مصر تُضيّق على المصدرين لمنع انفلات التضخم

أحدث ارتفاع الأسعار في مصر بشكل عشوائي ودون مبررات مقنعة من جانب التجار ردود فعل سلبية في أوساط المواطنين، ما دفع السلطات إلى استخدام أدوات متعددة لكبح جماح التضخم، بدأتها بإيقاف تصدير مجموعة من السلع الأساسية لمدة ثلاثة أشهر.
القاهرة - تتنوع أسلحة الحكومة المصرية لردع المتلاعبين بالأسعار حاليا بين شن حملات على المخازن والمنشآت التجارية وتحجيم خروج المنتجات إلى الأسواق الخارجية وتقديم تسهيلات عبر البنك المركزي للمستوردين، قد تأتي ثمارها قريبا.
وارتفع معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في 31 شهرا خلال فبراير الماضي، حيث تسبب ارتفاع الأسعار العالمية في تسارع تكلفة المواد الغذائية المحلية بمعدل لم يحدث منذ عام 2018 حسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وأظهرت المؤشرات الإحصائية ارتفاع معدل التضخم السنوي ليصل إلى 8.8 في المئة الشهر الماضي مقابل 7.3 في المئة بنهاية يناير، مسجلا أعلى مستوى منذ يوليو 2019، بينما بلغ التضخم الشهري أعلى مستوى له في 16 شهرا عند 1.6 في المئة.
وحتى تتمكن من ضبط الأسواق التجارية وتوفير السلع الأساسية للمواطنين في بلد يتجاوز تعداد سكانه المئة مليون نسمة، أصدرت وزارة التجارة والصناعة مؤخرا قرارا يقضي بإيقاف تصدير نحو 9 سلع غذائية.
وتشمل تلك السلع الزيوت بكافة أنواعها والفريك والذرة والفول الحصى والفول المدشوش والعدس والمعكرونة والقمح والدقيق بجميع أنواعه، لمدة ثلاثة أشهر بعد ارتفاعها بنحو 20 إلى 40 في المئة رغم إنتاجها من المخزون المحلي.

أحمد محمدي: إيقاف التصدير يفقد القاهرة أسواقا لصالح المنافسين
ووصف مدير التصدير بشركة باير فودز للصناعات الغذائية أحمد محمدي قرار وزارة التجارة بـ”التعسفي وغير المدروس”، لأنه أدى إلى نشوب أزمة بين المصدرين والعملاء في الخارج، في ظل وجود تعاقدات تم إبرامها قبل ارتفاع أسعار الخامات.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “المشكلة الحالية لا حل لها سوى فسخ العقود مع العملاء بالخارج، ولا تصلح وساطة حكومية لأنها صاحبة القرار الحالي، وربما تفقد البلاد أسواقا عديدة في أفريقيا بسبب القرار لصالح تركيا وتونس والجزائر”.
وأصدر البنك المركزي المصري كتابا دوريا بشأن مد فترة استثناء البعض من المنتجات الغذائية من متطلبات الغطاء النقدي لمدة عام.
وتهدف الخطوة لإتاحة وتسهيل توفير السلع الغذائية في السوق المحلية في ظل موجة التضخم الحالية التي طالت أغلب السلع مع اقتراب شهر رمضان.
ومن المتوقع أن يكون لهذا القرار تأثيرات مباشرة على أسعار السلع المستوردة ستظهر تبعاتها مع مرور الوقت.
وتراجعت أسعار الدقيق المقدم للمخابز السياحية من نحو 800 دولار إلى 545 دولارا للطن بعد الحملات التي شنتها السلطات.
وأصدرت شعبة المخابز البلدية والإفرنجية بالغرفة التجارية للقاهرة بيانا حذرت فيه أصحاب المخابز من عقوبات تنتظر أي مخبز يتلاعب في أسعار الخبز.
ويرتفع الطلب على المعكرونة بأنواعها المختلفة في مصر، وبشكل أكبر الإسباغتي من جانب دول عربية وأفريقية عديدة ويرتفع الطلب عليها بشدة قبيل شهر رمضان.
وأوضح محمدي لـ”العرب” أن المصانع المحلية قامت بشراء الخامات منذ أيام قليلة وقبل صدور القرار ثم بدأت بالتصنيع عقب إبرام العقود وتلقت مبالغ مالية مُقدّما كجزء من القيمة الإجمالية للعقد، والآن يطالبهم العملاء باستردادها، ولا يمكن تأجيل تصدير الشحنات الحالية لأنها مطلب لموسم رمضان.
وأشار إلى أن السلطات قامت برفض تصدير الشحنات المتواجدة بالموانئ يوم صدور القرار وردها مرة أخرى للمصانع.
وأكد محمدي أن الأزمة الحاصلة من رفع أسعار الدقيق والمعكرونة وغيرها من السلع الاستراتيجية المتوفرة بالمخازن تعكس جشعا من التجار مع غياب الرقابة الصارمة من قبل الأجهزة المعنية.

ودشنت الحكومة مشروع المدينة الصناعية الغذائية الجديدة “شركة سايلو مصر للصناعات الغذائية” بمدينة السادات بمحافظة المنوفية شمال القاهرة في أغسطس الماضي، وتستخدم القمح والدقيق كمادة خام أساسية، وهي من أكبر المشاريع القومية التي افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا.
وتضم المدينة الجديدة ثلاثة خطوط لإنتاج المعكرونة، وهي “بساطة” بقمح مصري عالي الجودة، و”وصفة” بمختلف الأصناف للاستخدام في وصفات الأطعمة المختلفة، و”باليرمو” على الطراز الإيطالي وصالحة في مختلف الوصفات الإيطالية.
ونوه محمدي إلى أن السوق المحلية لا تعاني من نقص في منتجات المعكرونة أو الدقيق واعتبر أن قرار منع التصدير “غير صائب تماما”.
وبرر موقفه بأن ثمة شركات تعتمد على تصدير منتجاتها من الدقيق والمعكرونة بمعدلات تفوق 60 في المئة، ما يعطل الشركات ثلاثة أشهر، فضلا عن أنها لا تعرف مصيرها بعد انتهاء هذه المدة.
وجاءت صدمات أسعار السلع الأساسية التي رفعت التضخم في فبراير الماضي قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وهو ما تسبب في زيادة ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية في الأسواق الدولية.
وصعدت أسعار القمح العالمية بنسبة 48 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين، والسكر بنسبة 7 في المئة واللحوم المجمدة بحوالي 11 في المئة والدواجن بنحو 10 في المئة خلال نفس الفترة، إلى جانب صعود أسعار النفط العالمية بنحو 16 في المئة.

محمد رستم: انخفاض مرتقب بالأسعار مع زيادة السلع المعروضة
وقال سكرتير شعبة المستوردين بالغرفة التجارية للقاهرة محمد رستم إن “الأسعار المشمولة بالقرار ستنخفض، بسبب زيادة الكميات المعروضة منها في الأسواق ومن ثم تخضع لعامل العرض والطلب”.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن توفير السلع وزيادة عرضها سبب رئيسي في طمأنة المستهلكين، إذ يترتب عليها عدم حدوث تكالب على شراء المنتجات.
ويسعى اتحاد الغرف التجارية بالقاهرة للتنسيق مع كافة سلاسل الإنتاج والإمدادات التجارية والحكومة بشأن توفير السلع المختلفة للمستهلكين خلال شهر رمضان.
كما يعمل على تكثيف التنسيق مع المحافظات لتجهيز الشوادر الخاصة بطرح السلع الرمضانية والاستهلاكية المختلفة على أن يتم الانتهاء من كافة الاستعدادات خلال أيام.
ورجح الأمين العام للاتحاد علاء عز تراجع الأسعار قريبا وأرجع ذلك لأن سعر الجملة بالنسبة إلى القمح والعديد من السلع بدأ في الانخفاض ما ينعكس على الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين.
ويأتي هذا الكلام عقب اجتماعات عقدها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع الوزارات المعنية والغرف التجارية بعد الارتفاع الكبير في الأسعار.
وجرت الاجتماعات على مستوى منتجي كل سلعة على حدة، بدأت بمنتجين يقومون بضخ الزيوت عبر مبادرة “أهلا رمضان” بأسعار ما قبل الزيادة.
وذكر نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية للقاهرة عمرو عصفور أن استقرار الأسعار لن يتوقف على السلع الأساسية أو الصادر قرار بإيقاف تصديرها، بل سيمتد لمختلف السلع.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الشعبة ترصد بشكل مستمر حالة الأسواق حاليا لاقتراب شهر رمضان وزيادة الاستهلاك وترفع تقارير بشأنها لاتحاد الغرف التجارية بهدف السيطرة على الأسواق وطمأنة المواطنين.