ناشطون فلسطينيون يقاومون إسرائيل خارج إطار الفصائل التقليدية

الهجمات التي نفذها فلسطينيون مؤخرا ضد أهداف إسرائيلية باتت تشكل رمزا ملهما للعديد من الشبان الفلسطينيين.
الجمعة 2022/04/22
التحرك بمبادرة وتخطيط فرديين

رام الله - أمام محل للألبسة في وسط مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، تتجمّع نساء لشراء قمصان قطنية طبعت عليها صورة رشاش “أم 16” بناء على طلب أبنائهن، ويلقى القميص رواجا منذ نفذ فلسطينيون في الشهر الماضي هجمات ضد إسرائيليين برشاشات “أم 16”.

وأظهرت الهجمات الأخيرة الدامية التي استهدفت خلال الأسابيع الماضية إسرائيليين تغييرا في أسلوب الناشطين الفلسطينيين الذين باتوا يتحركون بمبادرة وتخطيط فرديين، لا ضمن إطار الفصائل المسلحة العقائدية التي تنتشر في الضفة الغربية.

وانتشرت القمصان المطبوعة عليها صورة الرشاش الأوتوماتيكي بألوان مختلفة في السوق الفلسطينية خلال الشهرين الأخيرين، أي منذ بدء التوترات الأخيرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي قتل خلالها 14 إسرائيليا و23 فلسطينيا، عدد منهم من منفذي الهجمات.

ويقول أحمد أبوحمزة (40 عاما)، صاحب محل تجاري يبيع هذه القمصان، “الإقبال على هذا النوع من الألبسة رهيب، وأعتقد أن السبب هو الأوضاع الأخيرة في فلسطين، وتحديدا في جنين”.

إياد البرغوثي: منفذو العمليات يخطفون الإعجاب من الفصائل والأحزاب

ويباع القميص المستورد من تركيا والمطبوع في الأراضي الفلسطينية بحوالي 2.5 دولار للقياس الصغير، وحوالي عشرة دولارات للقياس الكبير.

ويشير أبوحمزة إلى أنه باع خلال عشرة أيام حوالي 12000 قطعة من القمصان أو السراويل المطبوعة أيضا، وأنه طلب 12 ألف قطعة جديدة “بسبب الإقبال الهائل عليها”.

ويقول أكاديميون وسياسيون فلسطينيون وإسرائيليون إن الهجمات التي نفذها فلسطينيون مؤخرا ضد أهداف إسرائيلية، مستخدمين في بعضها سلاح “أم 16”، “باتت تشكل رمزا ملهما للعديد من الشبان الفلسطينيين وتعزز رغبتهم في الاقتداء بالمنفذين والاتجاه نحو العمل الفردي بعيدا عن الأحزاب”.

ونفذ فلسطينيون منذ الأول من مارس الماضي هجمات داخل إسرائيل أودت بحياة 14 إسرائيليا.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام شريط فيديو لأحد المهاجمين يدعى ضياء حمارشة، وهو يتنقّل في ضاحية بني براك قرب تل أبيب في أواخر مارس، ويطلق النار من رشاش “أم 16”، ما أدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وأوكرانيين اثنين.

ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي إياد البرغوثي “حينما يطلب طفل شراء هذا النوع من القمصان، فهو يعبّر عن مدى العنف الذي وصل إليه احتجاجا على ما يعيشه، ويحاول تقليد مشهد أثّر فيه”.

وبحسب البرغوثي، الذي يرأس “الشبكة العربية للتسامح”، “لم تعد الفصائل والأحزاب رمزا للشباب، الإعجاب يخطفه منفذو العمليات”.

كما يقر أستاذ علم الاجتماع المحاضر في جامعة بيرزيت بدر الأعرج بأن معظم الهجمات والعمليات التي نفذها فلسطينيون “تمت بشكل فردي”، مشيرا إلى أن دوافعها “ظروف اجتماعية، كالبطالة وغياب
الأمل وتنامي الإحباط، ومنها دوافع دينية، لذلك ترتفع وتيرتها في شهر رمضان”.

القمصان المطبوعة عليها صورة الرشاش الأوتوماتيكي انتشرت في السوق الفلسطينية خلال الشهرين الأخيرين، أي منذ بدء التوترات الأخيرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي

ونال الأعرج شهادة الدكتوراه من جامعة تورنتو الكندية على أساس أطروحة موضوعها “العمليات الانتحارية” التي نفذها فلسطينيون داخل إسرائيل في الفترة ما بين 2000 و2005. وخلص الأعرج في بحثه إلى أنه في تلك الفترة نفّذ فلسطينيون 173 عملية انتحارية.

ويقول الأعرج “أكد لي أكثر من 40 قياديا التقيت بهم حينذاك من مختلف الفصائل، أن عدد الذين استعدوا لتنفيذ عمليات انتحارية فاق عدد الأحزمة الناسفة الموجودة لدى الفصائل والأحزاب”.

ويتابع “اليوم تغيّر الأسلوب، ومن الواضح أن الفردانية هي التي تقود”. ويضيف “حسب استطلاعات الرأي، فإن 1 في المئة فقط من الجيل الجديد ينتمون إلى الأحزاب السياسية”.

ويقرّ الأعرج باحتمال أن تكون هناك “علاقة ما” للأحزاب ببعض العمليات، “ولأسباب تكتيكية لا تعلن مسؤوليتها”.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب “هذه العمليات فردية، ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية متقاطعة”.

ويشير إلى أن هذه النوعية من العمليات “لا يمكن أن نتوقع فيها المنفذين، خصوصا في ظل ضعف الأحزاب السياسية وغياب القرار الحزبي (الذي يقضي) بالمواجهة”.

ويؤكد الخبير الأمني الإسرائيلي مايكل ميليشتين أن الهجمات التي ينفذها فلسطينيون شباب مؤخرا “تتمّ دون إطار تنظيمي ودون أيديولوجيا عميقة، ولا تواجه إسرائيل أيّ تحدّ مؤسساتي، على الأقل حتى الآن”.

ويقول ميليشتين، الذي رأس وحدة شؤون الفلسطينيين في الجيش الإسرائيلي حتى العام 2018، إن الشباب “سئموا الرقص البطيء والأيديولوجيات والسياسة العليا، ويريدون حقًا التعبير عن أنفسهم، ويريدون تعزيز الجهود الفردية، ويجدون طريقة للقيام بذلك عن طريق تنفيذ تلك الهجمات”.

ويضيف ميليشتين المتخصص في دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب “يفترض أن تكون إسرائيل قلقة للغاية بشأن تلك الهجمات، لأنه من الصعب للغاية على المؤسسات والخلايا المنظمة كشف نوايا المهاجمين الفرديين”، مشيرا إلى “الحاجة إلى معلومات استخباراتية أكثر تعقيدًا” لكشفها.

وبحسب ميليشتين لا يجب أن يكون الحل الإسرائيلي لمواجهة هذا التوجه لدى الفلسطينيين الشباب “مقتصرا على الأمن والاستخبارات، بل هناك حاجة إلى جهود اجتماعية واقتصادية وبنية تحتية”.

2