الانفتاح السعودي يختبر مجددا نوايا الحكومة اللبنانية

الرياض تنتظر تطبيق التعهدات لا الاقتصار على الأقوال.
السبت 2022/04/09
خطوة لإعادة بناء الثقة

تفتح عودة السفير السعودي إلى لبنان الباب أمام مرحلة جديدة تنتظر منها الرياض أفعالا لا أقوالا. وسبق للحكومات اللبنانية المتعاقبة قطع تعهدات للرياض وعدم الإيفاء بها، إذ دأب الساسة اللبنانيون على النظر إلى المملكة على أنها مورد مالي كلما اشتدت أزماتهم، وهو ما لم يعد يتماشى مع السياسات الجديدة للرياض.

بيروت – يختبر الانفتاح السعودي – الخليجي على لبنان مجددا نوايا الحكومة اللبنانية التي تعهدت بإزالة كل المنغصات التي أدت إلى تأزم العلاقات، فيما يرى مراقبون في عودة السفير السعودي إلى بيروت بداية لمرحلة جديدة لبناء الثقة.

ويمهد الانفتاح السعودي لأرضية جديدة في لبنان، إلا أنّ وضوح الصورة بشكل أكبر يتطلب الانتظار بعض الوقت، لمعرفة معالم التوجهات الجديدة للمملكة التي غادرت انكفاءها مؤخرا، عبر تقديم الدعم الإنساني للجهات غير الحكومية اللبنانية.

وسيبدأ في وقت قريب عمل الصندوق السعودي – الفرنسي لدعم لبنان الذي تقرر في الاجتماع، الذي عُقد بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان مؤخرا، بعدما تبرعت المملكة بـ36 مليون دولار عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، وستصرف المساعدات للمؤسسات الإنسانية غير الرسمية.

وتقول مصادر سياسية لبنانية إن عودة الدعم السعودي إلى البنان، وحتى إن اقتصر حاليا على البعد الإنساني، يحمل إشارات إيجابية يجب البناء عليها من أجل أن تعود الرياض للعب دورها المعتاد والتاريخي في إنقاذ البلاد من شبح إفلاس بات يتهددها.

الانفتاح السعودي يمهد لأرضية جديدة في لبنان، إلا أنّ وضوح الصورة بشكل أكبر يتطلب الانتظار بعض الوقت

وأعلنت السعودية والكويت الخميس عودة سفيريهما إلى لبنان، في مؤشر على تحسن العلاقات التي وصلت إلى أدنى مستوى لها العام الماضي، عندما سحبت المملكة ودول خليجية أخرى السفراء.

وكانت السعودية ودول الخليج الثرية يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران.

وقالت وزارة الخارجية السعودية إن سفيرها عاد “استجابة لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان”، وبعد تصريحات لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي بخصوص إنهاء جميع الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تؤثر على السعودية وغيرها من دول الخليج.

وشدد البيان السعودي الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية على “أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي”.

وأصدرت وزارة الخارجية الكويتية بيانا مماثلا. وقال مكتب ميقاتي إن سفير الكويت سيعود قبل نهاية الأسبوع.

وقال ميقاتي في تغريدة على تويتر رحب فيها بالخطوة، إن لبنان “يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج”، واصفا إياها بأنها “كانت وستبقى السند والعضد”.

وزاد الصدع في علاقات لبنان مع دول الخليج من الصعوبات التي يواجهها، في الوقت الذي يكافح فيه أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أشد حالات الركود المسجلة على الإطلاق.

ووصلت العلاقات إلى مستويات متدنية جديدة في أكتوبر الماضي، بعد أن انتقد وزير لبناني سابق التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.

ويدعم حزب الله طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج . ولدى حزب الله جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.

وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية، بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.

وتشكل العودة السعودية متنفسا سياسيا للبنان أيضا، إذ أدى الانكفاء السعودي إلى إضعاف المكون السني الذي يعيش حالة من الارتباك، ويخوض الانتخابات البرلمانية القادمة من دون زعمائه التاريخيين.

ويقول مراقبون إن الانفتاح السعودي على لبنان في هذه المرحلة يمثل جرعة دعم للمكون السني الذي يعاني من الارتباك والضعف، بعد خسارته للدعم السعودي بسبب عدم التزام قياداته السياسية بالتعهدات السابقة التي قطعتها للرياض، والتي تقضي بتحجيم دور نفوذ حزب الله ونزع سلاحه.

ويرى هؤلاء أن انكفاء زعماء السنة عن خوض الانتخابات البرلمانية (سعد الحريري، فؤاد السنيورة، سلام تمام) يفتح الباب أمام التغيير، وقد يفرز قيادات سنية جديدة تقطع مع الفشل الذي رافق الزعماء السابقين، الذين تعهدوا مرارا للرياض بتحجيم نفوذ حزب الله وحصر سلاحه ولم يتقيدوا بذلك.

وتنتظر السعودية من القيادات السنية المستقبلية الالتزام بتعهداتها تجاه الرياض، لا الاقتصار على الأقوال في كل مرة يحتاج فيها لبنان إلى الدعم المالي والاستثمارات.

وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات مضت لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه إلى أيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.

وقدّمت المملكة المليارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ، المدعوم من إيران.

2