إعارة الكتب.. الخارج مفقود والعائد مولود

من منا لم يخسر كتبا من مكتبته بسبب إقراضها لأحدهم، ومن منا نسي أو تناسى أن يعيد كتابا اقترضه من صديق أو مكتبة ما، وظل عنده دون أن يعيده، الظاهرة تتجاوز الجانب الأخلاقي لتدخل في ما يشبه العادات الثقافية رغم أنها من العادات السيئة والتي تتطلب إعادة تصحيح وإعادة تفكير في طرق تلافيها بتغيير النظرة إلى الكتاب الذي ليس أداة ترفيه ثانوية، ومن خلال تفنيد الأمثلة الدارجة التي تشجع على الاستحواذ على الكتب وهو ما سنراه مع عدد من الكتاب والقراء في المغرب.
الرباط- إن اعتبار الكتاب أداة ترفيه أو أداة تعلم أو حتى أداة زينة لا قيمة مادية له، يشجع على الاستحواذ على الكتب التي يقترضها أحدهم فلا يعيدها، على اعتبار أنها ليست ملكية خاصة ولا هي ذات قيمة مادية، ما يبرر الاستحواذ عليها، دون مراعاة لصاحبها الأصلي الذي بدوره قد ينسى أمرها.
تشجع على الاستحواذ على الكتب الخاصة وحتى الكتب العمومية في المكتبات، مقولات خاطئة تجذرت في الوعي الثقافي العربي من أنه “أحمق من يعيد الكتاب وأحمق من يقرضه”، والتي صارت مع تغييرات طفيفة في صيغتها هنا وهناك، المثل الأبرز في التعامل مع اقتراض الكتب، والحقيقة المزيفة التي اقتنع بها الكثيرون وأصبحت من باب التندر، ما يجعل من فعل الاستحواذ فعلا طريفا، بينما هو العكس من ذلك تماما. فكم منا خسر كتبا اقتناها بجهد أو كتبا يحبها وله علاقة شخصية معها من مكتبته؟ خسارة يبدو أنها لن تعوض. لكن يبدو أن الظاهرة لا تتوقف بل تتوسع كما سنرى في آراء عدد من القراء والمثقفين والكتاب المغاربة.
الكتاب المفقود
◙ المكتبات التي نعمرها بجهد بالكتب نجدها تفرغ شيئا فشيئا لا لشيء سوى لأننا في كل مرة نعير أحد كتبنا
“أحمق من يعير كتابه وأحمق من يرده”، بهذه العبارة المأثورة أجاب طارق أستاذ مادة الفلسفة بالسلك الثانوي التأهيلي عن سؤال حول قضية الكتب التي يعيرها أصحابها لأصدقائهم أو أحد أقربائهم دون أن تعود إليهم.
طارق الذي وقع مرارا “ضحية” لما بات يسميهم “بصائدي الكتب”، ليس سوى واحد من كثيرين بذلوا جهدهم لتأثيث خزاناتهم المنزلية بما يروق لهم من كتب علمية ومؤلفات أدبية، قبل أن يجدوها تفرغ شيئا فشيئا لا لشيء سوى لأنهم في كل مرة يعيرون أحد كتبهم لا ترجع إليهم إلا في ما ندر وبعد إلحاح طويل منه.
يتذكر طارق كيف اقتنى قبل بضع سنوات 15 رواية من سلسلة روايات الجيب لكتاب مغاربة وأجانب، لم يتمكن من مطالعتها جميعها، ببساطة لأنه وزع عددا منها على تلاميذه في إطار مبادرة شخصية للتحفيز على القراءة، لكن عددا منهم لم يعدها إليه.
“يحدث أن ألتقي واحدا من تلاميذي القدامى وقد التحقوا بالجامعة فلا يجد غضاضة في تذكيري بأنه مازال يحتفظ برواية لإدريس الشرايبي”، يقول طارق، مضيفا بغير قليل من السخرية “يقول لي إنه يتذكرني في كل مرة تقع عيناه عليها وأنه سيعيدها لي قريبا، بينما أرد بأنها حلال عليه”.
ولم يسلم عبدالله، وهو موظف في القطاع العام، وخطيب جمعة، من تراجع عدد الكتب في خزانته بسبب قضية الإعارة هذه.
المكتبة معمار
يقول عبدالله، وهو خريج دراسات إسلامية، إنه ظل لمدة طويلة من الزمن يراكم جمع الكتب في تخصص العلوم الشرعية، ولم يكن يبخل بها على من يطلبونها منه بغرض اعتمادها مرجعا في واجب منزلي أو بحث للتخرج أو حتى رغبة في تزجية الوقت، لكنه أيضا لم يكن يتمكن من استرجاعها بسهولة.
“أنا على وعي تام بأن كل كتاب أعيره هو مشروع كتاب مفقود”، يقول عبدالله في تصريح مماثل، قبل أن يستدرك “شيء واحد يمنعني من رفض إعارة الكتب وهو حرمة كتم العلم”.
ويستظهر عبدالله في هذا الصدد بيتين يقول فيهما الشاعر “إذا استعرت كتابي وانتفعت به/ فاحذر وقيت الردى من أن تغيره/ واردده لي سالما إني شغفت به/ لولا مخافة كتم العلم لم تره”.
يقول إنه درج على كتابة هذين البيتين في الصفحة الأولى لكتبه مرفوقة باسمه، أو عبارات أخرى من قبيل الآية الكريمة “وردوا الأمانات إلى أهلها”، لعل من يستعيرها منه يقرأها يعيدها إليه يوما ما.
المكتبة الشخصية هي معمار يبنيه صاحبها على مهل وكلما نقص منه كتاب نقص حجر حتى يتداعى وينهار
وفي ما يبدو أنها ظاهرة شائعة، يحكي الكاتب الروائي محمد البوعبيدي تجربته مع إعارة الكتب، إذ يقول إنه لم يكن يجرؤ على منع أي صديق له راقته كتب في خزانته من استعارتها، والحماس يحدوه لقراءتها كلها، “إلا أن الحقيقة هي أنه لن يقرأ إلا واحدا في مدة ربما تطول، ثم تنطفئ شعلته تلك، وتبقى الكتب الأخرى عرضة للضياع فلا يرجعها”. ويضيف البوعبيدي في تصريح له “لمثل هذه الأسباب فقدت الكثير من كتبي، وقررت ألا أعيرها مرة أخرى”.
وحسب البوعبيدي “مكتبتي الشخصية، بالنسبة إلي، هي معمار أبنيه على مهل، وكلما نقص منه كتاب، نقص حجر، حتى يتداعى وينهار، خصوصا إذا استعار أحدهم واحدا من أمهات الكتب من ذوات الأجزاء المتعددة”. وخلص البوعبيدي إلى القول إن “من أراد كتابا، يخبرني بعنوانه، وأنا أقتني له نسخة منه، لكنني لا أعيره”.