مواقف العراق الباهتة تمنح إيران مجالا للتمادي

رد إيران على التخبط والارتباك المسجلين في المواقف الرسمية للعراق جاء سريعا وحازما، حيث حذّرت طهران من أنها لن تتساهل مع أي تهديدات مصدرها البلد الجار، في إشارة إلى أنها ستكرر استهداف أي موقع في العراق تعتبره مركز تهديد.
بغداد - شكلت ردود الأفعال الباهتة للجهات الرسمية في العراق، ومواقف بعض القوى العراقية المحسوبة على إيران، التي لم تتوان عن تبرير الهجوم الذي شنه الحرس الثوري على إربيل عاصمة إقليم كردستان، رسالة سلبية، تفتح المجال أمام طهران للتمادي أكثر في انتهاكها لسيادة العراق واستخدامه ساحة لتصفية حسابات مع خصومها.
وانحصرت ردود أفعال المسؤولين العراقيين في انتقادات خجولة بشأن الهجوم الإيراني غير المسبوق، والذي استخدم خلاله الحرس الثوري اثني عشر صاروخا باليستيا، وعُدّ سابقة خطيرة تعكس مدى استباحة إيران للبلد الجار.
وانبرت القوى الموالية لإيران لتبرير الهجوم، متبنية وجهة النظر الإيرانية التي تقول إن ما جرى استهدافه هو منشآت إسرائيلية في الإقليم الواقع في شمال العراق، وبدل أن تطالب هذه القوى بضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه التجاوز الإيراني، ركزت تصريحاتها على وجوب فتح تحقيق في حقيقة وجود مراكز إسرائيلية من عدمها في الإقليم.

سعيد خطيب زاده: من غير المقبول أن يصبح أحد جيراننا مركزا للتهديدات
وأفاد الحرس الثوري الإيراني الأحد باستهداف “مركز إسرائيلي” في شمال العراق، بعد ساعات على إعلان سلطات إقليم كردستان عن سقوط صواريخ باليستية، أطلقت “من خارج الحدود” في محيط أربيل والقنصلية الأميركية فيها.
وقال الحرس الثوري إن مركزا “للتآمر والشر الصهيوني” تم استهدافه من قبله بصواريخ “قوية ونقطوية (دقيقة)”، واضعا ذلك في سياق رد على “الجرائم الأخيرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني”، في إشارة إلى مقتل ضباط له في سوريا مؤخرا بضربات جوية من إسرائيل، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية.
وجدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاثنين التأكيد على ضرورة احترام سيادة العراق من مختلف الجهات. وقال الكاظمي خلال زيارة لمحافظة أربيل ولقائه رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، “لقد تم إبلاغ موقف العراق رسميا باحترام سيادته عبر الطرق الدبلوماسية، وأن يكون هناك تعاون أمني بين مختلف دول المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة”.
ودعا القوى السياسية العراقية إلى توحيد الكلمة إزاء سيادة العراق، وأن يكون ما حصل حافزا على حل الإشكالات وتوحيد الصف أمام التحديات التي تواجه البلد.
ويرى سياسيون عراقيون أن المواقف التي أبدتها الدولة، وكان أقصاها استدعاء السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي الأحد للاستفسار منه عما حصل، تعكس حجم الضعف الذي ينهش جسد العراق، معربين عن تشاؤمهم من القيادة السياسية المقبلة، لاسيما بعد المواقف المترنحة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي اقتصر رده على إعلان تشكيل لجنة للنظر في صحة الادعاءات الإيرانية بشأن المراكز الإسرائيلية.
ويقول السياسيون إن رد إيران على التخبط والارتباك المسجلين في المواقف الرسمية جاء سريعا وحاسما، وينم عن مدى عدم احترامها للنخبة السياسية التي تحكم العراق، وعن شعورها بالفوقية حيال بلد بات تحت سيطرتها بعد عقود من الصراع معه.
وحذّرت طهران الاثنين من أنها لن تتساهل مع أي “تهديدات” مصدرها العراق، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده “من غير المقبول أن يصبح أحد جيراننا الذي تربطه بنا علاقات قوية (…) مركزا للتهديدات ضد الجمهورية الإسلامية”.
وشدد خطيب زاده خلال مؤتمر صحافي على أن “إيران لن تتساهل” مع تهديد لها في دولة مجاورة.
وكانت حكومة إقليم كردستان أوضحت في وقت سابق أن “الموقع المستهدف كان مكانا مدنيا”. ونفى محافظ أربيل أوميد خوشناو وجود “مقرات إسرائيلية”، معتبرا ذلك “ادعاءات لا أساس لها من الصحة”.

وقال خطيب زاده إن إيران سبق وأن لفتت نظر الحكومة المركزية في بغداد “مرارا لئلا تصبح حدودها مكانا للتآمر على بلادنا”، داعيا إياها إلى أن “تمنع استخدام أراضيها لتهديد الأمن والاستقرار” في الجمهورية الإسلامية.
ويرى مراقبون أن الموقف الذي أعلنه خطيب زاده يعكس حقيقة أن طهران تمنح نفسها الحق في استهداف أي منطقة أو موقع داخل العراق تعتبره تهديدا لأمنها، وهذا تطور خطير في ظل عجز القوى العراقية عن التصدي له.
وأتى القصف الصاروخي على أربيل بعد نحو أسبوع على إعلان الحرس الثوري عن مقتل اثنين من ضباطه جراء ضربات إسرائيلية في سوريا، محذّرا في حينه من أن “الكيان الصهيوني سيدفع ثمن جريمته”.
وللعراق حدود شرقية طويلة مع إيران التي تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي في هذا البلد، وتدعم فصائل مسلحة فيه.
وشهدت البلاد منذ مطلع العام تصاعدا في الهجمات الصاروخية والهجمات بالمسيّرات المفخخة. وفي حين تبقى غالبية هذه الهجمات دون تبنٍّ رسمي، تنسبها السلطات العراقية والولايات المتحدة إلى فصائل مقرّبة من إيران.