الميليشيات في ليبيا تنأى بنفسها عن الصراع المتفاقم بين باشاغا والدبيبة

ليبيا تشهد أزمة سياسية جديدة على خلفية رفض الدبيبة تسليم صلاحياته لحكومة باشاغا.
السبت 2022/04/23
الحداد للدبيبة: نرفض جرنا إلى حرب أخرى

طرابلس - تحاول الميليشيات المنتشرة في ليبيا، النأي بنفسها عن الأزمة الدائرة بين رئيس الوزراء المعترف به دوليا عبدالحميد الدبيبة، ورئيس حكومة الاستقرار المشكلة حديثا فتحي باشاغا، حيث لا تريد هذه الميليشيات تكرار المواجهات السابقة وأن تكون وقودا في حرب جديدة لا يمكن التكهن بمآلاتها.

وتشهد ليبيا أزمة سياسية جديدة على خلفية رفض الدبيبة تسليم صلاحياته لحكومة باشاغا التي سبق وأن نالت ثقة البرلمان الليبي في طبرق شرق البلاد، الشهر الماضي.

وتوجه رئيس أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، خلال اجتماع لمجلس الوزراء بطرابلس، بالقول للدبيبة “نرفض جرنا لحرب أخرى.. الحرب لن تقوم”، في موقف يتقاطع مع مواقف قادة الميليشيات بالمنطقة الغربية.

مختار الجحاوي: ندعو باشاغا والدبيبة إلى أن يبقى الصراع سياسيا

وتأتي تصريحات الحداد بعد بيان مصور، طالب فيه قائد شعبة الاحتياط في ما يسمى قوة مكافحة الإرهاب بمصراتة مختار الجحاوي، باسم “القادة الميدانيين” باشاغا والدبيبة بأن يبقى الصراع سياسيا.

وكان الجحاوي إلى وقت قريب من المحسوبين على الدبيبة، بينما محمد الحصان القائد الميداني في كتيبة 166 بمصراتة من الموالين لباشاغا، وكلاهما كانا من بين من استقبلهم الأخير في إقامته بتونس مؤخرا إلى جانب عبدالسلام عليلش، وعدد من القادة الميدانيين الآخرين على غرار القائد الميداني من مدينة صبراتة عبدالله الخطابي، ورئيس مجلس الزنتان فتحي الغزيل.

وحاول باشاغا، من خلال استقباله لهؤلاء القادة فتح قنوات حوار معهم واستمالتهم لصفه، أو على الأقل ضمان حيادهم في صراعه مع الدبيبة، وتجلى ذلك من خلال ترحيبه ببيان القادة الميدانيين وتحميله حكومة الدبيبة مسؤولية أي انزلاق.

ويرى مراقبون أن عدة اعتبارات تقف خلف تحفظ الميليشيات الليبية عن الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، من بينها الخشية من استنزاف جديد في حرب مواقع لا تصب في صالحهم، فضلا عن الموقف الدولي غير الواضح حيال الوضع الجديد.

وانضمت كتيبة النواصي في طرابلس بقيادة مصطفى قدور، إلى المحذرين للدبيبة وباشاغا من الدخول في صراع عسكري، وقالت في بيان إن الصراع السياسي بين الحكومتين يكاد يتحول إلى صدام مسلح، ودعت كل القوى الأمنية “إلى التزام الحياد وعدم الانجرار خلف أي دعوة لزعزعة الاستقرار”.

وتعكس هذه التحذيرات المتتالية من إمكانية وقوع صدام مسلح بين الداعمين للدبيبة والموالين لباشاغا، تصاعد التوتر بين الفريقين.

وآخر تجليات هذا التصاعد للصراع، إغلاق موالين لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، الداعم لحكومة باشاغا، لميناءي الزويتينة والبريقة النفطيين (شرق) وكذلك حقلي الشرارة والفيل النفطيين (جنوب)، ما تسبب في تراجع إنتاج البلاد النفطي من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 550 ألف برميل يوميا، بحسب المؤسسة الليبية للنفط.

وليس من المستبعد أن يغلق الموالون للمشير حفتر، الموانئ النفطية الأخرى الخاضعة لسيطرته، والمتمثلة في: السدرة، وراس لانوف (شمال وسط)، والحريقة بمدينة طبرق (أقصى الشرق)، بالإضافة إلى الحقول النفطية في المنطقة الشرقية، للضغط على الدبيبة للتنازل عن السلطة لباشاغا.

باشاغا يحاول استمالة قادة الميليشيات إلى صفه
باشاغا يحاول استمالة قادة الميليشيات إلى صفه

ويسيطر الجيش الليبي على معظم الحقول والموانئ النفطية في البلاد، ما يهدد بتقليص صادرات النفط إلى مستويات ضئيلة، وسيؤثر ذلك سلبا على اقتصاد البلاد، الذي يكاد يكون السلعة الوحيدة التي تصدرها البلاد.

ويتزامن التصعيد على مستوى النفط، مع تعثر محاولة باشاغا دخول طرابلس، واضطراره لعقد أول اجتماع لحكومته في مدينة سبها عاصمة إقليم فزان (جنوب).

ويمثل استعمال المشير حفتر وحلفائه سلاح النفط محاولة لتكرار نفس التجربة مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج (2016-2021) والتي انتهت بتسليمها السلطة إلى حكومة الوحدة.

ويدرك الدبيبة خطورة هذه الخطوة على المدى القريب والمتوسط، لأنها قد تضعف سيطرته على الجيش والكتائب الأمنية وتؤلب الرأي العام ضده، وقد تخرج الناس إلى الشارع مثلما حدث في صائفة 2020.

لذلك هدد الدبيبة خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر “باتخاذ خطوات رادعة تجاه العبث الحاصل في ثروات الشعب الليبي”، دون أن يوضح كيف سيردع الأطراف التي أغلقت النفط، حيث سبق لحكومات سابقة أن أخفقت في السيطرة على الموانئ والحقول النفطية حتى بعدما استعملت القوة المسلحة.

وبعد اجتماع مجلس الوزراء لحكومة الوحدة “بحضور رئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس الأركان العامة، ورئيس جهاز حرس المنشآت النفطية”، لبحث “مشكلة الإغلاقات النفطية”، خفت لهجة تهديدات الدبيبة بردع العابثين بالنفط الليبي.

واكتفى رئيس حكومة الوحدة بمطالبة “النائب العام رسميا بفتح تحقيق في كل من تورط في هذه العملية (إغلاق النفط)”، وتوجيه الأجهزة الأمنية والعسكرية لاتخاذ كافة الإجراءات “الممكنة” للتعامل معها.

استعمال المشير حفتر وحلفائه سلاح النفط يمثل محاولة لتكرار نفس التجربة مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج والتي انتهت بتسليمها السلطة إلى حكومة الوحدة

كلمة رئيس الأركان، خلال الاجتماع عن رفض “جرنا لحرب أخرى”، والنأي بالنفس “عن كل هذه التجاذبات وفرض الأمر الواقع”، و”لن نسمح باستغلال المؤسسة العسكرية لتحقيق مشاريع (الوصول إلى السلطة)”، ألغت وعيد “ردع العابثين”، ودفعت بخيار “فتح تحقيق”. إذ أن ردع “الأعيان” من غلق النفط، لا يمكن إلا عبر إرسال قوات أمنية وعسكرية، وهذا من شأنه الدخول في مواجهات مسلحة، وإعادة البلاد إلى الحرب.

وحاول الدبيبة في الفيديو المصور الذي بثته قنوات محلية، مقاطعة كلمة رئيس الأركان، الذي أنهى مداخلته بالقول “أشكرك سيدي الرئيس لأنك جلبت لنا الاستقرار والهدوء، ولكن لن نسمح بأن يتم التلاعب بأي عسكري”.

في المقابل شدد الدبيبة في الاجتماع، على أن حكومة الوحدة “مستمرة في عملها إلى حين التسليم إلى حكومة منبثقة عن سلطة شرعية منتخبة”، في إشارة إلى رفضه تسليم السلطة لحكومة باشاغا.

وكان ملاحظا مرافقة رئيس الأركان للدبيبة في زيارته إلى الجزائر رفقة رئيس الأركان، ورئيس جهاز المخابرات، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، رغم إعلانه أن المباحثات مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تناولت ملفات سياسية واقتصادية.

ويشي وجود الوفد العسكري والأمني برفقة الدبيبة، أن ملفات أمنية تم التطرق لها خلال هذه الزيارة، خاصة في ظل سعي الدبيبة إلى موازنة الموقف المصري الداعم للدبيبة بالموقف الجزائري، مع إمكانية أن يلعب تبون دورا في إقناع روسيا بسحب اعترافها بحكومة باشاغا.

ورغم اشتداد الضغوط على حكومة الدبيبة، ومع ذلك ما زالت متماسكة وقادرة على الاستمرار، في حين يصر باشاغا على دخول طرابلس واستلام السلطة سلميا، عبر التواصل مع القادة الميدانيين، الذين أرهقتهم 11 سنة من الحروب. لكن فشل مهمة باشاغا إلى حد الآن، تهدد بتحويل حكومته إلى حكومة موازية غير معترف بها دوليا.

4