عودة بلحاج تسلط الضوء على سيطرة "تيار المفتي" على طرابلس

طرابلس- تسلط عودة رئيس حزب الوطن والأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج إلى طرابلس بعد أربع سنوات الضوء على تمكن تيار الإسلام السياسي الأكثر تشددا -والذي يشار إليه أحيانا بتيار المفتي، نسبة إلى المفتي المعزول من البرلمان الصادق الغرياني- من السيطرة مجددا على العاصمة طرابلس، وهو ما يعني عودة هذا التيار إلى الواجهة مقابل تواري الإخوان المسلمين وممثلهم حزب العدالة والبناء.
وخسر هذا التيار نفوذه في طرابلس ومدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري المهم غرب ليبيا، بعد وصول حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في أبريل 2016 إلى العاصمة وإزاحة حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل التي رفضت تسليم السلطة.
وانقسم تيار الإسلام السياسي حينئذ، بعد أن ظل متحدا منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي وزاد تماسكه خلال عملية “فجر ليبيا” حيث سيطرت المجموعات المسلحة الموالية له على العاصمة وتم طرد البرلمان وحكومة عبدالله الثني إلى المنطقة الشرقية.
وبعد أشهر من تولي حكومة الوفاق السلطة اندلعت اشتباكات بين كتائب مؤيدة لها ومحسوبة على الإخوان وكتائب مؤيدة لحكومة الإنقاذ ومحسوبة على التيار المتشدد، وهو ما مثل أول صدام بين التيارين منذ سقوط القذافي.
وانتهت الاشتباكات بهزيمة المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الإنقاذ التي انسحبت إلى مصراتة لتعود في ما بعد إلى طرابلس عقب الهجوم الذي شنه قائد الجيش المشير خليفة حفتر على العاصمة في أبريل 2019.
وقال مراقبون حينئذ إن سبب التوتر بين التيارين هو قبول الإخوان بحفتر كجزء من التسوية السياسية تحت ضغوط دولية وإقليمية لإنهاء الانقسام، وهو ما يرفضه تيار المفتي.
وعقب ذلك تزايد نفوذ الإخوان الذين دخلوا في تحالف غير معلن مع فايز السراج مقابل تراجع التيار المتشدد، وتم تعيين فتحي باشاغا المحسوب على حزب العدالة والبناء وزيرا للداخلية وسط أنباء عن تسوية قريبة مع حفتر.
وترأس بلحاج المجلس العسكري لطرابلس -بعد سقوط العاصمة في يد الثوار- في أغسطس 2011، وتولى تأمينها بعد انهيار نظام القذافي.
وأسس بلحاج حزب الوطن (إسلامي) في نوفمبر 2011، قبل أن يتخلى عن رئاسة المجلس العسكري لطرابلس في مايو 2012 ويتفرغ للعمل السياسي.
إلا أن متابعين يعتقدون أن تأثيره السياسي على كتائب مسلحة بطرابلس بقي مستمرا، وهي التي لعبت دورا في منع الجيش من دخول العاصمة، ضمن تحالف “فجر ليبيا” (2014 – 2015).
كما ساهم بلحاج في دعم عملية “بركان الغضب” من أجل التصدي لهجوم الجيش على طرابلس (2019 – 2020)، عبر توفير العتاد العسكري عن طريق أشخاص تابعين له.
وعام 2017 غادر بلحاج طرابلس بسبب خلاف مع مجموعات مسلحة تدين بالولاء لحكومة الوفاق الوطني، إثر معارضة قناة “النبأ” التابعة له لسياسات حكومة الوفاق وقربها من حكومة الإنقاذ الوطني (2014 – 2016) المنافسة للأولى في طرابلس.
وفي مارس 2017 هاجمت مجموعة مسلحة غير معروفة مقر قناة “النبأ” في منطقة زناتة بطرابلس (بالقرب من منزل بلحاج) وحرقه بالكامل.
وكان يدير القناة حينها وليد اللافي الذي يشغل حاليا منصب وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الوحدة.
وفي أبريل من نفس العام استأنفت قناة “النبأ” بثها من إسطنبول، لتوقف العمل في يناير 2019 على خلفية أزمة مالية تعرضت لها.
وتتزامن عودة بلحاج إلى ليبيا مع انقسام سياسي بين حكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، وتحذيرات من عدة أطراف داخلية ودولية من وقوع صدام عسكري بين قوات الطرفين.
وتعاني ليبيا من حالة انقسام سياسي منذ أن منح مجلس النواب، مطلع مارس الماضي، الثقة لفتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة، فيما يرفض رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي وفق برلمان جديد منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي.
وأثارت عودة بلحاج -الصادرة في حقه مذكرة إيقاف من النائب العام الأسبوع الماضي- التساؤلات خاصة وأنها جاءت في ظل الانقسام.
ورد بلحاج الثلاثاء عن هذه التساؤلات بالقول “عدت إلى طرابلس تلبية لدعوات متكررة من كافة الأطراف والقوى الوطنية داخل العاصمة ومناطق أخرى”.
وتابع “لن أتوانى عن المشاركة في جهود منع الاقتتال بين الليبيين، وأدعو الجميع لأن يكون الحوار السبيل الوحيد للعبور إلى المرحلة القادمة وإجراء انتخابات نزيهة بقوانين عادلة وتوافقية”.
وبشأن المجموعات المسلحة قال بلحاج “قادة المجموعات المسلحة والأجهزة الأمنية بطرابلس جميعهم ملتزمون بحماية العملية السياسية وألا يتورطوا في حرب تهدد الليبيين وتنهي فرص إنقاذ البلاد”.
وأعلن دعمه “لمسار الحوار بينهم من أجل حماية طرابلس ومنع انزلاقها إلى الفوضى أو الحرب”، وشدد على أن “الانقسام الحادث بين المجموعات المسلحة في طرابلس يحتاج إلى شخصية توافقية تكون قادرة على قيادة الحوار بينها”.