رجاء ملاح لـ"العرب": لا أسماء لشخصياتي، ليرى كل قارئ نفسه فيها

كاتبة مغربية تكرس رواياتها وقصصها للناشئة متحدية عالما من التناقضات.
الأحد 2022/04/03
الكتابة أفضل طريقة لاستدراك الزمن

تختلف الكتابة للأطفال والناشئين عن الكتابة للراشدين، إذ تتطلب مجهودا مضاعفا من الكاتب لتحفيز مخيلات قرائه الصغار ولاختيار مواضيعه بدقة عبر سبك لغته بسلاسة تسمح بتشويق القارئ وترغيبه في القراءة في عصر باتت فيه التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية وأساليب الترفيه الأخرى تهيمن على نشاطات الأطفال، لذلك فإن كتاب أدب الناشئين أمام مهمة صعبة في كل عمل يقدمونه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة المغربية رجاء ملاح حول أهمية أدب الناشئين وأسرار كتابته. 

تدور أحداث رواية “موعدي مع النور” للكاتبة المغربية رجاء الملاح حول فتاة لم تسمها ولدت بعاهة نادرة تُفقدها نظرها تدريجيًا، وأدركتْ منذ الصغر هذه الحقيقة المرّة، فتهيّأت لمُصابها الأليم. لكنها من أجل التحدي واظبت على الدراسة واكتساب المعرفة في صراع مع الزمن ضد الخوف والظلام.

اضطرت بطلة الرواية إلى هجر قريتها بعد أن ضاقت بها السبل، لتخوض رحلة بحث عن الذات دامت سنوات إلى أن جاء ذلك اليوم لتقرر العودة إلى مسقط رأسها. وخلال رحلة عودتها في القطار إلى قريتها النائية تتوالى الفصول في ذاكرتها مع صفير القطار، فتسرد لنا قصة حياتها وأسرتها وطفولتها وحلمها بأن تصبح طبيبة، إلى أن أسدل ستار الظلام على عينيها كاملًا.

ونتعرف في الرواية الموجهة إلى الناشئين -والصادرة عن دار المؤلف للنشر والتوزيع ببيروت، وقد ترشحت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2022- على ما أصاب البطلة من أحداثٍ مؤلمةٍ جعلتها تغادر قريتها هروبا من قبضة المرض والوحدة والفقر لخوض معركة من أجل العلم والمعرفة وتحقيق الذات. فجعلت من موعد الظلام الذي طالما هددها موعدا مع النور. تعود إلى قريتها ممتلئة بنور البصيرة، لتبدأ حياة جديدة عنوانها العطاء كطبيبة في علم النفس لتساعد أطفال القرية على تخطي مشاكلهم وعاهاتهم.

رسائل إلى الناشئين

  • الكاتبة ترى أن هناك تشابها بين رمزية العمارة ورمزية الكتاب وبين الواقع والمخيلة، مشددة على أن الخيال هو المستقبل

  • الكتابة للأطفال والناشئة تتضمن عنصرا جوهريا هو الخيال، وبدونه لا يمكن أن توجد قصة أو حكاية

انطلاقا من سبب اختيارها الكتابة للناشئة تقول ملاح “لم يكن قرارا بقدر ما كان رغبة في التواصل مع هذه الفئة العمرية المتميزة. فهي فترة تستدعي الحوار مع الناشئين والتقرب إليهم من خلال الكلمات والعبر لاكتشاف ذواتهم وقدراتهم ومساعدتهم على اتخاد القرارات الصائبة”.

وتضيف “كتبت للأطفال وها أنا ذا أنتقل إلى الناشئة، ربما لأن أطفالي هم في هذه السن. وكأني أتدرج بكتاباتي مع تقدمهم في العمر لأجد نفسي أكتب لهم ومن خلالهم. رافقت سنواتهم الأولى بكلماتي وربما سأنتقل معهم يوما إلى الكتابة للراشدين حين يحين الوقت، لا أدري؟ أملي أن أنقل إليهم ما استطعت، فكرة كانت أو عبرة أو ذكرى. تبقى الكتابة أفضل طريقة لاستدراك الزمن للتعبير عن ذواتنا وتجاربنا وسط زحمة الحياة اليومية”.

وتتابع الكاتبة “بين الطفولة والشباب فترة حاسمة تكتسي فيها الكلمة وزنها الحقيقي، فترسم أفكارهم وقراراتهم. أكتب للناشئة لأرافق هذه الفئة في رحلة أدرك أنها وعرة، ستمر بصحارى ووديان وكثبان وستعصف بها رياح من الشك والارتباك والتيه. أعي أن الرحلة بقدر ما هي جميلة وحافلة بالاكتشافات بقدر ما هي صعبة ومشحونة بالتناقضات والتحديات. هنا يأتي دورنا ككتاب لمرافقتهم بالكلمات والتجارب إلى أن يبلغوا مرحلة النضج والوعي الأكثر أمانا”.

تقول ملاح “أكتب للناشئة وأنا أضع نصب عينيّ أني أصارع عالما يعجّ بالتناقضات والمغريات، فأبحث عن طريقة لجعل شاب أو شابة يختار أو تختار مجالستي من خلال الكتاب بعيدا على عوالم التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي. ليس لي إلا الكلمة لجذبهم إلى جنة الكتاب والحكايات والخيال. هدفي أن أشدّ القارئ إلى عالمي من أول كلمة وأدفعه إلى التفكير في جملة حفرت شيئا ما في روحه أو حسمت قرارا جميلا في أعماقه. فالكاتب كمن يصرخ وسط الضجيج، فمن سيصغي إليه؟”.

وتلفت إلى أن اختيارها العمى عند شخصية روايتها الرئيسة جاء لأن العمى مخيف ويبعث الذعر والرعب في نفوسنا كبشر، وهو كأي عاهة يشكل عقبة في طريق أي إنسان.

تقول “اخترت العمى لأنه يدل على الظلام واليأس وندرك من خلال حكاية القصة أن العمى الذي يصيب العيون يمكن تجاوزه، لكن العمى الأصعب هو الذي يصيب الروح ويحجب البصيرة. لذلك ركزت على التحدي الذى سلكته شخصية ‘موعدي مع النور’ لتجعل من موعد الظلام نورا يفتح لها طريق الأمل والمستقبل من خلال متابعتها لحلمها”.

وتضيف “كانت الفتاة تحلم بأن تصبح طبيبة، الشيء الذي كان يثير السخرية حولها هي الموعودة بالعمى. لكنها تابعت حلمها وحافظت عليه وآمنت به إلى أن حققته بطريقتها رغم الظلام. إنها تجربة يجب أن تلقن لأطفالنا وشبابنا كي يجرأوا على الحلم رغم استحالته أحيانا. فمن خلال الأحلام تزدهر الإنسانية والحضارة ويحقق الإنسان ما كان بعيد المنال كأن يمشي على وجه القمر أو يغوص في أعماق البحار أو ربما الوصول إلى المريخ يوما ما. فلا مستحيل في الحياة طالما هناك إرادة ومشيئة كما علمتنا حكاية القصة”.

تبين ملاح أن شخصيات أعمالها ومن بينها “موعدي مع النور” لم تحمل أسماء معينة، وبررت ذلك بقولها “اخترت هذه الحرية، حيث لاحظت أن جميع شخصياتي في قصصي القديمة لا تحمل أسماء سواء في ‘أجنحة طائرتي’ أو في ‘حديقة الزمرد’ أو في ‘موعدي مع النور’، أفضل ألا أتقيد بأسماء شخصيات أو أماكن محددة. من خلال طريقة سردي أستطيع أن أتجاوز تحديد الأسماء، فتصبح الشخصيات والأماكن ذات منحى إنساني شامل، ربما هي طريقتي لأمنح القارئ حرية تخيل الأسماء والأماكن كما يرغب”.

وعن معنى النور في سياق روايتها تقول “للنور كما تعلم أشكال كثيرة: نور الشمس الذي يحيط بنا، نور العلم، نور الحب، نور الأمل. وكلّها تتحدّى الظلام واليأس والجهل الذي يتربّص بحياتنا. النور هو كل شيء يضيء أعماقنا ويقهر الخوف بداخلنا. وفي ‘موعدي مع النور’ تستغرق رحلة البحث عن النور سنوات طويلة ونقترب من أطياف كثيرة للنور الذي يتجسد في العلم والحب والإيمان. وهذا ما يجب أن يكتشفه الأطفال والشباب على الرغم من صعوبة الظروف بسبب الحروب والأوبئة والأزمات. لأن رحلة البحث عن النور تبدأ من الأعماق أولا”.

وتؤكد أنه يمكن اعتبار رواية “موعدي مع النور” أيضا للكبار، وتقول “أعتبر قصصي لا عمر لها وأتمنى أن أكون على غرارها بلا عمر. قصصي أريدها لكل الأطفال ولو في سن الشيخوخة. أتمنى أن يقرأ حكاياتي الكبار أيضا ليدركوا روح الطفل في داخلهم وأن يقرأها الصغار ليدركوا حكمة الكبار في أعماقهم. أتمنى أن لا أفقد تلك الطفلة بداخلي القادرة على الانبهار بأشياء بسيطة رغم الزمن. ما أجمل أن يتقدم بنا العمر وقد ننحني لقطرة ندى لنشم ما بداخلها من عطر”.

وترى ملاح أن تأثير دراستها للهندسة المعمارية على الإبداع عامة وفي مجال الطفل والناشئة خاصة يجيء من كون العمارة فن تلتقي عنده جميع الفنون، إذ لا تقتصر على فن بذاته بل ترتبط ببقية الفنون الأخرى، بل تعد تشكّلا تتجمع فيه جميع الفنون. والعلاقة الوطيدة تتجلى بين العمارة والشعر أكثر. ومن المعروف أن للعمارة السبق في تأسيس التحولات الجمالية تبعاً للعصر، ولكل عصر جمالياته.

وتقول “إن هذه العلاقة بين العمارة وبقية الفنون تُعّد أساسية وجوهرية في عمقها، إذ تحدد هوية الفن واستقلاليته. يمكنني القول من خلال دراستي وعملي كمهندسة منذ سنوات طويلة إن العمارة تأخذني إلى نقطة اللقاء بين المادي والروحي والشعر. نحن نقف أمام الإبداع الجمالي، وفي جميع الفنون لا بد منه لتحقيق عملية التواصل. المنظومة المعمارية نصّ يُقرأ عبر الشعر والموسيقى والبناء. تتشابك شعرية عصر ما مع عمارته. الفن بناء جمالي في حد ذاته. هناك تشابه بين رمزية العمارة ورمزية الكتاب، وبين الواقع والمخيلة. وإذا كان للعمارة معنى فإن هذا المعنى يتجلى في عملية الكتابة. على أية حال يبقى الإنسان هو جوهر الإبداع في العمارة والكتابة”.

وتلفت إلى أن عملية المراوحة بين الكتابة للأطفال والكتابة للناشئة تتطلبها مادة الكتابة وموضوعها، فهناك قصة تصلح للأطفال وهناك قصة أخرى تصلح للناشئة.

وتتابع “في ‘موعدي مع النور’ تطور الموضوع وتوسع بما فيه من مفاهيم واعية، وجدت أنها أعلى من مدارك الطفل، لذلك اشتبكتُ مع عقلية الناشئة.على أية حال الكتابة للأطفال والناشئة تتضمن عنصرا جوهريا هو الخيال، وبدونه لا توجد قصة أو حكاية. وهذا ينطبق على أدب الكبار أيضًا. كما أننا في الكتابة للناشئة يجب أن نركز على اللغة التي تحرك مخيلة الأطفال والناشئة على حد السواء. والخيال هو المستقبل. وهذا ما فتح أمامي عالمًا رحبَا من التأملات، وخاصة حول حالة العمى التي تصيب الشخصية الرئيسية في القصة”.

وتوضح ملاح أن عدم ذكر اسم معين للشخصية الرئيسية في “موعدي مع النور” جاء لأنها أرادتها أن تكون أي بنت في عمرها، لأن قصة العمى حالة عالمية وكونية تصيب البشر جميعهم رغم اختلاف أسمائهم وأجناسهم وأعراقهم. لذلك أرادت الاقتراب من الحالة الإنسانية أكثر.

تنوع الأنشطة

تنوع نشاط ملاح بين الكتابة للطفل والناشئة وبين الترجمة مكنها من إنجاز عدد من الإبداعات والترجمات، ومن بينها كتاب يمثل أنطولوجيا الشعر الإماراتي، وهنا تشير إلى أن ترجمة واختيار مجموعة من قصائد الشعراء الإماراتيين جاءا بتكليف من الكاتب حارب الظاهري الذي كان آنذاك رئيس الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الإماراتيين.

وتضيف “قمت بترجمة هذه المجموعة بالتعاون مع زوجي الروائي والمترجم شاكر نوري الذي أعد أيضًا مقدمة لهذه الأنطولوجيا من خلال قراءته لمجاميع كثيرة وبعد الاطلاع على عدد من آراء النقاد والباحثين المتخصصين في هذا المجال، تحت عنوان ‘القصيدة الإماراتية الحديثة’، مؤكداً أن الشعر يشكل رافداً مهماً من روافد الثقافة العربية في الإمارات، باعتبار العرب أمة شعر”.

وتتابع “أرسلنا طالبين من الشعراء الإماراتيين ثلاث قصائد لكل منهم، ومن ثم قمنا بترجمتها إلى اللغة الفرنسية. جاءت الفكرة حبا في هذا الشعر وتقديرا له، ومن أجل بلورة كتاب يضّم بين دفتيه أشعاراً من الإمارات باللغة الفرنسية. تطلبت ترجمة هذه الأنطولوجيا جهدا قارب العام ونصف العام، وحرصنا على أن تكون الترجمة من خلال لغة شفافة دقيقة قادرة على الاقتراب من المعنى الحقيقي للإبداع، فعملية الترجمة تعتمد على الثقة اللازمة والحرفة المتقنة والتجارب المتراكمة في مجال الترجمة الإبداعية كما هو معروف”.

الأطفال قراء من الصعب إرضاؤهم (لوحة للفنانة سارة شمة)

 

11