روسيا تتسلح بالروبل في معركة أنابيب الغاز مع أوروبا

أثار استخدام روسيا سلاح الروبل في معركة إمدادات الغاز إلى أوروبا سجالا واسعا لا يزال صداه يتردد في أروقة صناع القرار في العواصم الغربية الذين يسارعون لإيجاد البدائل الممكنة وسط تحذيرات موسكو من أن عدم الامتثال لهذا الإجراء سيؤدي إلى بروز حالات إفلاس عالمية.
موسكو – أتاحت سيطرة روسيا على أنابيب الغاز في أوروبا فرض شروطها في تحصيل مدفوعات الإمدادات بعملتها المحلية كرد على محاولات عزلها عن العالم، مما يعني أن حماية نظامها المالي والمصرفي في وجه الحظر الغربي باتت ممكنة.
ويقول محللون إن الخطوة لها أهداف متعددة منها دعم قيمة العملة الروسية وزيادة الاحتياطات النقدية لدى المركزي وفي نفس الوقت دفع الغرب إلى اعتماد نظام التحويلات البنكية الروسية المعادل لنظام سويفت لتسوية مدفوعاتها مقابل استيراد النفط والغاز الروسييْن.
ويتمثل الهدف البعيد المدى من القرار في إجبار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التخلي عن فرض حظر اقتصادي ومالي شامل على موسكو.

نيكولا مازوتشي: الصعوبات تتمثل في تحديد السعر واختيار البنوك الوسيطة
وسيؤدي الارتفاع في الطلب على الروبل مع بدء تنفيذ القرار، خاصة وأن الأوروبيين سيستمرون في توريد الغاز الروسي لبعض الوقت، بالضرورة إلى زيادة احتياطي العملة الصعبة لدى موسكو.
وحتى تستمر عملية التوريد يفترض أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بشراء الروبل مباشرة من المركزي الروسي لكي يقوم فيما بعد بدفعه مقابل توريد الغاز الروسي.
وقوبلت الخطوة بالانزعاج في أوروبا. وقالت الكثير من الشركات إن العقود مع شركة غازبروم تنص على أن يتم الدفع باليورو أو بالدولار الأميركي وليس بالروبل الروسي.
وكشفت الحرب التي شنتها موسكو على أوكرانيا حجم اعتماد الأوروبيين الهائل على الغاز الروسي حيث يواجهون مهمة كبرى متمثلة في استبدال الإمدادات، إذ تزود موسكو القارة بحوالي 150 مليار متر مكعب من الغاز كل عام.
وحتى إذا تبنت دول التكتل حزمة غير مسبوقة من العقوبات، فهي تواصل تمويل روسيا عبر مشترياتها من الطاقة التي لا تستطيع الاستغناء عنها على الأمد القصير جدا.
وتظل خيارات الاتحاد لتقليل الاعتماد على روسيا كمورد رئيسي للغاز محدودة، خاصة في ظل تأخر مشاريع نقل الغاز من بعض دول شرقي آسيا وبطء عمليات تطوير مكامن الغاز الصخري مع تناقص إنتاجية دول شمال أفريقيا من الغاز في الفترة الحالية.
ويدرس الاتحاد إمكانية الحد من استخدام الغاز الروسي مهما كانت التكاليف دون وجود نية لفرض حظر عليه كما فعلت الولايات المتحدة، لكن من المستبعد تحقيق طموحه سريعا.
ويقول الخبير في شؤون الطاقة نيكولا مازوتشي إن تنفيذ قرار الرئيس فلاديمير بوتين بمنع “دول غير صديقة” من دفع ثمن الغاز الروسي بالدولار أو اليورو لا يزال يلفه الغموض.
وأوضح مازوتشي من مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية لوكالة الصحافة الفرنسية أن حقيقة القرار قد تشكل خرقا للعقود المبرمة لكن الصعوبات تتمثل في طريقة تحديد السعر واختيار المصارف الوسيطة.
وحتى الآن في عقود مماثلة لعقد نورد ستريم 1 كانت تقيم كميات الغاز بالدولار لكل ألف متر مكعب، ولكن منذ اللحظة التي تريد فيها روسيا وضع نظام يعتمد على استخدام الروبل، فإنه لا توجد آليات واضحة، ما دفع الأوروبيين إلى اتهام روسيا بأنها تخرق عقود التوريد.
وسيكون واقع التنفيذ صعبا حيث يمكن أن تفرض موسكو على الشركات الأوروبية المرور عبر مصارف محددة، وإذا كان الأمر كذلك لن تعود للمصارف بالضرورة قدرة على ممارسة نشاطها في أوروبا مما يستوجب المرور عبر بلدان ثالثة.

وقد يكون ذلك على أساس كل حالة على حدة، وقد تقوم كل شركة إذا أرادت مواصلة التجارة مع روسيا في مشتقات النفط والغاز بتنفيذ استراتيجيتها الخاصة ومسارها الخاص، ولن يكون هناك بالضرورة نموذج واحد.
ولم يكن اتباع مثل هذه الخطوة مفاجئا لمازوتشي الذي رأى أن العقوبات الروسية المضادة “كنا ننتظرها نوعا ما” كما حصل في العام 2014 ولذلك “فإن موسكو تنفذ في مكان ما عقوباتها المضادة وتضرب في المكان الذي يوجع”.
وخلال سيطرة موسكو على جزيرة القرم فُرضت عقوبات غربية على روسيا التي فرضت بدورها عقوبات مضادة، خصوصا في ما يتعلق بمسائل واردات المنتجات الزراعية المصنعة الأوروبية.
وتعد روسيا مصدرا أساسيا للغاز الطبيعي ومن بين أكبر منتجي الخام في العالم، حيث تصدر زهاء 40 في المئة من الغاز الذي تستهلكه أوروبا والذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب.
وبسبب استمرار الحرب في أوكرانيا التي دخلت شهرها الثاني واصلت أسعار الغاز في أوروبا الارتفاع بشكل جنوني حتى وصلت إلى مستوى تاريخي عند نحو 3300 دولار لكل ألف متر مكعب.
150
مليار متر مكعب من الغاز توردها غازبروم الروسية سنويا إلى الاتحاد الأوروبي
وتستورد ألمانيا نحو نصف احتياجاتها من الغاز الروسي، بينما تحصل فرنسا على ربع إمداداتها فقط من روسيا، وفقا لأحدث البيانات المتاحة، كما أن إيطاليا أيضا من بين أكثر الدول تأثرا في حال وقف الإمدادات بسبب اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة 46 في المئة.
وفي حال نُفذ قرار شراء الغاز بالروبل كما حدده بوتين في غضون أسبوع فسيكون له تأثيران، الأول أنه سيرفع قيمة العملة الروسية بشكل مصطنع لأنه سيدفع إلى تنامي الطلب عليها من الأوروبيين.
أما التأثير الثاني المهم لروسيا فهو أنه سيتيح بشكل أو بآخر تفادي كل أو جزءا من الحظر الأميركي الذي يمكن أن يتمحور حول استخدام الدولار لأن قسما كبيرا من صلاحية القانون الأميركي خارج أراضي الولايات المتحدة يقوم على الدولار.
وقال مازوتشي إنه “من خلال وقف الدولرة فإن هناك محاولة لإزالة القدرة الأميركية على ممارسة ضغوط” على موسكو. وكانت تتمثل قدرة الولايات المتحدة على منع إيران من المتجارة في ظل العقوبات المفروضة بسبب برنامجها النووي في القول “نحن نمنعكم من المتاجرة باستخدام الدولار”.
ولكن موسكو تظهر ندية في استخدام أسلحة الردع الاقتصادية حيث تأمل في الالتفاف على عقوبات معينة بتأكيدها أن التعاملات لم تعد اليوم تتم في عالم النفط والغاز بالدولار ولا باليورو كما هو الحال راهنا.
ورغم مساعي الأوروبيين لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي والاتجاه إلى الولايات لمتحدة، التي قالت إنها ستزود حلفاءها بنحو 15 مليار متر مكعب إضافية من الغاز هذا العام، إلا أن الأمر لن يكون سهلا.
وحتى يتم هدف تغيير المورد الأساسي وهو روسيا، يتوجب على الدول الأوروبية الآن إنشاء خطوط أنابيب جديدة، وهي عملية بطيئة ومكلفة، أو استيراد الغاز السائل عبر المحيط.