موجة إضرابات في تونس.. هل اختار اتحاد الشغل التصعيد مع قيس سعيد

تونس- تعيش تونس على وقع سلسلة من الإضرابات في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والبريد والبلديات وموزعي غاز المنازل، وبدعم مباشر من الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو ما يطرح تساؤلات إن كان الاتحاد قد اختار طريق المواجهة من خلال الإضرابات بعد أن فشلت مساعيه في الحصول على دعم مباشر من الرئيس قيس سعيد لأجل أن يلعب دورا سياسيا في المرحلة القادمة.
وقالت أوساط سياسية تونسية إنه منذ 2012 كانت الإضرابات القطاعية تتم بإشراف ومتابعة من اتحاد الشغل، وهو ما يعني أنه يتبناها، وهي جزء من خطته في التحرك بعد مؤتمره الأخير، وأنه قد يدفع إلى زيادة عدد القطاعات المنخرطة فيها لإظهار قوته بقطع النظر إن كانت تونس، التي تعيش أزمة اقتصادية حادة، قادرة على تحمل أعباء هذه الإضرابات.
◙ هذه الإضرابات، وإن كانت تحمل مطالب اجتماعية، فإنها تهدف إلى اختبار رد فعل الرئيس قيس سعيد
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي أرسل في فترة ما بعد المؤتمر إشارات متناقضة بعضها يشيد بقيس سعيد وبعلاقته بالاتحاد، وبعضها الآخر فيه تهديد بالتصعيد، معتبرة أن الأمر يرتبط بشكل مباشر ببحث الاتحاد عن دور سياسي في المرحلة المقبلة، مثل الإشراف على حوار وطني شبيه بما جرى في 2013، أو إعلان الرئيس لـ”خارطة طريق” الاتحاد التي سبق أن أعلن عنها قياديون في المنظمة لإخراج البلاد من أزمتها.
واعتبرت هذه الأوساط أن هذه الإضرابات، وإن كانت تحمل مطالب اجتماعية، فإنها تهدف إلى اختبار رد فعل الرئيس قيس سعيد، وهل أنه سيقبل بإشراك الاتحاد في السلطة ولو في صورة الداعم السياسي، أو أنه سيمضي في تنفيذ خططه بشكل مستقل ويقطع الطريق على التدخلات من أيّ جهة كانت بما في ذلك اتحاد الشغل.
وأحدث الإضراب المفتوح الذي بدأه الاثنين موزعو قوارير الغاز المنزلي أزمة حادة في البلاد، خاصة في المناطق الداخلية التي لا تعتمد على شبكات الغاز المنزلي، وهو ما كشفت عنه شكاوى الناس على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت وزارة الصناعة والمناجم التونسية إنها قد استجابت للاتفاقات السابقة المتعلقة بزيادة هامش الربح، لكن النقابات تطالب بشروط أخرى.

اقرأ أيضا: الشعب يريد.. والنخب السياسية تفعل ما تريد
وبالتوازي، بدأ عمّال البريد إضرابا يمتد لثلاثة أيام (الثلاثاء والأربعاء والخميس)، والسبب هو تمسك الإدارة “بتطبيق المنشور عدد 20، الذي يمنع الوزراء وكُتّاب الدولة والمديرين العامين والرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية من التفاوض قبل الترخيص لهم من رئاسة الحكومة”.
ويتزامن هذا الإضراب، وهو الثاني خلال ثلاثة أشهر، مع صرف رواتب موظفي القطاع العمومي وجرايات المتقاعدين والمنح التي توجهها الدولة إلى الفئات الفقيرة.
ودخل قطاع البلديات (المحليات) إضرابا لمدة ثلاثة أيام ابتداء من يوم الأربعاء، وينتظر أن يقود إلى أزمة جديدة في مجال رفع الفضلات، وهي أزمة باتت شبه دائمة في ظل تعدد الإضرابات بشكل جماعي أو على مستوى كل بلدية.
وألقى مراقبون باللائمة على اتحاد الشغل بسبب إطلاق أيدي النقابات للتحرك بشكل جماعي واعتماد إضرابات ستزيد من معاناة التونسيين، في ضوء أزمة عامة تتعلق بارتفاع الأسعار، ونقص المواد الأساسية الناجم عن أزمات خارجية.
ومنذ نهاية 2021، تسجل أسواق التجزئة في تونس نقصا في العديد من المواد، مثل الزيت النباتي والسميد (الطحين) والسكر والأرز، وإن وجدت فيجري تحديد كمية معينة لكل مواطن.
ويرى المراقبون أن النقابات تضغط على الحكومة لتنفيذ اتفاقيات كانت أبرمت في ظل حكومات سابقة، وذلك تحت ضغط الاتحاد والتلويح بالإضرابات، وهو أمر لم تعد الحكومة الحالية قادرة على الإيفاء به بسبب الأزمة العامة، معتبرين أنه لا مجال لزيادات في الرواتب قبل الخروج من الأزمة الحادة التي تعيشها تونس.
ويقول هؤلاء المراقبون إنه لا يمكن تحميل الحكومة مسؤولية الأزمة الحالية، وعلى الاتحاد الذي يعترف بنفسه بأن الأزمة مست من القدرة الشرائية للتونسيين، أن يدعم الجهد الحكومي بدلا من وضع العصا في العجلة، وحتى لا يتهم بلعب دور سياسي في خدمة المعارضين لقيس سعيد وعلى رأسهم حركة النهضة.

◙ اتحاد الشغل أطلق أيدي النقابات للتحرك بشكل جماعي واعتماد إضرابات ستزيد من معاناة التونسيين
وقال الطبوبي الثلاثاء إن “كل المؤشرات الاقتصادية تدل على تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين”.
وأضاف “نحن دعاة حوار يفضي إلى مخرجات حقيقية، ومصداقية التفاوض مسألة أساسية وأكثر من ضرورية”.
لكن إعلان الاتحاد استعداده للتفاوض طالما ارتبط بمجموعة من اللاءات من بينها معارضته للإصلاحات الاقتصادية “المؤلمة” التي تطالب بها الجهات الدولية المانحة.
وقال الطبوبي منذ أسبوع إن “الشركات العامة ليست للبيع والقطاع العام خط أحمر.. الإصلاحات الموجعة انسوها”. ودعا إلى زيادة الأجور في العام الجاري والعام المقبل.
ويعتقد مراقبون تونسيون أن إعلان الطبوبي اعتراضه على الإصلاحات الاقتصادية التي تطلبها المؤسسات المالية الدولية كخطوة ضرورية لتمكين تونس من التمويل اللازم فيه إشارة واضحة إلى أن الاتحاد يريد أن يكون شريكا في إصلاح المؤسسات الحكومية ويرفض التخفيض في أعداد الموظفين بها لأن ذلك يمسّ من مكاسبه وعائداته المالية، وأن قيس سعيد لم يمنحه صفة الشريك في الإصلاحات.
ويُنظر إلى موافقة الاتحاد على أنها حيوية لأيّ جهد من جانب السلطات التونسية لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها المانحون الأجانب مقابل حزمة إنقاذ مالي لتجنب أزمة تلوح في الأفق تهدد بإفلاس تونس.