تركيا تغلق قضية خاشقجي: رسالة تهدئة مع السعودية

إسطنبول- طلب المدعي العام التركي الخميس تعليق محاكمة غيابية تشمل 26 سعوديا مشتبها بهم في قتل الصحافي جمال خاشقجي وإحالة القضية إلى السلطات السعودية، في خطوة قال مراقبون إن هدفها توجيه رسالة تهدئة إلى القيادة السعودية من أجل كسر حالة اللامبالاة التي تعاملت بها مع دعوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تطوير التعاون الثنائي ورغبته الملحة في زيارة الرياض دون أن يلقى أيّ رد، في وقت تبدو فيه هذه القيادة مشغولة بملفات أهم.
ويقول مراقبون إن أنقرة وجدت أنها لم تستفد من استثمار ورقة خاشقجي في الضغط على السعودية لتحصيل استثمارات أو دعم مالي مهمّ حين كانت القيادة السعودية تحت الضغط، وأن الوقت قد فات لتحقيق ذلك، ولأجل هذا مرت إلى استعمال قضية خاشقجي كمدخل لاسترضاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإغلاق القضية وترك أمرها إلى القضاء السعودي.
وأشار المراقبون إلى أن تركيا التقطت إشارة ولي العهد السعودي في المقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” منذ أسابيع إلى أنه لا يهتم بما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أساء فهمه في قضية خاشقجي، وأنها بذلك تيقنت من أن القضية منتهية ولم تعد تصلح لأن تكون ورقة ضغط فلجأت إلى هذه المناورة.
◙ السعوديون لا ينسون كيف تعاملت أنقرة مع قضية خاشقجي وحجم العداء الذي أظهره المسؤولون الأتراك ضد بلادهم
ولا تبدو القيادة السعودية مشغولة حاليا بمسألة التقارب مع تركيا، خاصة أن الاستهداف جاء من جانب واحد ولم يكن للرياض أيّ دور فيه، حيث لازمت الصمت أثناء ذروة الاستهداف التركي، وهو ما يجعل إصلاح العلاقة مهمة أنقرة. كما أن المملكة مشغولة بملفات أهم على المستوى الإقليمي والدولي مثل الخطر الإيراني والأمن القومي وملف الطاقة، ما يجعل انفتاحها على تركيا مسألة ثانوية لا تحتاج إلى الاستعجال.
وتسببت عملية قتل خاشقجي في توتير العلاقات بين البلدين. وكان أردوغان قد اعتبر حينها أن الأمر بالاغتيال جاء من “أعلى مستويات الحكومة السعودية”، لكنّه لم يُسمِّ الأمير محمد بن سلمان، وأدى ذلك التصعيد إلى مقاطعة سعودية غير رسمية للبضائع التركية الأمر الذي نتج عنه تراجع صادرات أنقرة إلى المملكة بنسبة 90 في المئة.
وتركيا التي تعاني أزمة اقتصادية جديدة وتبحث عن استثمارات أجنبية ومبادلات تجارية، مدت يدها إلى منافسين إقليميين منهم السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل.
وقال أردوغان في يناير الماضي إنه يخطط لزيارة الرياض، وهي زيارة تأتي في فترة حرجة بالنسبة إلى تركيا، حيث يرتفع التضخم إلى أكثر من 50 في المئة.
وفي فبراير، قال في تصريحات للصحافيين على متن طائرة خلال رحلة عودته من الإمارات، “نواصل حوارنا الإيجابي مع السعودية، نريد أن نواصل اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة، وتطوير العملية في اتجاه إيجابي”.
ويلمّح الرئيس التركي إلى عقد صفقات اقتصادية واستثمارية مع السعودية، لكن ذلك لم يجد أيّ تجاوب من الرياض، ما دعاه إلى القول إن الزيارة قد تتم في مارس (المنقضي) أو في شهر أبريل الحالي.
ويقول المراقبون إن السعودية ترفض إلى الآن إعطاء أي إشارة عن قبولها بتجاوز مرحلة البرود بين البلدين، وإن الأمر لا يقف فقط عند قضية خاشقجي، فتركيا تحركت على مستوى إقليمي بشكل أساء إلى السعودية ودورها سواء من خلال العلاقة مع إيران أو الموقف من حرب اليمن، وخاصة المساهمة في قمة كوالالمبور في 2019 التي هدفت بالأساس إلى ضرب الزعامة السعودية في العالم الإسلامي.
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس أن هناك خطوات مهمة في سبيل تطبيع العلاقات بين بلاده والسعودية، مضيفا أن نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان وعد في وقت سابق بأنه يعتزم زيارة تركيا، وأنه لم يتم التخطيط لهذه الزيارة بعد بسبب الزخم الموجود في الحراك السياسي.
وأوضح أنه ليس لدى تركيا أيّ موقف سلبي بخصوص العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية مع السعودية، إلا أنه يوجد بعض الفتور في العلاقات.
ولا ينسى السعوديون أبدا كيف تعاملت أنقرة مع قضية خاشقجي وحجم العداء الذي أظهره المسؤولون الأتراك ووسائل الإعلام التركية ضد بلادهم، وتمسك الرئيس أردوغان بقيادة هذه الحملة، حيث تعهد بأن بلاده لن تتخلى عن متابعة قضية خاشقجي.

مولود جاويش أوغلو: ليس لدى تركيا أيّ موقف سلبي بخصوص العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية مع السعودية
وقال في تصريحات لقناة فوكس نيوز الأميركية “حصل هذا في بلدي، كيف لا أتابعه؟ طبعا سأواصل متابعة الأمر. هذه مسؤوليتنا”.
والخميس قالت محكمة إسطنبول التي تحاكم غيابيا 26 سعوديا مشتبها بهم لنحو عامين إنها ستطلب رأي وزارة العدل في طلب المدعي العام بنقل المحاكمة، وحددت موعد الجلسة القادمة في السابع من أبريل.
وفي عام 2020 قضت محكمة سعودية بسجن ثمانية أشخاص لمدد تتراوح بين سبعة أعوام وعشرين عاما في قضية قتل خاشقجي. ولم يتم ذكر أسماء أي من المتهمين فيما وصفته جماعات حقوقية بمحاكمة صورية. وقالت أنقرة آنذاك إن الحكم لا يرقى إلى مستوى التوقعات، لكنها خفّفت لهجتها منذ ذلك الحين في إطار محاولة أوسع نطاقا لإصلاح العلاقات.
وفي العام الماضي رفضت المحكمة التركية إضافة تقييم المخابرات الأميركية لدور ولي العهد السعودي إلى أوراق القضية. وطلبت تفاصيل من السلطات السعودية، التي لم تعلن أسماء المشتبه بهم المسجونين في الرياض، لتفادي معاقبة المتهمين مرتين.
وقال المدعي العام التركي إن السلطات السعودية ردت بطلب إحالة القضية إليها وإلغاء ما يسمّى بالنشرات الحمراء الصادرة ضد المتهمين.
وأضاف المدعي العام أن الرياض تعهدت أيضا بالنظر في الاتهامات الموجهة إلى المتهمين الستة والعشرين إذا أحيلت القضية إليها.
وقال إنه لا بد من قبول الطلب لأن المتهمين كانوا مواطنين أجانب ولا يمكن تنفيذ مذكرات الضبط والنشرات الحمراء ومن ثم لا يمكن أخذ أقوالهم، وهو ما يعني بقاء القضية معلقة دون حسم.