الرئاسة المصرية تؤكد جديتها في الحوار الوطني بإخلاء سبيل "مؤنس"

القاهرة – حقق إخلاء سبيل الناشط حسام مؤنس الخميس هدفه نحو تهيئة الأجواء المناسبة لتدشين إجراءات بناء الثقة في النظام المصري وأن رغبته في الحوار السياسي ومشتملاته صادقة بما يفتح الباب أمام اتخاذ خطوات جديدة على طريق دعم مسار الحوار الشامل الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا.
ونشرت الصحيفة الرسمية قرارا رئاسيا بالعفو المنفرد عن مؤنس للتعبير عن الاستجابة السريعة لمطلب بعض الرموز السياسية التي حضرت إفطار الأسرة المصرية الثلاثاء، وناشد بعضها الرئيس بالإفراج عن مؤنس المحبوس منذ حوالي ثلاثة أعوام في القضية المعروفة إعلاميا بـ”بتحالف الأمل”.
وجرى القبض على مؤنس ومعه المحامي زياد العليمي والصحافي هشام فؤاد، ووجوه شبابية أخرى ذات ميول سياسية ناصرية، وواجهوا جميعا اتهامات بنشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام، وقضت المحكمة في نوفمبر الماضي بحبسهم أربع سنوات.
محمد أنور السادات: الإفراج عن مؤنس محل ترحيب واسع من قوى وطنية عديدة
وحملت تعليقات العديد من القوى السياسية تأكيدات بأن النظام السياسي حريص هذه المرة على تقديم ما يثبت استعداده للحوار واستجاب لمطالب مبدئية تتمثل في الإفراج عن معتقلين سياسيين ومعتقلي رأي، بعضهم جرى إطلاق سراحه بالفعل قبل أيام.
ومن المتوقع أن تشمل قرارات الإفراج عددا جديدا من المحبوسين عقب إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي ما يعني أن النظام الحاكم يواصل تحركاته في مسار الإفراجات.
ومنح الإفراج عن مؤنس، وهو صحافي معارض وكان مديرا لحملة المرشح السابق لرئاسية الجمهورية حمدين صباحي، رموز قوى سياسية ومدنية حضرت إفطار الأسرة المصرية قدرة على إقناع أنصارهم بأن هناك جدوى من الدخول في الحوار الوطني مع النظام يمكن أن تنتج عنه خطوات تتيح حرية الحركة السياسية.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن هناك أهدافا خفية لدى النظام المصري دفعته لتدشين الحوار، في مقدمتها نزع فتيل ضغوط لا تتوقف حول تسببه في تفريغ البلاد من القوى السياسية وتضييق الخناق حولها، وأن المبررات الأمنية لكبت الحريات لم تعد مقبولة أو مفهومة بعد تمكن أجهزة الدولة من دحر القوى المتطرفة والإرهابية.
وأضافت المصادر ذاتها أن الحوار يستهدف تحصين الجبهة الداخلية وبناء قاعدة سياسية قوية تستطيع أن تدافع عن الركائز الرئيسية للدولة الوطنية والنظام الحاكم، وإن كانت هناك خلافات في الرؤى والسياسات فالاتجاه نحو المجتمع المدني المصري ضروري الآن لشغل الفراغ الذي تركه الإخوان.
ويخشى النظام المصري أن تفضي تفاعلات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى مردودات سياسية في الشارع تحرج قيادته التي رأت أن الدعوة للحوار الآن توفر مشاركة بين الجانبين في تحمل المسؤولية، ويمكن أن تفرغ الاحتقان الذي ولدته الفترة الماضية من مضامينه السياسية إذا أرادت قوى معارضة القفز عليه.
وقال أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) حسن سلامة إن النظام المصري صادق في دعوته ولا يريد أن يتحول الحوار إلى نقاشات سياسية بلا جدوى، وهناك جهات تقوم بإعداد محاور الحوار وتحديد أطرافه وكيفية إدارته، فالمطلوب حوار يتماشى مع طبيعة المشكلات الاقتصادية وروافدها الاجتماعية، ما يجعل هناك رؤية توافقية للتعامل معها وإيجاد حلول لها.
وأشار لـ”العرب” إلى أن الحكومة لديها رؤية مخلصة للحوار ومقتضياته، لكن في الوقت ذاته لا بد أن تكون هناك رؤية مقابلة لدى القوى السياسية التي وجدت نفسها أمام اختبار حول مدى قدرتها على الاشتباك بجدية مع هذه الخطوة من عدمه، ومحتوى الأجندة التي ستقدمها والحلول البديلة القابلة للتطبيق.
ويشير التركيز على الإفراجات إلى إمكانية إقناع المجتمع بأن هناك تغيرا ملموسا هذه المرة في توجهات السلطة، لأن الاعتقالات من أكثر الملفات حساسية للنظام في الداخل والخارج، ولذلك ركز عليها وذهب إلى الحوار من تلقاء نفسه، ويحاول تحصينه بوعاء مؤيد في ظل إدراكه أن الأحزاب الموالية له والنشطة شكلا على الساحة لا تستطيع التعبير عن الطيف الواسع، ومطلوب إجراءات تؤكد وجود رؤية مغايرة.
ويدحض النظام المصري بخطوة الإفراجات رؤى تنظيم الإخوان وأنصاره في الخارج الذين حاولوا تصوير الدعوة للحوار كخديعة للقوى السياسية يستهدف منها تأمين تصوراته والإيحاء بوجود نقاط مشتركة بينه وبين قوى فاعلة تريد تحصين مواقعها في الخارطة الجديدة والحصول على مكاسب من الحوار.
وقال رئيس لجنة الحقوق السياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) محمد أنور السادات إن الإفراج عن مؤنس محل ترحيب واسع من قوى وطنية عديدة.
وأوضح لـ”العرب” أن هناك قوائم للمزيد من الإفراجات يتم التجهيز لها تشمل متهمين في قضايا رأي وضعت أسماؤهم ضمن الأسماء التي تقدمت بها القوى السياسية كمقدمة للمشاركة في الحوار وهناك قنوات مفتوحة دائمة بين المعارضة والحكومة.
النظام المصري يخشى أن تفضي تفاعلات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى مردودات سياسية في الشارع تحرج قيادته
وأكد أن أبرز مطالب القوى السياسية من الحوار تتمثل في إشراك الأحزاب والنقابات والمنظمات المدنية والأهلية في القرار السياسي ليشعر المواطن المصري أن القرارات التي تتعلق بمستقبله وحاضره وآماله محل توافق من جميع القوى، ويكون لتلك الأطراف دور في تحديد الأولويات في ما يتعلق بمظاهر الإنفاق والمشروعات القومية، بجانب فتح المجال العام وتعزيز مناخ الحريات العامة.
وشددت القوى السياسية على تعزيز حرية الرأي والتعبير لتكون أمامها فرصة للتعبير عن ذاتها والمشاركة في صناعة القرار بشأن القضايا الحيوية التي تشغل بال المجتمع، بما يؤدي لتشجيع القوى والشخصيات التي عزفت عن النشاط السياسي للعودة مرة أخرى.
ويعد فتح المجال العام وإخراج وسائل الإعلام من حالة التكلس التي أصابتها السنوات الماضية من المحكات الرئيسية التي تثبت مدى قدرة النظام المصري على أن يخيب الظنون السلبية التي أحاطت بدعوته للحوار.
ويقع على عاتق الجهات المنوط بها تصميم أجندة الحوار دور مهم لتحديد مخرجاته المتوقعة وآليات متابعة تنفيذه، والأمر يستلزم المزيد من التروي في تحديد أطراف الحوار والتعويل على ورش الأعداد المنتظر انطلاقها بعد إجازة عيد الفطر كي يجري فرز القوى المشاركة وتوفير الأجواء الملائمة.
وتكمن المشكلة الحقيقية في أن المعارضة غير موجودة على الأرض، فالشخصيات التي حضرت إفطار الأسرة المصرية مع الرئيس السيسي لم تستطع تقديم خطاب يتماشى مع تطورات الأوضاع الحالية، وتحوي رموزا يراها كثيرون محروقة سياسيا.
وسوف يكون من الصعب الاعتماد عليها للحصول على نتيجة جيدة ما لم تقدم رؤى تتناسب مع التحديات، كما أن مسؤولية الحوار يجب أن تتضمن إتاحة الفرصة أمام كوادر شبابية واعية قادرة على مخاطبة الشارع.