كيف يمكن الانتقال من إعلام حكومي إلى إعلام عمومي في تونس

تونس - تقرر تنفيذ إضراب عام في قطاع الإعلام العمومي (الرسمي) في تونس على أن يتم تحديد موعده وشروطه لاحقا، “بسبب تحويل مؤسسة التلفزة التونسية إلى منبر خاص لرئيس الجمهورية”.
وأشارت نائب رئيس نقابة الصحافيين التونسيين أميرة محمد، إلى الانحراف بالخط التحريري داخل مؤسسة التلفزة التونسية، وهي مرفق عمومي، منذ تعيين عواطف الدالي لتسييرها، كما استنكرت تواصل تسيير مؤسسة الإذاعة التونسية بالنيابة منذ أشهر. وقالت إن النقابة في تنسيق متواصل مع الجامعة العامة للإعلام، مشددة على التوجه نحو التصعيد كإمكانية إقرار الإضراب العام في القطام الإعلامي ككل.
ونظّمت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام (الاتحاد العام التونسي للشغل) الجمعة الماضي تحرّكا احتجاجيا في مؤسسة التلفزة التونسية ضد ما سمّته بتوجّه المكلّفة بتسيير المؤسسة لمصادرة الرأي الآخر في برامج التلفزة الإخبارية والحوارية وتحويلها إلى بوق دعاية للرئيس قيس سعيد.
وقالت النقابة في بيانها “انحرفت المكلفة بالتسيير بالخط التحريري للتلفزة العمومية خدمة للسلطة والتوجه السياسي الرئاسي، إضافة إلى تعمّد إقصاء ممنهج لكل نفس مخالف أو ناقد لتوجه الرئيس. كما عمدت المكلفة إلى تعفين المناخ الاجتماعي داخل المؤسسة من خلال استعمال العقوبات ومجالس التأديب ضد الصحافيين، وضرب الحق النقابي وهرسلة للصحافيين والمصورين الصحافيين لترهيبهم ومنعهم من المطالبة بحقوقهم”.
محمد شلبي: تحويل الإعلام الرسمي إلى عمومي رهين الاتفاق على المعايير
وأعلنت النقابتان مواصلة التحرّكات الاحتجاجية “من أجل أن تكون المؤسسة مرفقا عموميا يعكس مختلف الأفكار والتوجهات ومنبرا لتنظيم وإدارة النقاش العام”.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أصدر في يوليو الماضي أمرا بإقالة مدير التلفزيون العمومي الإعلامي محمد لسعد الداهش في أعقاب جدل بشأن التضييق على إذاعة البرامج.
وأكد الملحق بالدائرة الدبلوماسية بديوان رئيس الجمهورية وليد الحجام حينها، أن رئاسة الجمهورية لم تصدر أي قرار لمنع الضيوف من دخول مقر التلفزيون الرسمي، مشيرا إلى أنه “لا مجال للعودة عن الحريات وحرية الإعلام والتعبير والتفكير وحقوق الإنسان وكل المكتسبات”. وأضاف للتلفزيون الرسمي “رئاسة الجمهورية ليست لها نية لوضع اليد على الإعلام العمومي وما وقع اليوم في التلفزة الوطنية ليست له أي علاقة به”، مشيرا إلى أن “عمليات التشويش بين رئاسة الجمهورية والمؤسسات العمومية مكشوفة ومفضوحة وليس لها مستقبل”.
ورجّحت محمد في تصريحات سابقة أنّ السياسة التي تعتمدها عواطف الدالي في تسيير مؤسسة التلفزة التونسية من الممكن أن تكون “خيارا فرديا للحفاظ على مكانتها في ترؤس التلفزة التونسية”.
ويعاني الإعلام العمومي السمعي منه والبصري في تونس مشكلات كثيرة، وظل يتأرجح مترددا بين دوره الدعائي الترويجي الذي اعتاده قبل ثورة الرابع عشر من يناير 2011، وحرية التعبير التي أضحت واقعا، ودوره الذي ينتظره التونسيون للإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي البطيء والهشّ الذي تعيشه تونس.
ويرى الباحث التونسي في الإعلام محمد شلبي أن “عدة عراقيل تحول دون تحويل الإعلام في تونس إلى عمومي منها خاصة القصور في القوانين”.
ويؤكد أن “تحوله إلى إعلام عمومي يبقى رهين الاتفاق على معايير معينة كأن يتم تقسيم الوقت مثلا بين مختلف الأحزاب السياسية، نسبة للحكومة والرئيس وأخرى للمعارضة وهكذا”.ويضيف “هي خطوات لن يصلح حال التعددية الإعلامية إلاّ بها. لكن يبدو أن هذا آخر ما يشغل أهل السلطة طالما أنهم يستحوذون على أكثر من ثلاثة أرباع الوقت في التلفزيون”.
كمال العبيدي: العلاقة مع المواطن هي لُبّ مفهوم المرفق الإعلامي العمومي
وحاول القانون منذ 2011 تقنين مسألة الظهور في الإذاعات والتلفزيونات وجاء المرسوم 116 لشهر نوفمبر 2011 الذي يقول في فصله السادس عشر إن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) تسهر على “ضمان حرية التعبير والتعددية في الفكر والرأي خاصة في ما يتعلق بالإعلام السياسي”. ويُلزم المرسومُ الهايكا بإعداد تقارير دورية لبيان “المدة الزمنية التي استغرقتها مداخلات الشخصيات السياسية… في برامج المنشآت السمعية البصرية”.
ويعتبر شلبي أن “الهايكا لم تفعل شيئا يذكر في هذا الصدد، إذ أن التقارير المسماة دورية هي تقارير عرضية ترصد أياما قليلة من البث”.
ويضيف الباحث التونسي في الإعلام أن “خلاصة القول إن المرسوم 116 في فصله السادس عشر حبر على ورق. إنه قانون الغاب في شأن مدة التعبير السياسي خارج الفترة الانتخابية”.
واعتبر الإعلامي كمال العبيدي أن العلاقة مع المواطن هي “لُبّ مفهوم المرفق الإعلامي العمومي، فمن المهم أن يعكس تطلعات المواطن وآماله، وأن يُوفر له فضاء للتعبير عن رأيه ومساءلة أصحاب القرار والمؤثرين في مختلف المجالات، كي يكون المدافع الأول عن استقلالية المؤسسات الإعلامية العمومية، متى آمن بدورها ورأى فيها صوتا له، فيساهم في التصدي لكل محاولة ترمي إلى الحدّ من هذه الاستقلالية من أي طرف كان، بما في ذلك الحكومات المتعاقبة”.
يذكر أن محاولات حركة النهضة الإسلامية الركوب على الحدث وتقديم نفسها كمدافع عن حرية التعبير باءت بالفشل مع تأكيد الصحافيين على أنها آخر من يمكنه الحديث عن حرية التعبير في ضوء ما فعلته بالإعلام في العشرية الماضية.
وقالت نائب نقيب الصحافيين التونسيين أميرة محمد “ذكريات تعيسة من تعامل المنظومة الفاشلة مع الإعلام طيلة 11 سنة ورغم أن الوضع لا يزال اليوم تعيسا للأسف فهذا لا يعني أنكم (حركة النهضة) توظفونه وتظهرون حماة الحريات، أنتم آخر من يمتلك شرعية ليتحدث عن حرية الصحافة وحقوق الصحافيين”.
ولم يسلم الصحافيون منذ عشر سنوات من اعتداءات من أنصار حركة النهضة. وفي الوقت الذي تخلّصت فيه الصحافة من رقابة السلطة السياسية، عانى الصحافيون من نوع آخر من الرقابة وهو “التدافع الاجتماعي” كما سمّاه زعيم حركة النهضة الإسلامية الغنوشي، فالجميع أراد توجيه الصحافة.
وأصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرا مؤخرا عن واقع الحريات الصحافية في تونس، دعت فيه الرئيس قيس سعيّد إلى المحافظة على حرية الصحافة والتعبير، وقالت إنها أحد مكاسب ثورة 2011.
ويقول شلبي إن “الخوف على حرية الصحافة من هجمات السياسيين لا يخص تونس وحدها، بل هو أمر تتقاسمه اليوم حتى أعرق الديمقراطيات”، مؤكدا أن “للصمود مقتضيات وأثمانا. إن وضع الصحافيين اليوم في تونس وفي غيرها يجعلهم معرضين أكثر لضغط السياسيين بالنظر إلى هشاشة المؤسسات الإعلامية ماليا الأمر الذي يفضي إلى أوضاع مالية مزرية يعيشها الصحافيون”.
وتشكل مؤسسة التلفزيون بقناتيها الوطنية الأولى والثانية العبء الأثقل على كاهل الدولة، إذ تشغل أكثر من 1300 عنصر بين منتجين ومحررين وفنيين وإداريين (بينهم 112 فقط يعملون في قسم الأخبار)، بينما لا يتطلب سير المرفق كل هذا العدد. وكان الرئيس الأسبق لمؤسسة التلفزيون مختار الرصاع صرّح في ورشة دراسية بأن “ثلثي المنتسبين إلى القناتين لا يعملون ويتقاضون رواتب”.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد مرارا إنه “لا ينوي إرساء نظام دكتاتوري ولا المس بالحقوق والحريات”، وإنما يهدف إلى “إصلاح الأوضاع بعد أن تأكد من وجود خطر داهم يهدد الدولة التونسية”.