثقلت كاهل الخزينة.

وبعد القضاء على الأسطول العثماني، الذي كان يسيطر على حوض البحر المتوسط، وطرد الأتراك من الجزائر، عمدت فرنسا إلى استغلال الأعمال الفنية الكبرى، وأسماء فنانين كبار للدعوة إلى مواصلة الاحتلال وتشجيع عملية الاستيطان، وكمثال على ذلك، ما قام به دولاكروا الذي رسم لوحة فنية بعنوان “نساء الجزائر في مخدعهن”؛ ظاهرها الفن الراقي، لكن باطنها دعوة كولونيالية صريحة، ويظهر ذلك بعد التدقيق في تأمُّل تلك اللّوحة الفنيّة، التي كانت أشبه بدسّ السُمّ في العسل.

وأثناء رحلته إلى الجزائر، التقى دولاكروا في مقهى مع صحافيّ اسمُه جان بيغاليا، حضر عملية احتلال الجزائر من البداية، أطلعه على فظائع فرنسا إزاء السكان، مكذبا مقولة إنّ فرنسا حملت الحضارة إلى الجزائر، ووصف له مقتل قرابة أربعة آلاف جزائري حين همت فرنسا بتحويل مسجد كتشاوة إلى كاتدرائية، ولم يبد الفنان أي ردة فعل ضد هذه الجرائم.

وركز الروائي على الإشارة إلى عملية إبادة فرنسا لقبيلة العوفية على ضفاف وادي الحراش، حيث لم ينج منها إلا بضعة أشخاص. كما دعا الصحافي هذا الفنان إلى زيارة المكان ليرسم بشاعة تلك الإبادة الجماعية، لكنه رفض رفضا قاطعا، ليظهر موقف دولاكروا المتمثّل في دعمه للاحتلال.

ولم يذكر دولاكروا في مذكراته هذه الجرائم بينما كان الجيش الفرنسي يواصل زحفه لاحتلال المزيد من أراضي الجزائر بالنهب والقتل. كما لم يُسجل بشاعته هو في كيفية اقتحامه خصوصيات تلك النساء، عند رسمه لوحته الشهيرة، والعنف

اللفظي الذي استعمله، وكذا عنف الجنود الذين رافقوه أثناء رسمه اللوحة، التي آمن بأنّها سترفعُه إلى مصاف الفنانين العالميّين على حساب استعباد الشعوب، وفي خدمة الكولونيالية الاستعمارية تحت قناع الفن الراقي.

وتحفل الرواية بمعلومات تاريخيّة قيّمة، سلّط الكاتب فيها الضوء على جوانب تاريخيّة جعلتها مفعمة بالحيوية، واستعان لإبراز الفكرة الرئيسية للرواية بالحوار بين دولاكروا والصحافي بيغاليا، الذي حمل في عمقه تضارب الآراء إلى حدّ الصراع.

12