تناقضات عميقة تُصعّب المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا

أوكرانيا ترفض مقترحا تؤيده روسيا بأن تكون دولة محايدة مثل النمسا أو السويد.
الخميس 2022/03/17
التقارب لا يزال مفقودا بين الروس

أعلنت أوكرانيا الأربعاء وجود تناقضات عميقة تصعّب المفاوضات مع روسيا، التي اقترحت بأن تكون أوكرانيا دولة محايدة مثل النمسا أو السويد، وهو مقترح سارعت كييف إلى رفضه، ما يؤشر على تعقد المحادثات خاصة مع تكثيف القوات الروسية قصفها وتشديد محاصرتها للمدن الأوكرانية الكبرى، في وقت أشار فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن عمليته في أوكرانيا "ناجحة".

كييف - تعقّد التناقضات بين روسيا وأوكرانيا حول إيجاد صيغة أولية لتسوية محتملة في المفاوضات الجارية، مهمة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث أعربت كييف الأربعاء عن استعدادها لمناقشة المطلب الروسي بجعل أوكرانيا دولة محايدة، قبل أن ترفض عرضا من موسكو ينص على أن تكون أوكرانيا مثل النمسا أو السويد.

جاء ذلك في وقت أعلنت فيه أوكرانيا عن شن هجمات مضادة على القوات الروسية في عدة جبهات، لكن ذلك لم يثمر أي تغير على الواقع الميداني، بحسب ما كشفت كييف، فيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن العملية العسكرية التي تقوم بها بلاده ناجحة.

وأكد بوتين الأربعاء أن عمليته العسكرية في أوكرانيا "ناجحة"، موضحا أن موسكو لن تدع هذا البلد يتحول إلى "منصة" يتم الانطلاق منها لتهديد روسيا.

وقال بوتين خلال تصريحات متلفزة "العملية تسير بنجاح، بما يتوافق بدقة مع الخطط الموضوعة مسبقا"، مؤكدا مرة جديدة أنه لا يسعى إلى "احتلال" أوكرانيا.

وأقرت أوكرانيا بأن المفاوضات شاقة للغاية، وذلك بعد مقترح أيدته روسيا بأن تكون دولة محايدة مثل النمسا أو السويد، حيث قال مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك مساء الثلاثاء إن "تناقضات عميقة" لا تزال تعتري المفاوضات الأوكرانية - الروسية التي ستتواصل الأربعاء، مشددا على أن التوصل إلى "تسوية" لا يزال ممكنا.

وكتب في تغريدة "هي عملية تفاوضية معقدة وشاقة للغاية. لكن بطبيعة الحال التسوية ممكنة".

ميخايلو بودولياك: العملية التفاوضية معقدة وشاقة للغاية، لكن التسوية ممكنة

وتأتي تعليقات بودولياك فيما تصر روسيا على حياد أوكرانيا، حيث قال الكرملين الأربعاء إن حياد أوكرانيا على نسق السويد أو النمسا هو التسوية التي يناقشها المفاوضون الروس والأوكرانيون، لكن كييف سرعان ما أعلنت رفضها لهذا المقترح، فيما تواصل موسكو هجومها بقصف العديد من المدن الأوكرانية.

وبعد ثلاثة أسابيع على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، قال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف الأربعاء “إن حياد أوكرانيا على نسق السويد أو النمسا هو الخيار الذي يناقش حاليا، والذي يمكن اعتباره تسوية".

وكذلك، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن "هناك صيغا محددة جدا أعتقد أنها ستكون محور اتفاق قريب"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المحادثات "ليست سهلة".

وأعلنت الرئاسة الأوكرانية الأربعاء أنها ترفض فكرة أن تكون كييف محايدة على غرار السويد أو النمسا، مطالبة بـ"ضمانات أمنية مطلقة" في وجه روسيا.

وقال بودولياك في تعليقات نشرتها الرئاسة "أوكرانيا في حالة حرب مباشرة مع روسيا الآن. والنسق لا يمكن أن يكون إلا أوكرانيا".

ويجري الأوكرانيون والروس منذ الاثنين جولة جديدة من المفاوضات عبر الفيديو.

وأثار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعض الأمل الثلاثاء بتأكيده أن المواقف أصبحت الآن "أكثر واقعية"، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن الأمر "ما زال يحتاج إلى المزيد من الوقت لاتخاذ القرارات لتكون في مصلحة أوكرانيا".

وهذا التكثيف الواضح للمفاوضات لم يمنع استمرار القصف الروسي على العديد من المناطق في البلاد، والذي دفع أكثر من ثلاثة ملايين أوكراني إلى النزوح، نصفهم تقريبا من الأطفال.

وتخضع العاصمة كييف لحظر تجول منذ مساء الثلاثاء، بعد غارات عدة استهدفت مباني سكنية يومي الاثنين والثلاثاء. وسمع دوي انفجارات قوية فجر الأربعاء في العاصمة الأوكرانية، تلاها تصاعد أعمدة الدخان الأسود فوق المدينة، حيث أسفرت غارات روسية على مبان سكنية عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل.

ولم تقدم السلطات المحلية على الفور أي تقييم أو تفاصيل، فيما لم يسمح للصحافة بالتجول في المدينة وسط التوتر بسبب حظر التجول. وقال رئيس البلدية فيتالي كليتشكو الثلاثاء إن العاصمة تمر "بلحظة خطيرة".

الرؤية لا تزال غير واضحة
الرؤية لا تزال غير واضحة 

وتشكلت طوابير طوال النهار أمام محلات السوبر ماركت، حيث يقوم السكان بالتزود بالمؤن. وأكد فلاد فولودكو (26 عاما)، أحد هؤلاء، "نحن صامدون".

وخلت كييف، التي تحاول القوات الروسية محاصرتها، من نصف سكانها على الأقل، والبالغ عددهم 3.5 مليون نسمة منذ بدء النزاع في الرابع والعشرين من فبراير.

وتتعرّض مدن كبرى مثل خاركيف (شمال شرق) وماريوبول (جنوب شرق) للقصف بشكل مكثف، وفقا للسلطات المحلية.

وما زال الآلاف من الأشخاص عالقين في ماريوبول، مختبئين في أقبية، رغم تمكّن 20 ألف شخص من مغادرة هذه المدينة الساحلية الاستراتيجية الواقعة على بحر أزوف الثلاثاء المحاصرة منذ أيام، باتجاه زابوريجيا على مسافة أكثر من 200 كيلومتر إلى الشمال الغربي.

وقد لا تبقى هذه المدينة ملاذا لفترة طويلة، فقد أصيبت بصاروخ واحد على الأقل الأربعاء، للمرة الأولى منذ بدء الصراع بحسب حاكم المنطقة، من دون التسبب في أي إصابات كما يبدو. وتضم هذه المدينة أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، وقد احتلها الروس منذ الرابع من مارس.

الرئاسة الأوكرانية تؤكد أنها ترفض فكرة أن تكون كييف محايدة على غرار السويد أو النمسا وتطالب بـ"ضمانات أمنية مطلقة" في وجه روسيا

وأكدت السلطات الأوكرانية أيضا أن الروس احتجزوا 400 مدني كرهائن الثلاثاء في مستشفى في ماريوبول، لكن لم يتسن التحقق من المعلومات من مصدر مستقل.

وتتعرض العديد من المناطق الأخرى للنيران الروسية، مثل ميكولايف (جنوب) قرب أوديسا وفي أوديسا، قالت السلطات الأوكرانية إنها "تستعد لإنزال روسي من البحر الأسود". وتقول سلطات مناطق جيتومير (جنوب كييف) وسومي (شمال شرق) ودنيبرو (وسط) وسفيرودونتسك (شرق) إنها تتعرض لقصف روسي.

وفي مواجهة استمرار الهجوم، دعا زيلينسكي الأربعاء خلال كلمة ألقاها أمام الكونغرس الأميركي إلى توفير حماية للمجال الجوي الأوكراني، رغم رفض الغرب مرارا مطلبه بفرض حظر جوي على البلاد، باعتبار أن ذلك سيوسع نطاق المواجهة.

ورفض الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الطلب حتى الآن، خوفا من دخول الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الصراع.

وبسبب عدم رغبته في مواجهة عسكرية مع روسيا، يواصل الغرب تزويد أوكرانيا بالسلاح وتشديد عقوباته.

وسيحرم الاتحاد الأوروبي الأثرياء الروس القريبين من السلطة من السيارات الفارهة والشمبانيا وغيرها من السلع الفاخرة، عبر حزمة رابعة من العقوبات دخلت حيز التنفيذ الثلاثاء.

وكانت موسكو ردت بعقوبات مضادة استهدفت جو بايدن ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والكثير من أعضاء حكومتيهما.

5