هيئة الأدب والنشر والترجمة تدرب أطفال السعودية على الكوميكس

القطيف (السعودية) - اختتمت هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية أخيرا ورشة “طريق النص إلى الكوميكس”، التي أقيمت بمحافظة القطيف على مدى أربعة أيام، واستهدفت الفئة العمرية بين 9 و15 سنة، وقدمتها المدربة هاجر التاروتي.
وناقشت الورشة مجموعة من المحاور النظرية والعملية منها شرح “فن الكوميكس” والتعرف على تاريخ صناعته، ومميزات النص القصصي المعد للكوميكس، وكيفية تحويل النص إلى سيناريو، إضافة إلى تفاصيل السيناريو ووصف الشخصيات، وفي الأخير فن تحويل النص إلى صوت وحوار ومشاعر.
وتأتي هذه الورشة لتصحيح الصورة الذهنية عن فن الكوميكس التي يحيطها الكثير من المغالطات؛ فالكثيرون يعتبرونه فنا هزليا مضحكا، كما أن هناك الكثير من الخلط بينه وبين الكاريكاتير المعتمد بشكل أساسي على السخرية غير أن الكوميكس يتناول قصة في عدد من الصور ليس هدفها السخرية بشكل أساسي، فضلا عن أنه ليس بالضرورة موجها إلى جمهور الأطفال فقط، رغم أن جمهوره الأوسع هو من الشباب والأطفال بدرجة أساسية.
الورشة تركز على الأهمية الثقافية لفن الكوميكس وتعلم الأطفال أبجديات هذا الفن المتشابك مع الفنون الأخرى
الأشرطة المرسومة في عيون عشاقها فنّ قائم بذاته، يطلقون عليه لقب “الفن التاسع”، بالرغم من عدم الإقرار بالتلفزيون فنّا ثامنا، واعتباره تابعا للسينما. ويزعمون أن جذوره تعود إلى العصور القديمة، ويضربون أمثلة على ذلك برسوم المعابد الفرعونية، ودساتير الأدوية لدى شعوب المايا المعروفة، وأفاريز البنتيون بأثينا، ومسلّة تراجان بروما، والنقوش السفلى لمعبد أنكور بكمبوديا… وكلها لوحات تقوم على تعاقب صور أو نقوش تروي حكاية.
بيد أن مؤرخي الفنون لا يجدون في البعد السردي لتلك الأعمال ما يفرد لها موقعا داخل الفنون البصرية، والأرجح في رأيهم أن البداية الفعلية كانت في أواخر القرن التاسع عشر، عام 1896 تحديدا، مع ظهور شريط “الطفل الأصفر” بـ”تروث مغازين” في الولايات المتحدة، وإن اختلفوا في تعريفه، فهو في نظر رودولف توبفر، مبتدع الأشرطة المرسومة، أدب في شكل لوحات مرسومة، وفي نظر ويل إيزنر فن تعاقبي أو سرد مرئي، وقد استقر الرأي اليوم على أنه مجموعة من رسوم متعاقبة مشفوعة بنص سردي حواري في أغلبه، يخدم أحدهما الآخر، حيث لا يفهم النص إلا بالرسم، ولا يفهم الرسم بغير النص.
وعربيا شهد الكوميكس بداية حقيقية في القرن التاسع عشر؛ إذ تم إنشاء عدد من المجلات التي كان لها طابع إرشادي وتعليمي، خاصة في مصر مثل مجلة “روضة المدارس” التي أسسها علي مبارك، ومجلة “المدرسة” التي أصدرها الزعيم المصري مصطفى كامل، وحافظت مجلات الكوميكس في تلك الفترة على طابعها الإرشادي والتعليمي وعلى جمهورها من طلاب المدارس.
لكن رغم مرور عقود على التأسيس وانتشار فن الكوميكس عربيا فإنه ما زال يحتاج إلى توعية ودعم واهتمام جاد لكي يتحول لصناعة متكاملة. وذلك لا يتم فقط لدعم الفنانين ولكن لدعم أيضا مواقع الكوميكس والناشرين المهتمين في المنطقة والفعاليات الخاصة بهذا الفن، وخاصة تحفيز الأجيال الجديدة على الدخول إلى هذا الفن والتعرف على تفاصيله وهو ما يؤدي وظيفة ثقافية وتعليمية وتنويرية هامة، من خلال صقل مواهب الأطفال والدخول به إلى عوالم هذا الفن المتشعبة.
ويعد الكوميكس أقرب الفنون إلى السينما، فكلاهما يشترك في سيولة الزمن والتقطيع الفني والقصة والحوار وحتى الموسيقى والمؤثرات البصرية التي يتم التعبير عنها من خلال رسم العلامات الموسيقية.
ومنذ ثلاثينات القرن الماضي يحتل هذا الفن مكانا خاصا لدى القراء الشباب والأطفال وذلك لعدة أسباب أهمها متعة القراءة ومشاهدة الصور المرسومة والمعبرة عن الحدث بالإضافة إلى المؤثرات الخاصة التي أصبحت لغة تشكيلية بحد ذاتها، كما يمكن مشاهدة كتاب الكوميكس وقراءته في أماكن مختلفة كوسائل المواصلات أو خلال السفر، ويمكن الاحتفاظ بالكتاب وإعادة قراءته واكتشاف تفاصيل جديدة لم يكن اكتشافها سهلا في السابق.
من خلال التجربة، تعتبر كتب الكوميكس إحدى وسائل المعرفة الحديثة والممتعة في آن واحد من حيث التشويق الأدبي والبصري.
وللبدء في تلقين الأطفال هذا الفن من جذوره بينت المدربة التاروتي أن الورشة قسمت إلى أربع مراحل، أولاها كانت للتعرف على تاريخ صناعة الكوميكس، ومقومات النص القصصي الذي من خلاله يتم تحويلها إلى كوميكس وما يحتويه من عناصر التشويق والمفاجأة وقيمته في النص، فيما تناولت المرحلة الثانية كيفية صناعة النص من خلال تقديم أفكار ووضع تصورات عليها.
وخصصت المرحلة الثالثة لصناعة السيناريو، من خلال تحويل النص السردي إلى سيناريو مكتوب يشرح تقسيم الصفحة وتوزيع الرسومات فيها، وتوضيح المشاعر والانفعالات، وهي أشبه بتحويل قصة إلى سيناريو فيلم سينمائي، وتتيح للمؤلف إذا لم يكن رساما وضع كافة التفاصيل والشروحات لمساعدة من سيتولى رسم القصة، وذلك من خلال وضع تصور لتصميم شكل الصفحة، وذلك بعد التعرف على آلية التقسيم التي لا تتعب القارئ في البحث عن الطريقة الصحيحة لتناول الحكاية المصورة، فيما تمثلت المرحلة الرابعة والأخيرة في رسم القصة بشكلها النهائي.
ويذكر أن ورشة “طريق النص إلى الكوميكس” تأتي ضمن سلسلة ورش متنوعة تقدمها هيئة الأدب والنشر والترجمة ضمن مسابقة “بابا طاهر” الهادفة لدعم إنتاج المحتوى الأدبي الخاص بالأطفال واليافعين.