فيلم "الممزق".. استدراج مميت لرجل أعمال ينتهي بكارثة

تبدو قصص الجريمة والشخصيات السايكوباثية علامة فارقة ومميزة في مسار الدراما الفيلمية لقدرتها على اجتذاب المزيد من الجمهور وكونها تفتح أفقا للتشويق وتوقع المفاجآت والاندماج مع الشخصيات الاستثنائية التي تشكل علامة فارقة في هذا النوع من الأفلام الذي ينتمي إليه فيلم “الممزق”.
يقدم لنا فيلم “الممزق” للمخرج الإسباني لويس بريتو تلك الوصفة المعهودة لفيلم الإثارة الذي نترقبه بكل ما يختزنه من مفاجآت وتحولات، لاسيما وأنه يرسم شخصياته ومساره السردي بكثير من الحرفية المعهودة في النموذج الهوليوودي لهذا النوع من الأفلام، وخلال ذلك هنالك مساحة مديدة للتوقع والمفاجآت غير المتوقعة والتحولات في مسار الشخصيات.
وهنا سوف نتوقف عند كريس ديكر (الممثل كاميرون موناغان) وهو الشخصية الرئيسية في هذه الدراما الفيلمية، فهو الشاب الثري المتخصص ببرامج الحماية الأمنية باستخدام التقنيات الحديثة وهو يعيش في ضاحية معزولة وحيدا بعد مباشرته إجراءات الطلاق من زوجته جامي (الممثلة ساشا لوس) فهو على خلاف معها ولم يعد يربطهما سوى طفلة يجري تنظيم زيارة لها لوالدها بين حين وآخر.
البناء البوليسي ودراما الجريمة سوف تترتب عليهما الكثير من المفاجآت والمواقف غير المتوقعة فضلا عن الشد والترقب
على الجانب الآخر هنالك الفتاة سكاي (الممثلة ليلي كروغ) التي تعمل نادلة في مطعم وتعيش في تلك الغرف الصغيرة في نزل بصحبة صديقتها ليزا (الممثلة اش سانتوس) وهما تمثلان الخط الموازي لشريحة اجتماعية مقابلة تعيش على الهامش وتعاني من العديد من المشكلات والتحديات بما يقرب الفتاتين من بعضهما ويجعل لدى كل واحدة منهما ما توفر من الدعم النفسي للأخرى خاصة أن ليزا تعاني من العديد من الاضطرابات النفسية التي تجعلها رهينة علاقتها مع سكاي.
السقوط في الفخ
وفق هذا المسار يمكن أن تنبثق لحظة يلتقي فيها كريس مع سكاي بشكل ما وتنشأ بينهما صداقة ابتداء من منتصف الليل، وهو الوقت المناسب بالنسبة إليه للتسوق، ليجد سكاي في ذات الوقت وهي إشارة مباشرة لفكرة العزلة التي تعبر عنها شخصية كريس في انعزاله من جهة واحتياطه الأمني من جهة أخرى.
من هذا المسار السردي المستجد سوف تنشأ العلاقة الجديدة بين كريس وسكاي، لاسيما أن هذا النوع من العلاقة يكون قد ملأ فراغا عاطفيا ما يعاني منه كريس بعد إجراءات طلاقه، لكنه في المقابل يبالغ في رد فعله ومنح الثقة العشوائية للفتاة التي لا يشك في براءتها، ولهذا تتمكن من التغلغل حتى في النظام الأمني الذي يعتمده في منزله المصمم على أساس الذكاء الاصطناعي.
ربما لا يتاح لجمهور المشاهدين حيز من التوقع السلبي نظرا إلى البراءة التي تنضح بها ملامح سكاي وعدم التوقع أنها قاتلة محترفة ومتآمرة خطيرة، وهي فرضية تبدو أقرب إلى الخيال، لكن ذلك ما سوف يكون ساعة أن يسقط كريس في ذلك الفخ غير المتوقع والذي ما يلبث أن يدفع ثمنه لاحقا.
وفي مشهد مصنوع بعناية ويندرج في تلك اللقاءات الروتينية بين سكاي وكريس سوف يسألها عن صديقتها ليزا لتخبره بكل برود فيما هي تلتهم الطعام قائلة إنها قد قامت بتصفيتها، ومن هنا تشتعل شرارة الحرب بينهما، ويكون كريس خلال ذلك قد تمت تهيئته بكسر ساقه من طرف شخص تابع لها وهي مفاجأة أخرى إضافية بل صدمة تفتح مسار الدراما إلى ذروة المواجهة.
تحول درامي
أتاح هذا النوع من المعالجة والبناء الدرامي للمخرج وكاتب السيناريو أن يشتغلا على الكثير من الحبكات الثانوية التي عززت البناء البوليسي ودراما الجريمة وهو ما سوف تترتب عليه الكثير من المفاجآت والمواقف غير المتوقعة فضلا عن الشد والترقب.
ومن ذلك مثلا المحاولات المتكررة من طرف كريس للخروج من ذلك الطوق الذي يمثل النظام الأمني للمنزل والذي صنعه بنفسه، ليتحول إلى عائق أمامه للفرار، لكن حتى وهو يقوم بتلك المحاولة فإنه سوف يصادف من ينقذه في الطريق وعلى أمل أن يوصله إلى مركز الشرطة لكن ذلك المنقذ لن يكون إلا سيباستيان (الممثل فرانك غريلو) زوج أم سكاي الذي سوف يكمل المهمة في ترويع كريس وخلال ذلك انتزاع ثروته تحت التعذيب، وهي الأجواء الكافية التي سوف تتكشف من خلالها الشخصية الإجرامية الخطيرة لكريس لكونها مجرد فتاة شبه متشردة تعاني من علل نفسية واجتماعية من جراء حياة في أسرة مفككة وأطماع لا تكاد تنتهي.
في المقابل هنالك دور رونالد صاحب النزل (الممثل جون مالكوفيتش) وهو دور على بساطته إلا أنه بدا مكملا لتك الدراما لاسيما وأنه دائم التلصص على الفتاتين وهو ما سوف يساعده لاحقا في اكتشاف الناظور المقرب الذي اتضح في ما بعد أن سكاي كانت تراقب من خلاله كريس وتعلم كل التفاصيل عن حياته اليومية وهو ما أتاح لها النفاذ من خلال ثغرة الفراغ العاطفي وتوقيت مجيئه لغرض التسوق وافتعال لقاء التعارف معه لكن المفارقة أن تكون ابنته الصغيرة هي المنقذة لوالدها بإطلاق رصاصة النهاية التي سوف تقتل سكاي وهو تحول درامي لم يكن متوقعا.