الحرب الأوكرانية تعمق الأزمة السياسية في ليبيا

حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها ترفض تسليم السلطة للحكومة الجديدة بحجة أنه يجب أن تُشكّل بعد إجراء انتخابات.
الأربعاء 2022/03/23
شبح المواجهة لا يزال يخيم على ليبيا

طرابلس - أرخت الحرب الأوكرانية بظلال كثيفة على الوضع في ليبيا في ظل رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة لرئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا.

ومع تركّز أنظار العالم على الحرب في أوكرانيا، تخشى أطراف دولية من أن يؤدي المأزق الحالي في ليبيا إلى تصعيد ومعارك جديدة في البلاد.

وشهدت ليبيا منذ إسقاط نظام معمر القذافي في 2011 فوضى ناتجة عن انقسامات ونزاعات على السلطة، وتصاعد نفوذ مجموعات مسلحة وتدخلات خارجية.

وفي مارس 2021، شُكّلت حكومة انتقالية برئاسة الدبيبة بعد حوار في إطار ملتقى الحوار السياسي الليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف السويسرية، وحدّدت لها مهمّة بتولي المرحلة الانتقالية حتى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر الماضي، لكن الحكومة فشلت في تنفيذ هذه المهمة، ما دفع البرلمان إلى التحرك.

مع تركّز أنظار العالم على الحرب في أوكرانيا تخشى أطراف دولية من أن يؤدي المأزق الحالي في ليبيا إلى تصعيد جديد في البلاد

وفي بداية مارس، منح مجلس النواب في طبرق حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا الثقة، لكن حكومة الدبيبة ترفض تسليمها المؤسسات في طرابلس بحجة أن الحكومة الجديدة يجب أن تشكّل بعد إجراء انتخابات. وبذلك، تجد ليبيا نفسها مرة أخرى، كما بين 2014 و2021، بين سلطتين متنافستين، ما يعيد شبح الاقتتال.

وشكّل باشاغا حكومته بعد تحالفه مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، إثر محادثات أجراها الرجلان في بنغازي.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعات ليبيا خالد المنتصر أن فرصة "الحوار السياسي" تظلّ ورقة ممكنة بين الفرقاء عبر تقديم بعض "التنازلات".

واحتشدت مجموعات مسلحة موالية لباشاغا في ضواحي غرب طرابلس وشرقها مطلع الشهر الجاري، ما أثار مخاوف من وقوع اشتباكات مع المجموعات الموالية للدبيبة.

وبعد أقل من 24 ساعة، أعلن باشاغا سحب المجموعات المسلحة المحتشدة، إثر دعوات إلى التهدئة من الأمم المتحدة وواشنطن تحديدا، مؤكدا استعداده للحوار، ومطمئنا سكان طرابلس بأنه "لن تكون هناك حرب".

ويقول المحلل السياسي فرج الدالي إن الخلاف بين الحكومتين أظهر نوعا من التضامن الدولي تجاه الأزمة الليبية، رغم استمرار تركيز القوى الدولية على المعارك التي تدور رحاها في أوكرانيا.

ويضيف "واشنطن والبعثة الأممية تقودان بوتيرة عالية مفاوضات بين الدبيبة وباشاغا، ما يدلّ بشكل قاطع على عدم رغبة المجتمع الدولي والولايات المتحدة في رؤية مشهد الحرب يتكرّر في ليبيا، خصوصا مع التطورات العالمية المرتبطة بالحرب الروسية - الأوكرانية".

وتحرّكت الولايات المتحدة لمنع صدام مسلح بين الحكومتين، ويقول مراقبون إنها نجحت في ذلك، بعد تراجع المجموعات المسلحة التي احتشدت في محيط العاصمة الليبية.

وقال سفير واشنطن في ليبيا ريتشارد نورلاند إنه أجرى محادثات هاتفية مع باشاغا والدبيبة الخميس في اليوم الذي شهد تحركات عسكرية حول طرابلس.

وأثنى في تغريدات عبر تويتر على استعداد باشاغا "لنزع فتيل التوتر، وسعيه إلى حل الخلافات من خلال التفاوض وليس بالقوة".

الخلاف بين الحكومتين أظهر نوعا من التضامن الدولي تجاه الأزمة الليبية رغم استمرار تركيز القوى الدولية على المعارك التي تدور في أوكرانيا

ويشير الدالي إلى أن الأمم المتحدة تدرك جيدا بأن "الخلاف القائم بين الحكومتين، يمكن حله عبر التفاوض ومنح كل طرف مكاسب، وبالتالي خيار الحوار ربما يكون متفوقا على خيار الحرب".

ويعتبر أن "المجتمع الدولي على يقين بأن الدبيبة وباشاغا مستعدان للحوار، لكن بشروط تضمن تواجدهما في السلطة، وبالتالي لن يكون هناك عائق أمام التسوية، والمتبقي تفاصيل وخارطة سياسية تجعل التنازل مقابل مكاسب محددة قابلا للتطبيق".

وعقد مجلس الأمن اجتماعا الأسبوع الماضي حول ليبيا، التزمت خلاله القوى الكبرى والأمم المتحدة حذرا كبيرا حيال الأزمة السياسية التي تهز البلاد، من دون أن تنحاز لأي من الطرفين، باستثناء روسيا التي أعلنت صراحة دعمها لباشاغا.

ويبدو أن هناك عوامل ترجّح كفة باشاغا، حيث أشارت مصادر ليبية في وقت سابق لـ"العرب" إلى أن النفط من بين هذه العوامل، وذلك بعد ما طالبت فعاليات في شرق البلاد بمغادرة الدبيبة السلطة، وهدّدت الأسبوع الماضي بإغلاق موانئ النفط في الشرق.

وتسعى الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى زيادة إنتاج الغاز والنفط في العالم، لتجنّب أزمة نتيجة توقف الإمدادات الروسية بسبب الحرب والعقوبات.

ويقول الخبير في شؤون ليبيا ولفرام لاتشر في معهد "أس دبليو بي" الألماني للأبحاث في العلاقات الدولية، "مثل هذا الحصار سيخدم بالتأكيد مصالح روسيا لأنه سيرفع أسعار النفط أكثر".

وتقول الخبيرة القانونية والأستاذة الجامعية إيمان جلال "بالرغم من تراجع رئيس الحكومة باشاغا عن خياره العسكري لدخول طرابلس، إلا أن ذلك لا يعني عدم إعادة الكرة مستقبلا. في حال استمرت حالة الجمود السياسي (..)، قطعا لن يرضى باستمرار إبعاد الدبيبة له عن مركز القرار السياسي في العاصمة".

ويرى خالد المنتصر أن الحكومة الجديدة تمتلك خيارين: إما القوة العسكرية لإزاحة حكومة الدبيبة، وإما التفاوض والحوار السلمي.

4