انتخابات محلية في الأردن بلا آمال في التغيير

لا ينتظر الأردنيون من الانتخابات المحلية الثلاثاء تغييرا في واقعهم، في غياب برامج اقتصادية واجتماعية قادرة على تحسين أوضاعهم، وفي ظل سيطرة الوازع العشائري الولائي على توجهات الناخبين وافتقار المرشحين إلى برامج قادرة على معالجة مشاكلهم.
عمان – يتوجه الأردنيون الثلاثاء إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية والمحافظات وأمانة العاصمة، في انتخابات تتسم حملات مرشحيها الدعائية بطابع عشائري بعيدا عن الخطط والبرامج، وسط مقاطعة من قبل الإسلاميين.
وتتوقع دوائر أردنية نسبة عزوف مرتفعة، ما يكرس مناخ عدم ثقة الأردنيين في هيئاتهم المنتخبة.
ويعزو مراقبون ارتفاع نسبة عزوف الأردنيين عن العملية الانتخابية إلى أنهم لا ينتظرون من الانتخابات التغيير وتبديل واقعهم نحو الأفضل في ظل المنافسة على مناصب منزوعة الصلاحيات تسيطر عليها العشائر.
ووفق دراسة نشرها مركز راصد (غير حكومي) حول توجهات الأردنيين بشأن الانتخابات المحلية لا ينوي 60.9 في المئة من الأردنيين والأردنيات المشاركة في الانتخابات.
عامر بني عامر: مقاطعة الإسلاميين لن تؤثر على نسبة التصويت
ويقول مدير مركز “هوية” محمد الحسيني إن فقدان الأمل وانعدام الإيمان بقدرة المنتخَبين على التغيير من الأسباب الرئيسية التي تدفع الأردنيين إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات.
وكان مجلس الوزراء قد حل مجالس المحليات في مارس 2021 تمهيدا لانتخابات جديدة، بعد أن أكملت مدتها القانونية وهي 4 سنوات.
وينص قانون المحليات الأردني على أن عمر المجالس البلدية 4 أعوام، تبدأ من يوم إعلان النتائج، فيما تجرى الانتخابات خلال 6 أشهر من تاريخ الحل، إلا أنه تقرر في سبتمبر الماضي تأجيلها 6 أشهر أخرى بسبب عدم الانتهاء حينها من تعديلات على قانون الانتخاب.
وجرت الانتخابات المحلية الأخيرة بالأردن في الخامس عشر من أغسطس 2017 بالتزامن مع الانتخابات اللامركزية التي شهدتها البلاد للمرة الأولى بعد إقرار قانون خاص لها عام 2015.
وفي جميع محافظات المملكة الـ12 يبلغ عدد مقاعد المحليات ألفا و325 مقعدا، منها 100 لمنصب رؤساء البلديات و918 لأعضائها و279 لمجالس المحافظات و28 لعضوية أمانة العاصمة عمان.
وبحسب أرقام الهيئة المستقلة للانتخاب (حكومية) يتنافس على مقاعد المحليات 4 آلاف و646 مرشحا، 3 آلاف و801 ذكورا و845 إناثا، يتوزع مجملهم على 106 لعضوية مجلس أمانة عمان و519 لرئاسة المجالس البلدية و3 آلاف و5 لعضوية البلديات و1016 للمحافظات.
ويقول عامر بني عامر، مدير مركز راصد (غير حكومي، يهدف إلى الرقابة على الانتخابات وأداء الحكومة والبرلمان) “بينت دراسة مركز راصد أن 51 في المئة من الشباب الراغبين في التصويت في هذه الانتخابات سيحتكمون إلى الانتماء العشائري في سلوكهم التصويتي، بصرف النظر عن مؤهلات المرشح أو برنامجه الانتخابي إن وجد”.
وتلعب العشائرية في الأردن أدوارا إضافية إلى جانب أدوارها المجتمعية الرئيسية، فهي تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية، وتعزز حضورها لتهمش الأحزاب والقوى السياسية.
وتأتي انتخابات المحليات في وقت يناقش فيه البرلمان الأردني توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وإقرار قانون انتخابي جديد تكون فيه الكلمة العليا للأحزاب السياسية، وهو ما تعتبره العشائر تهميشا لوزنها ومسعى لتحجيم نفوذها.
ويراهن الأردنيون على القوانين الجديدة، إن تم إقرارها، من أجل تحديث المناخ السياسي وانفتاح أكبر على الأحزاب تمهيدا لحكومات برلمانية أساسها الأحزاب السياسية لا المباركة العشائرية.
ويريد الأردنيون صلاحيات أكثر لهيئاتهم المحلية المنتخبة لا هيئات تزكيها السلطة حسب الولاءات العشائرية.
ويسيطر على أغلب المجالس المحلية في المحافظات الأردنية العجز، في ظل انهيار البنية التحتية مع تفشي البطالة وسط غياب المشاريع المنتجة، إضافة إلى أن أغلب المرشحين يبحثون عن الوجاهة الاجتماعية، ما يجعل الأمل في التغيير مفقودا.
وفي السادس والعشرين من يناير الماضي أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) تعليق مشاركته في انتخابات المحليات، وعزا الأمر إلى “تراكم الممارسات السلبية من الجانب الرسمي، واستمرار نهج الإقصاء والتضييق والاستهداف السياسي، بما يقوض البيئة المناسبة للمشاركة السياسية”.
وقال مراد العضايلة، الأمين العام للحزب، “الحقيقة أن أي عملية سياسية أو انتخابية يجب أن تترافق مع مناخ يتناسب معها”، مشيرا إلى أن “قرار التعليق كان مرده أن البلاد تتجه نحو المزيد من القبضة الأمنية على الحياة المدنية”.
وتؤكد دوائر سياسية أردنية أن مقاطعة الإسلاميين للانتخابات لن تؤثر على نسبة التصويت وزخمه.
وذكرت الدوائر أن الإسلاميين يسعون من خلال المقاطعة لتحقيق أهداف سياسية أبرزها استثمار زخم تحديث المنظومة السياسية في الأردن لإعادة التموقع وتجنب انتكاسة انتخابية في المحليات تضاعف عزلتهم بعد خسارتهم المدوية في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر 2020.
وحصل الإسلاميون في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في نوفمبر 2020 على 6 مقاعد ضمن التحالف الوطني للإصلاح، من أصل 130 مقعدا يتألف منها البرلمان.
ومنيت جماعة الإخوان المسلمين بانتكاسة جديدة، حيث فشلت في تسجيل حضورها ضمن أيّ من اللجان النيابية الخمس عشرة، وبالتالي باتت عمليا خارج المعادلة البرلمانية.
الأردنيون يريدون صلاحيات أكثر لهيئاتهم المحلية المنتخبة لا هيئات تزكيها السلطة حسب الولاءات العشائرية
ويعد البرلمان المنفذ الوحيد لجماعة الإخوان من خلال وجود نواب لذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن الوضع تغير، ولم يعد لهذا الحزب اليوم أيّ تأثير نيابي، فضلا عن القرارات القضائية التي تلاحق الجماعة مطالبة بحلها.
ويرى مراقبون أن مقاطعة الإسلاميين للانتخابات المحلية تحمل في طياتها هدفين استراتيجيين: أولهما تجنب خسارة انتخابية جديدة بعد انتكاسة الانتخابات التشريعية الفارطة وثانيهما انتظار ما ستسفر عنه تحديثات المنظومة السياسية وما إذا كانت ستوفر لهم فرصة جديدة لإعادة التموقع، في وقت يحذر فيه سياسيون أردنيون من أن اعتماد مبدأ “الكوتا” في القانون الانتخابي الجديد يخدم الجماعة.
ووصفت دوائر أردنية تبريرات الإسلاميين لمقاطعة الانتخابات المحلية بالواهية كونها لا تعدو أن تكون استباقا لتفادي تكرار الخسارة التي لحقت بهم في الانتخابات التشريعية الماضية، بعد انحسار شعبيتهم بشكل حاد داخل المجتمع الأردني.
وأشارت تلك الدوائر إلى أنه لم يعد للإسلاميين سوى التشكيك في نزاهة الانتخابات المحلية لحفظ ماء الوجه.
واعتبر بني عامر أن “مقاطعة الإسلاميين لن تؤثر بشكل كبير على نسبة التصويت، فالزخم التصويتي لأنصارهم لم يتجاوز 100 ألف ناخب في الانتخابات الأخيرة”.
وأضاف “أعتقد أن الإخوان ينتظرون إقرار حزمة الإصلاحات كاملة ليرسموا طريق مشاركتهم السياسية عامة في كل مستويات العملية الانتخابية بالدولة”.
ورأى بني عامر أن “قرار التعليق جاء انتظارا منهم لتكتمل صورة المشهد السياسي خلال الأشهر القادمة. الإخوان ومرشحوهم لو بقوا سيتأثرون بمجمل التراكمات السلبية في العملية السياسية الحالية، وبالتالي لن يحققوا نتائج لافتة يمكن أن يحدثوا من خلالها أي تغيير”.