الشيوعيون في العراق يصارعون للبقاء بالدفاع عن الحريات والعلمانية

الحزب الشيوعي شكل طرفا فاعلا في محطات مفصلية في تاريخ العراق ويسعى اليوم إلى استعادة أمجاده بدفاعه عن حقوق المرأة والعلمانية.
السبت 2022/04/30
فرص مهدورة

بغداد - شكل الحزب الشيوعي العراقي طرفا فاعلا ومهما في محطات مفصلية في تاريخ العراق قبل أن يأفل نجمه، ومع ذلك، يسعى الشيوعيون اليوم إلى استعادة أمجاد ماضيهم بدفاعهم عن حقوق المرأة والعلمانية، في بلد يبقى "فصل المسجد عن الدولة" مجرّد فكرة. واحتفل أقدم حزب عراقي في ربيع 2022 بعيد تأسيسه الثامن والثمانين بحفل أقيم على ضفاف نهر دجلة في بغداد.

ورفعت الرايات الحمراء بشعار المنجل والمطرقة، بحضور المناصرين القليلين للحزب اليوم. فالحزب الشيوعي لم يعد يملك أي نائب في البرلمان بعد مقاطعته الانتخابات الأخيرة، في حين كان له نائبان في البرلمان السابق. أما عدد أعضائه، فقليل. ويشكّل استقطاب المناصرين لهذا الحزب امتحانا صعبا ومعقدا، إذ أن عليه أن ينافس الأحزاب الكبرى التي تتخذ من الدين هوية وعقيدة.

وترى المحللة السياسية مارسين الشمري أن "خطاب فصل المسجد عن الدولة لا يزال ضعيفا في العراق". وتهيمن قوتان شيعيتان على المشهد السياسي في هذا البلد. فمن جهة، هناك رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وتياره، ومن جهة ثانية، منافسوه في تحالف الإطار التنسيقي الذي يضمّ تشكيلات سياسية من الموالين لإيران. أما السنة، فلديهم، كما الأكراد والمسيحيين والتركمان، أحزابهم الخاصة.

مقابل هذا الواقع، كان الحزب الشيوعي طرفا مهما في محطات تاريخية عديدة في العراق. فبين عامي 1940 و1950، رفع الشيوعيون شعارات "العدالة الاجتماعية ومناهضة الإمبريالية وإعطاء صوت للمحرومين"، كما يوضح طارق إسماعيل، المحلل السياسي في جامعة كلغاري الكندية.

كانت تلك المواضيع ذات وزن في العراق، الذي كان قد نال استقلاله للتو ويصارع الفقر. وهذه الشعارات نفسها رفعها المتظاهرون المناهضون للنظام في أكتوبر 2019.

في ستينات القرن العشرين، كان عدد أعضاء الحزب الشيوعي العراقي يبلغ نحو 15 ألف شخص، وكان وازنا في كلّ المنعطفات التاريخية التي مرت بها البلاد. وكان دعمه لعبدالكريم قاسم أول رئيس للبلاد، في ثورة الرابع عشر من يوليو 1958 التي أسقطت الملكية، حازما.

استقطاب المناصرين لهذا الحزب يشكّل امتحانا صعبا ومعقدا، إذ أن عليه أن ينافس الأحزاب الكبرى التي تتخذ من الدين هوية وعقيدة

لكن وصول حزب البعث إلى الحكم في السبعينات، وتكثيفه للقمع، شكّل ضربة قوية للحزب الشيوعي العراقي. وبعد سنوات من الاضطهاد في ظلّ نظام الرئيس الراحل صدام حسين، أعاد الحزب إحياء نفسه بعد الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003.

يضمّ الحزب حاليا "بضعة آلاف" من الأعضاء، كما يشرح رئيسه رائد فهمي. وهدف الحزب حاليا ليس الوصول إلى الحكم، بل طرح الأفكار وتحفيز النقاش حول العلمانية والعدالة الاجتماعية وحقوق النساء.

وهذا تحدّ كبير في بلد تهيمن فيه الذكورية والتقاليد العشائرية. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في بيان بمناسبة يوم المرأة العالمي، إن "على الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق المساواة والتكافؤ بين الجنسين، لا تزال هناك عوائق كبيرة في العراق".

ووفق البنك الدولي، لا تمثل النساء سوى 13 في المئة من عدد السكان الناشطين مهنيا في العراق، وهي واحدة من أدنى النسب في العالم.

ويرى رائد فهمي (71 عاما) أن بالرغم من قتامة المشهد فإن الأوضاع تتغير. ويقول من مكتب الحزب "بالنسبة لدور النساء، الأمر صعب لكن هناك تقدّما. نرى بعض الشباب لديهم موقف أكثر انفتاحا".

وتؤيد زينب عزيز (53 عاما) هذه القضايا، وتقول إنها قريبة من أفكار الحزب. وترى أن "الأحزاب الدينية التي تسيطر على البلاد تجعل الحياة صعبة على النساء والشباب الذين يتوقون إلى الحرية"، مشددة على أن "الحزب الشيوعي هو أول من دافع عن المرأة".

ومع ذلك، فقد فوّت الشيوعيون فرصتهم الأولى. ففي أكتوبر 2019 أثناء الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد المنظومة القائمة منذ الاحتلال الأميركي، والتي تعرضت لقمع دموي، لم يتمكن الحزب الشيوعي العراقي الذي كان بإمكانه أن ينادي بشعارات العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، من إسماع صوته.

وترى مارسين الشمري أن "تلك كانت فرصة ضائعة للحزب الشيوعي، الذي كان بإمكانه بسهولة البناء على الشعور المناهض للإسلامية والخروج كبطل التقدمية والعلمانية". وأضافت أن الحزب يمثّل “الحرس القديم للمجتمع المدني وحركة تشرين".

واقع الحال أن قلة يجذبهم هذا الخطاب ويدخلون صفوف الحزب، لكن بحسب فهمي، فإن الحزب يستفيد من علاقاته مع النقابات والجمعيات وفي أوساط الطلاب، وهؤلاء ليسوا بالضرورة هدفا سهلا.

3