الهوا هوايا

ضاعت حقائبي بين مطارين؛ القاهرة وعمان. فصرت أتمنى لو أنني فعلت أشياء من أجل أن أمنع ذلك الحدث الذي حرمني من الكتابة. ذلك لأنني وضعت شاحنة الحاسوب في تلك الحقائب بدلا من أن أرفقها مع الحاسوب في حقيبته.
ذلك خطأ صار التخلي عنه واحدة من تلك الأمنيات.
ماذا لو أنني منعت موظفة شركة الطيران من إرسال الحقائب الضائعة مباشرة إلى عمان وأجبرتها على أن ترسلها إلى الترانزيت لأستلمها ومن ثم أسلمها مرة أخرى؟
تلك أمنية صرت أفكر فيها مع أنني كنت أعرف أنها لم تكن قابلة للتنفيذ.
ومع كل تلك الأمنيات المستحيلة كانت أغنية حليم “الهوا هوايا” تطرق رأسي بحيث أعدت التفكّر في ما كنا عليه يوم ذاع صيت تلك الأغنية التي اعتبرت جزءا من مرحلة الأسلوب الأدائي الجديدة بالنسبة إلى العندليب الأسمر.
لقد قادنا سوء الفهم اللغوي إلى أن نذهب إلى معنى الجملة الأولى من الأغنية “الهوا هوايا” خطأ فنظن أن المغني كان يقصد “الهوى هواي” وهي جملة لم يكن لها معنى في سياق الأغنية.
بعد ذلك المضي العاثر في الفهم العاطفي تعرفنا من خلال المصريين إلى أن معنى ذلك التعبير باللهجة المصرية هو “الود ودي”، بمعنى لو كان الأمر بيدي أو لو كنت قادرا، وغيرها من المترادفات التعبيرية في اللغة الفصحى.
بعد ضياع حقائبي صرت أهذي بالمقطع الأول من تلك الأغنية كما لو أنني أعتذر عن سوء الفهم القديم.
كنا يومها أصغر من أن ندرك عمق اللهجات وكان الشاعر سعيد عقل ينادي بالكتابة بما سماها “اللغة اللبنانية”.
لا أدري لمَ نسينا عظمة الشعر الذي كتبه عقل بالعربية وصرنا نهجوه بسبب حماسة مرضية فرضتها عليه ظروف التجاذبات بين الطوائف داخل لبنان والتي أدت في ما بعد إلى الحرب الأهلية.
كان من الممكن أن نستقبل دعوته تلك بطريقة غير جادة من غير أن نلعنه ناسين أننا نلعن شاعرا كبيرا.
كان صوت القومية الحزبي قد ضرب رؤوسنا ولعب بحواسنا وجعلنا غير قادرين على رؤية الحقائق بميزان الواقع.
ولكن الهوى لم يكن هواي يوم أضعت حقائبي. لقد ضرب قدري كفا بكف فجعلني لا أقوى سوى أن أقوم بالتأمل السلبي حالما بطريقة أو بأخرى بأن يرجع الزمن إلى الوراء وأضع شاحنة الحاسوب إلى جانبه لأكون قادرا على نسيان ما خسرته من ثياب وأشياء استعمالية أخرى يمكن تعويضها.
الكثيرون اعتبروا سعيد عقل عميلا وخائنا وانعزاليا فيما كان هو الآخر يردد “الهوا هوايا” بالمعنى المصري.