إستر شطّاح

ما يجري اليوم في فلسطين يضطر العازفين عن السياسة إلى الخوض فيها، وقول ما يستطيعون في إدانة وذم العنف الأصولي اليهودي الذي صنعه ويحميه ويمارسه المحتلون المتطرفون، سواء كانت هناك أو لم تكن، ردود أفعال فلسطينية. فهؤلاء تركوا مجالات العمل التي في الدنيا كلها، وركزوا على المسجد الأقصى، وكأن إنجازاتهم في العلوم والصناعة والحرب لن تكتمل وتكون مرضية إلا بعمل مجنون يحقق لهؤلاء القوم انبعاثاً لأسطورة ما يُسمى “الهيكل” بينما لا يعلم أحدٌ موضع هذا الهيكل في الزمن الغابر، ولا على أي أمتار قام إن كان موجوداً حقاً!
هؤلاء يمثلون صنفاً من الأصوليين الذاهبين بأنفسهم وبأصدقائهم وأعدائهم إلى شقاء مديد، مع إحراج الذين عاندوا كل الحقائق وأحسنوا الظن بهم وتقبلوا من يحكمونهم!
☚ ما جرى يذكرنا بشخصية تمثيلية لعبتها في مسارح مصر القديمة ثم في السينما سيدة يهودية سورية وفدت إلى مصر، وعُرفت باسم "إستر شطاح"
ما جرى يذكرنا بشخصية تمثيلية لعبتها في مسارح مصر القديمة ثم في السينما سيدة يهودية سورية وفدت إلى مصر، وعُرفت باسم “إستر شطاح”. فقد كانت إستر تلك سيدة مكافحة وذكية، اشتغلت في المسرح بعد ممارستها للعديد من الأعمال البسيطة طلباً للرزق، من بينها “التريكو” وشغل الإبرة والبيع في محال الملابس. وقيل إن اسمها الحقيقي “طيرة موسى شطاح” كان والدها قد تعرض للإفلاس التجاري، ولما كانت الطائفة اليهودية في سوريا تمنع بناتها من العمل؛ سافرت إلى مصر واشتغلت في الأعمال اليدوية، قبل أن تلتحق بالعمل المسرحي. وعلى الرغم من كثرة اليهود واليهوديات الذين واللائي عملوا وعملن في مجال الفن في مصر، ولعبوا أدواراً طبيعية ومحببة؛ فإن إستر لم يكن تأهيلها للمسرح يزيد عن كونها امرأة لازمة لأداء دور الأنثى، حيثما يصعب على الأسر المسلمة أن توفر للمسرح ممثلات يلعبن أدواراً نسائية. لذا كان طبيعياً أن يحدد مالكو الفرق المسرحية لإستر أدوارها الشريرة، متأثرين – ربما – بما عرف في الآداب الأوروبية عن الشخصية اليهودية!
لم تكن إستر في موضع القدرة على اختيار أدوارها، فتختار الحميد منها، لاسيما وأنها دخلت مجال الفن وهي في سن الثالثة والخمسين. فمن يخترن الأدوار، الفتيات الفاتنات، وإحداهن كانت “كاميليا” عميلة الموساد، التي سعى إلى رضاها – مع السينما – ملك البلاد وحزن عندما ماتت في تحطم طائرة. وكذلك راقية إبراهيم موظفة الموساد التي شاركت في اغتيال العالمة الفيزيائية المصرية سميرة موسى، قبل أن تتأهل – في منظار الصهيونية – لتصبح “سفيرة إسرائيل للنوايا الحسنة”!
على الرغم من ذلك، ظلت إستر تلعب أدوار العجوز اللئيمة التي تسبب المشاكل للآخرين وتفتعل لهم الأذى. لكنها استطاعت في سياقها التمثيلي ذاك التأكيد على أهمية وجودها مع بساطة أدوارها، فتوسطت لمحمد عبدالوهاب، الموسيقار بعدئذ؛ للالتحاق بالمسرح. وبلغت من قوة الشكيمة أنها واجهت نجيب الريحاني ومسرحه، عندما لم يدفع لها راتبها، فقامت بالحجز القانوني على شباك التذاكر عن طريق المحكمة، ما دعا الفنان حسين رياض إلى أن يقول “صدق اللي قال يهودية”. فقد تناسى حسين رياض أن المسرح هو الذي أعطاها أدوار الشر، وقد أخذتها السينما بتلك الصفة للعب هذا الدور في فيلم “سَلّامة” مع المطربة أم كلثوم، أي القصة التي تحاكي سيرة المغنية الشهيرة سَلّامة في العصر الأموي.
شتّان بين الشر في التمثيل والشر في الواقع. فإستر شطّاح رفضت الالتحاق بدولة إسرائيل وظلت تمثل في مصر حتى العام 1971 وماتت في القاهرة، شأنها شأن الفنانة ليلى مراد وشقيقها الملحن منير وغيرهم..