"نوعدك ما تطلقي".. عنف مغلف بالدعابة يثير الجدل في الأردن

مستخدمو مواقع التواصل يضغطون لمكافحة تنميط صورة المرأة في الإعلانات.
الخميس 2022/03/24
التطبيع مع العنف يبدأ بمزحة

تلعب الإعلانات في الدول العربية دورا كبيرا في نشر العنف المغلف “بالدعابة” و”الإفيه المضحك”، في وقت بدأ فيه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي يرفضون تكريس هذه الصورة النمطية والتوعية بخطورة هذا الأمر وضرورة مجابهته.

عمان - دشن مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن حملة لمقاطعة علامة تجارية لمادة الأرز، بعد نشر إعلان ترويجي، اعتُبر ”مسيئا للمرأة والرجل على حد السواء“، وأثار جدلا في البلاد.

وانتشرت صور ومقاطع فيديو، لإعلان يغطي بعض حافلات النقل العام في عمّان، لعلامة تجارية تختص بالأرز البسمتي تحت شعار “نوعدك ما تطلقي”، في ربط بين جودة الأرز واستقرار الحياة الزوجية.

ولم تنشر الشركة هذا الإعلان على الصفحة التي تحمل اسم المنتج، على موقع فيسبوك، إلا أن الصفحة نشرت مقطع فيديو مأخوذا من برنامج تلفزيوني صباحي، مشهور في الأردن، أثناء الترويج لمنتج ”أرز أسامة“.

ويعلن المنتجون في العالم كله عن سلعهم وخدماتهم مستخدمين في الغالب صورة المرأة لتمرير “رسالتهم”. وكثير من الإعلانات التجارية تعتمد هذا الطريق الأسهل لتقديم المنتجات بشكل يعتبرونه مغريا. ووسط العدد الهائل من اللوحات الإعلانية في الشوارع والوصلات التجارية عبر التلفزيونات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يخلو بعضها من إثارة الجدل، سواء في البلدان الغربية أو العربية، بسبب المشاهد أو الشعارات التي يرى فيها العديد حطا من مكانة المرأة أو تلك التي تكرس صورا نمطية.

وتصور المرأة غالبا في الإعلانات سعيدة بقميص زوجها الذي استعاد بياضه الناصع وأرضية منزلها اللامعة بفضل هذا المنتج أو ذاك وطفلها الذي يلطخ قميصه الرياضي بوحل الملعب وهي غير غاضبة لأن عندها المنتج “المعجزة” وآلة الغسيل “الرائعة”… وغيرها من المشاهد التي تحصر المرأة في دور ربة البيت والأم والزوجة.

وأثار الإعلان، الذي انتشرت صوره بشكل واسع بين الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ردود فعل مستاءة ورافضة لهذا النوع من التسويق ضمن هاشتاغ #مقاطعة_أرز_أسامة.

ووصفت جمعية ”تضامن“ النسائية الأردنية هذا النوع من الإعلانات بأنها ”ظاهرة مسيئة للنساء والمجتمع بأسره، ومسيئة لمنظومة الزواج والأسرة في مقاربة تهين مشاعر النساء والرجال على حد السواء وتستهتر بالقيم والروابط الأسرية وتهدد استقرارها“.

وطالبت الجمعية في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني بإزالة إعلان أرز أسامة ”فورا، ومحاسبة القائمين عنه، باعتباره مخالفا للقوانين المنظمة للإعلانات في الأردن ومخالفا أيضا ‘للاستراتيجية الوطنية للمرأة’ التي تهدف إلى مجابهة المفاهيم النمطية لأدوار النساء والرجال” ونوهت إلى أنه ”على الرغم من وجود تشريعات وسياسات في الأردن تنظم الإعلانات، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تتضمن بشكل واضح حساسيتها للنوع الاجتماعي، كما أن الجهات المختصة لم تتلق أي شكاوى حول إعلانات مسيئة للنساء“، بحسب ما جاء في البيان.

وطالبت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة سلمى النمس بمقاطعة منتج ”أرز أسامة“.

وقالت النمس عبر تويتر:

وندد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن بالإعلان ودعا بعضهم إلى مقاطعة الشركة المنتجة.

وتعددت أسباب الهجوم على الإعلان وأصحابه، إذ رفضه من رأى فيه إهانة للمرأة بأشكال مختلفة بدءا بالتنميط وربط قيمتها ودورها في حياة أسرتها بالطبخ باعتباره “واجبها” و”شرط قبول الرجل لها زوجة”. وهي الصورة النمطية التي تعمل منظمات وأفراد جاهدة منذ سنوات على محاربتها ومحوها من وعي المجتمع أو لاوعي أفراده ليرتقي إلى معاملة المرأة معاملة فرد من المجتمع بغض النظر عن الجنس أو التصنيف الجندري لا على أساس أي دور مسند لها في الحياة بحكم العادات والأعراف.

ورأى فيه الرافضون له إهانة للرجل الذي يصوره الإعلان منساقا وراء “بطنه” يحكّمه في قرارات مصيرية في حياته وحياة أسرته.

واعتبره آخرون مهينا لقيم الحياة الأسرية وللعائلة بشكل عام إذ يشير في معناه إلى أن الحياة الأسرية مرتكزة على إجادة المرأة للطبخ أو رضا زوجها على مذاق ما تصنعه من أكل.

واتفق كثير من المتفاعلين مع الموضوع على أن الإعلان يضم كل ما سبق.

وليس من الواضح بعد إذا ما كان منتجو الإعلان قد غفلوا عما يحمله شعار حملتهم من معان أو أنهم تعمدوا إثارة الجدل متبعين مبدأ “الدعاية السيئة هي دعاية جيدة” أي أن الجدل والهجوم على الإعلان متوقعان ومقصودان لزيادة التعريف بالمنتج.

وكانت المخرجة والمدونة ولاء حمدان قد نشرت تعليقا على تويتر تقول فيه إنها اتصلت بالشركة المسؤولة عن المنتج وإن الموظف الذي أجاب على اتصالها قال إنه يرى الأمر “نكتة عادية غير مؤذية” وتعهد بمراجعة الإدارة في الأمر.

وقد كان هذا أيضا منطلق دفاع بعضهم عن الإعلان وهو أنه أسلوب معتمد في الدعاية يقوم على السخرية والفكاهة ولا يرى فيه كثيرون ضيرا باعتباره “مزاحا لا تقصد به إهانة”.

وقال الإعلامي الأردني نضال منصور:

وقالت الناشطة ديما علم فراج:

وفي علاقة بوضع المرأة في المجتمع وصراعها مع التمييز والعنف المسلط ضدها، تلعب السخرية دورا في تخفيف خطورة إهانة المرأة والتمييز ضدها وتعنيفها في الأذهان وتسهم في ترسيخ العنف في العقول كأمر عادي شائع لا ضير فيه. وقالت مغردة:

@hiba_albalawneh

للأسف في امرأة بمصر قبل فترة زوجها قتلها عشان بهارات الدجاج (الله يرحمها ويغفرلها) مش عارفة كيف قادرين ياخدوا هاي المواضيع بمزح مقرف زيهم #قاطعوا_أرز_أسامة.

واعتبر مغرد:

@HasanAmman

بما أن العنف الأسري والصورة النمطية للمرأة شيء لا يضحك ولا يجب الترويج له بالإعلانات. #مقاطعة_أرز_أسامة.

وكتبت معلقة:

@samarshaqar

الاستهزاء بمشاكل وقضايا المرأة بعيد كل البعد عن أي شكل من أشكال الكوميديا والتنكيت! #مقاطعة_أرز_أسامة #قاطعوا_أرز_أسامة.

وهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون حتما آخر مرة، يرد فيها بعضهم على الاتهام بإهانة المرأة بـ”حجة” أن “الأمر مجرد مزاح”.

وكثير من المزاح ما هو في الحقيقة إلا تطبيع.

ومنذ سنتين ثار جدل مشابه لجدل إعلان الأرز في الأردن بسبب حملة دعاية لسيارة اتهم أصحابها أيضا بإهانة المرأة وتسليعها. واستخدمت هذه الحملة الدعائية صورة نمطية راسخة في عقول كثيرة منذ زمن تربط المرأة والسيارة وهما في إطار هذه الصورة ملكيتان خاصتان للرجل. وهذه الصورة كانت وراء إعلانات كثيرة لسيارات تكون بطلاتها بجانب السيارات نساء وبدرجات فجاجة متفاوتة تتحول المرأة في الصورة إلى سلعة تماما كالسيارة المسوّقة.

وتقوم الإعلانات والدعاية على تنميط المرأة وتسليعها واستغلالها جسديا لا تقتصر فقط على مجتمعات عربية مازال طريق المرأة فيها للمساواة طويلا وإنما هو أيضا أمر مازال شائعا في مجتمعات “أكثر تقدما” في هذا المجال. وقبل ثلاث سنوات أثار إعلان تجاري لشركة سيارات فولكسفاغن الألمانية جدلا في فرنسا في الأيام الأخيرة. وتظهر فيه صورة لسيارة ذات الدفع الرباعي من إنتاج هذا المصنع الألماني مع شعار إعلاني باللغة الفرنسية “افعل ما بوسعك ليكون عشيق زوجتك هو أنت”.

هذا الإعلان موجه للرجال باعتبار أن محبي السيارات الكبيرة هم الرجال، ولكنه مع ذلك يستخدم المرأة أداة للترويج من دون أن يلجأ لفتاة إعلانات. ويقرأ العديد في هذا الشعار صورة المرأة “الطماعة” وضمنا “الخائنة” التي تحب الرجل الذي يملك سيارة رباعية الدفع ومن إنتاج هذه الشركة وليس هناك أمام الزوج سوى شراء هذه السيارة ليضمن ألا تخونه زوجته مع رجل آخر يملكها.

وتواصل المرأة نضالها لكي يُنظر إليها كإنسان وليس كأداة. وفيما تثور حفيظة الحركات النسائية والحقوقية المناهضة للتمييز تجاه المرأة ضد الإعلانات ذات المضمون المسيء للنساء، تواصل الكثير من الإعلانات التجارية تكريس صورة نمطية تعكس فكرا مجتمعيا مازال لا يرى في المرأة كائنا مساويا للرجل في الحقوق والواجبات.

16