هل ينهي حياد أوكرانيا الحرب أم أن أهداف روسيا أبعد من ذلك

حققت محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا التي استضافتها تركيا الثلاثاء بعض التقدم مع اقتراح كييف لخطة حياد تلبي المطالب الروسية قبل بدء عملية الغزو، إلا أن محللين يشككون في اكتفاء موسكو بالمقترحات المقدمة بعد التوغل داخل الأراضي الأوكرانية.
كييف - قال مفاوضون أوكرانيون الثلاثاء إن كييف اقترحت تبني وضع محايد مقابل ضمانات أمنية في أحدث جولة من المحادثات مع روسيا تستضيفها تركيا، مما يعني أنها لن تنضم إلى تحالفات عسكرية أو تستضيف قواعد عسكرية، فيما يتساءل مراقبون هل أن ذلك كاف لإيقاف الحرب أم لروسيا أهداف أبعد من ذلك؟
وأضاف المفاوضون للصحافيين في إسطنبول أن المقترحات ستشمل أيضا فترة مشاورات مدتها 15 عاما بشأن وضع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ فقط في حالة وقف إطلاق النار الكامل.
ولن تكون أوكرانيا الأولى في اعتناق الشكل الحيادي، وقد تنضم إلى دول أوروبية أخرى في هذا الإطار، مثل سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد وأيرلندا ومالطا.
ولكن من أين أتى مفهوم الحيادية؟ وكيف سيكون شكل أوكرانيا المحايدة إن تم الاتفاق على هذا الخيار بين الطرفين؟
وطرح مفهوم الحيادية الدولية بشكل قانوني في إعلان باريس عام 1856 (الحياد في الحرب البرية) واتفاقتي لاهاي الخامسة والثالثة عشرة، الموقعتين عام 1907 (الحياد في الحرب البحرية).
وكانت إحدى التوصيات الأولى لاتفاقية لاهاي الثالثة عشرة أنه عندما تندلع حرب بين قوى معينة، يجب على كل دولة ترغب في البقاء محايدة أن تصدر إعلانا خاصا أو عاما بالحياد.
وتملك الدول المحايدة قوات عسكرية لأن لديها الحق في الدفاع عن نفسها في حال خرقت أي دولة حياديتها، فسويسرا والسويد تبنتا شكلا من الحيادية لقرون، ودول أخرى تبنت الحيادية بسبب الضغوط الخارجية المفروضة عليها.

ويشير مراقبون إلى أن احتمال إقرار كافة الأطراف (أوكرانيا وروسيا ودول الغرب) على تبنّي كييف موقف الحيادية محتمل، وأن أطراف المواجهة سترى في الحفاظ على هذا الموقف الأفضل لمصلحتها، وقد يمكن بذلك لروسيا أن تحترم سيادة الأراضي الأوكرانية، لكن ذلك سيعني إغلاق الباب أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكانت أوكرانيا قد تبنت الحيادية في عهد الاتحاد السوفيتي السابق، لكن كل مرة خرجت فيها عن موقفها كان بسبب ردة فعل تجاه استفزاز روسي.
ويقول مارك كريمر مدير مشروع دراسات الحرب الباردة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية في جامعة هارفرد “كانت هناك على الأقل 12 اتفاقية وقعتها روسيا مع أوكرانيا، والتي ألزمت روسيا لاحترام حدود أوكرانيا المتفق عليها في ديسمبر عام 1991، لكن الحكومة الروسية لم تبد أي أهمية للالتزام بتلك التعهدات".
ومع موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتشدد في تعبيره عن أهمية القضاء على النظام الحاكم “النازي”، يستبعد الخبير الاقتصادي الجغرافي في جامعة أكسفورد فلاد ميكينشكو أن تكون “حيادية” أوكرانيا كافية، مشيرا إلى أنه لو كانت هناك اتفاقية وقعت بالفعل، فإنه لا شيء يمنع روسيا من خرقها.
وأضاف متسائلا "ما الذي سيحصل حينها؟ إن قال بوتين: نحن بصراحة لا نحبها، سنقتحمها، هناك أمر غير محبذ في أوكرانيا، وعلينا أن نزيله".
ويقترح محللون أن تتدخل دول أخرى للإبقاء على حيادية أوكرانيا، مشيرين إلى أن الدول المرشحة لن تقتصر بالضرورة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو، بل أيضا “ستحتاج لعوامل ودول إضافية”، مثل الصين، التي قد تساهم "في تحلية مذاق الاتفاق لروسيا".
وتعهدت روسيا في محادثات السلام الثلاثاء بتقليص عملياتها العسكرية بشكل كبير حول كييف ومدينة تشيرنيهيف بشمال أوكرانيا. وقال ألكسندر فومين نائب وزير الدفاع الروسي إن موسكو قررت تقليص الأعمال القتالية قرب كييف وتشيرنيهيف لتهيئة الظروف للحوار.
وقال فلاديمير ميدينسكي كبير المفاوضين الروس إنه سيدرس المقترحات الأوكرانية ويبلغ بها الرئيس بوتين.
والمحادثات التي تعقد في إسطنبول اليوم هي أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ العاشر من مارس. وبدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، وأخفقت في السيطرة على أي مدن أوكرانية كبيرة بعد أن واجهت مقاومة شرسة.
ومقترحات أوكرانيا هي الأكثر تفصيلا وواقعية التي تعلنها كييف. وقال المفاوض الأوكراني أولكسندر تشالي “إذا أمكنا تثبيت هذه البنود الرئيسية، وبالنسبة إلينا هذا أهم شيء، فإن أوكرانيا ستكون عندئذ في وضع يوطد فعليا وضعها الحالي كدولة غير عضو في أي تكتل وغير نووية في صيغة الحياد الدائم".
روسيا تعهدت في محادثات السلام الثلاثاء بتقليص عملياتها العسكرية بشكل كبير حول كييف ومدينة تشيرنيهيف بشمال أوكرانيا.
وأضاف “لن نستضيف قواعد عسكرية أجنبية على أراضينا، والأمر نفسه بالنسبة إلى نشر وحدات عسكرية على أراضينا، ولن ندخل في أي تحالفات عسكرية سياسية”. وستُجرى التدريبات العسكرية بموافقة الدول الضامنة.
ورغم كل ما تمتلكه روسيا من تفوق جوي ساحق، إلا أنه وبعد مرور 30 يوما، مازالت الطائرات الأوكرانية من نوع سوخوي 27 تحلق في سماء المعركة وتشتبك مع نسخ مطورة عنها من سوخوي 35.
ويعتبر عدم قدرة الجيش الروسي على تدمير الطائرات الحربية الأوكرانية والمضادات الجوية أحد أكبر إخفاقاته في هذه الحرب، وتجلى ذلك في سقوط عدد غير معروف بدقة من طائراته.
وبحسب أرقام وزارة الدفاع الأوكرانية، التي لا يصعب التحقق من دقتها، فإنه تم إسقاط 127 مروحية و117 مقاتلة و56 مسيّرة روسية.
ولعبت مسيّرات الجيش الأوكراني دورا بارزا في قصف أرتال الجيش الروسي وخطوط إمداده، التي أصبحت تطول وتتشعب، ما شكل عبئا إضافيا على تقدمه، ما يكشف حجم الخطأ في التخطيط لهذه الحرب من الجانب الروسي.
وأمام إخفاق الروس في تحقيق نصر سريع واشتداد المقاومة الأوكرانية خاصة في المدن، بدأ الجيش الروسي باستعراض قوته عبر استخدام أسلحة أكثر فتكا على غرار الصواريخ فرط صوتية “كينغال” أو “الخنجر”، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعشر مرات، والتي يصعب على المضادات الجوية إسقاطها.
كما لا يستبعد أن تلجأ موسكو إلى إخراج أقوى مقاتلاتها من الجيل الخامس “سوخوي 57”، لتجريبها في حرب حقيقية، وفرض سيادتها الجوية، بينما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بتزويد أوكرانيا بـ100 طائرة مسيّرة من نوع “الشفرات القاتلة”، وهي مسيّرات انتحارية تصطدم بالهدف وتفجره.
اقرأ أيضا:
بايدن وحلفاء أميركا… أزمة ثقة أوّلا
الأزمة الأوكرانية تحفز تحالفات جديدة في أوروبا
دعوات لعدم إهمال مساعدة الدول الفقيرة
الحرب الأوكرانية تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية للفلسطينيين