المسلسلات الإذاعية في تونس تسعى للتطور بنجوم التلفزيون

تونس – تحاول الإذاعة العمومية التونسية المحافظة على تقليد رافقها منذ انطلاقها سنة 1938، ألا وهو إنتاج المسلسلات الإذاعية، متحدية تراجع نسب الاستماع إلى الراديو بالتزامن مع انتشار المسلسلات التلفزيونية التي باتت تقليدا سنويا يرافق شهر رمضان، بالإضافة إلى الإنترنت والتطوّر السريع لوسائل التواصل الاجتماعي.
وتقتصر إنتاجات الدراما الإذاعية على مؤسسة الإذاعة التونسية باعتبارها المؤسسة الإعلامية الوحيدة في تونس التي تضم فرقة للتمثيل وأخرى للموسيقى، كما أن الإذاعات الخاصة لا تبدي اهتماما بإنتاج مثل هذه الأعمال التي تتطلب ميزانية ضخمة وأستوديوهات كبرى مقارنة بإنتاج البرامج.
وتعرض الإذاعة التونسية في شهر رمضان الجاري أربعة مسلسلات إذاعية تبث على مختلف محطاتها الوطنية والجهوية الاثنتي عشرة. وأول هذه المسلسلات هو مسلسل “أبوالحسن الشاذلي” وهو من النوع الاجتماعي الديني، ويتكون من ثلاثين حلقة ويخرجه محمد علي بلحارث ويشارك فيه بعض الممثلين من نجوم التلفزيون ومنهم صلاح مصدق وفتحى المسلماني. ويحكي المسلسل عن أحد أشهر أعلام الصوفية الذين عرفتهم تونس في القرن الثالث عشر ميلاديّا، وهو الصوفي أبوالحسن الشاذلي، صاحب الطريقة الشاذلية الذي تنقل بين المغرب وتونس وتوفي في مصر، وكان من أشهر مريديه المرسي أبوالعباس، ولديه مقام في المدينة العتيقة للعاصمة التونسية حيث يتبرك التونسيون بزيارته.
الإذاعة التونسية تعرض في شهر رمضان الجاري أربعة مسلسلات إذاعية تبث على مختلف محطاتها الوطنية والجهوية
أما المسلسل الثاني فهو “ريح الشهيلي” من إخراج لطفي العكرمي، وهو مسلسل اجتماعي يتكون من ثلاثين حلقة ويحكي عن الحياة في الجنوب التونسي، وقد تمّ تسجيله في الإذاعة الإقليمية في محافظة قفصة بالجنوب الغربي التونسي، ويشارك في بطولته ممثلون وممثلات فرقة قفصة للمسرح، وهي واحدة من أعرق الفرق المسرحية في تونس.
ويختص المسلسل الثالث بالجانب الديني، وهو سلسلة من خمس عشرة حلقة بعنوان “مآدب الكلام” ومن إخراج أنور العياشي مدير مصلحة الدراما في الإذاعة، ويستعرض المسلسل عبرا وحكايات من التراث العربي الإسلامي.
أما المسلسل الرابع فهو عمل كوميدي بعنوان “سلاك الواحلين”، ويتكون من ثلاثين حلقة ويشارك فيه نجم الكوميديا الأول في تونس الأمين النهدي في أول مشاركة له في عمل إذاعي يعيده إلى الجمهور بعد غياب طويل.
وعلى عكس الدراما المصرية التي تعد سوقا فنيا كبيرا في العالم العربي تظل الدراما الإذاعية في تونس رهينة التكرار وغير قادرة على مجاراة موجة هجرة الفنانين نحو الأعمال المرئية. ومن الصعب إقناع نجوم الدراما -على الأقل ممن اكتسبوا شهرة واسعة في السنوات الأخيرة- بالوقوف خلف ميكرفون الإذاعة لتقديم قصص وحكايات تجعلهم حاضرين صوتا فقط.
لذلك تجد أبطال أغلب المسلسلات الإذاعية ممثلين مسرحيين بالأساس، ولا يشارك معظمهم في الدراما التلفزيونية فتعد فرصة المشاركة في مسلسلات الإذاعة فرصتهم الوحيدة للتمثيل والربح المادي وإن كان قليلا.
ولمحاولة جذب المستمعين والاستمرار في إنتاج المسلسلات يقول مدير مصلحة الدراما في الإذاعة التونسية المخرج والممثل أنور العياشي إن إدارة الإنتاج سعت إلى استقطاب نجوم التمثيل في التلفزيون والسينما في الأعمال الإذاعية، وقد انطلقت التجربة في رمضان العام الماضي بمشاركة الممثل فتحي الهداوي في بطولة مسلسل “باي الشعب”.
وحسب العياشي تظل مشاركة عدد كبير من نجوم التلفزيون والميديا رهين ضعف الإمكانيات المادية حيث لا يتعدى أجر عمل يوم في مسلسل إذاعي 120 دينارا (حوالي 45 دولارا أميركيا) بينما يصل أجر النجوم في الأعمال الدرامية الرمضانية إلى 2000 دينار (حوالي 700 دولار أميركي)، وهو فارق كبير يجعل الممثلين يميلون إلى المشاركة في الأعمال التلفزيونية.
ولئن حققت الدراما الإذاعية شعبية واسعة النطاق خلال ظهورها في القرن الماضي، حيث كانت وسيلة الترفيه الشعبية الرائدة في العالم، صارت اليوم تقاوم الكثير من الصعوبات علها تستمر وتتطور مستغلة كل الإمكانيات المتاحة.
وفي السنوات الماضية أثبتت المسلسلات الإذاعية أنها لا تزال تتمتع بجاذبية عالية وخاصة خلال فترة انتشار فايروس كورونا المستجدّ، حيث قدمت الإذاعة محتوى يستجيب لأفق انتظار المستمعين الذين يهربون من الأعمال التلفزيونية التجارية باحثين عن مسلسلات تتناول القيم الإنسانية والأحداث التاريخية وتقدم لهم وجبة كوميدية لا تسقط في الابتذال.
وتعتمد الدراما الإذاعية عامة على الحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية لمساعدة المستمع على تخيل الشخصيات والقصة، فهي أعمال سمعية في البعد المادي ولكنها تمتلك تأثير القوة البصرية في البعد النفسي. وتشمل الدراما الإذاعية مسرحيات مكتوبة خصيصا للراديو والدراما الوثائقية والأعمال الدرامية الخيالية، بالإضافة إلى المسرحيات المكتوبة في الأصل للمسرح، بما في ذلك المسرح الموسيقي والأوبرا.
ومنح الأسلوب المميز في مخاطبة الذهن، واستخدام خيال المتلقي والمؤثرات السمعية واللغة البسيطة القريبة من اللهجة العامية المختلفة من محافظة إلى أخرى، المسلسلات الإذاعية فرصة من ذهب للحفاظ على جمهورها والصمود وتقديم أعمال جديدة عاما تلو آخر.