"اطلبها" فيلم نسائي يجسد صراعات دامية مع رجال عنصريين

على فرضية أن المجتمع سوف تتقاسمه تيارات وجماعات هي أشد تطرفا في توجهاتها العنصرية والعرقية، عندها سوف تنشأ تلك الصراعات الظاهرة والمستترة التي ما تلبث أن تتفاقم لتتحول إلى ظاهرة يغدو فيها الطوفان الاجتماعي المتناحر هو الهدف وهو البديل الموضوعي الذي سوف يستقطب جمهورا واسعا.
هنا ليس أمامك سوى الصراع وسوى رد الضربة بمثلها وأن تأخذ حقك وتنتقم من خصمك بطريقته أو ما هو أشد.
تلك هي الثيمة التي يتحرك عليها الفيلم الجديد للمخرج إيمون أورورك بعنوان “اطلبها” الذي يضعنا في قلب المجتمع الأميركي، والإشكالية التي يطرحها هذا الفيلم ما هي إلا ظاهرة الاغتصاب والعنف ضد المرأة وصولا إلى أشكال الانتهاكات الجسدية والجنسية والسلوكية فضلا عن حملات الكراهية.
☚ الفيلم يجمع بين الفكرة الخطيرة ممثلة في العنصرية والعنف ضد المرأة وبين جوانب الترفيه من موسيقى وغناء
منذ البدء سوف نشهد حشدا كبيرا لما يشبه تجمعات أحزاب اليمين الشعبوي المتطرف، حيث الصراخ الهستيري الذي يحمل شعار الرجال أولا.
من منطلق هذا الشعار سوف تنبثق هذه الدراما الفيلمية القائمة على فكرة الصراع مع الطرف الآخر وهن النساء، لتصبح مطالبتهن بحقوهن والتصدي للاعتداء عليهن من المحرمات وصولا إلى تصنيفهن إلى جانب الأشرار من طرف ثلة من البيض العنصريين، وهي التي سوف تتصدى لفئتين أخريين هما الأميركان من أصول أفريقية والعرب.
يقدم الفيلم ثلة من الفتيات اللائي كن قد انتضمن في تجمع سري هدفه التصدي لتلك الجماعات المتطرفة، وكل واحدة من تلك الفتيات كانت ضحية هي أو أمها أو أختها أو قريب منها للعنف أو الاغتصاب مما يدفعهن إلى الانتظام في تلك المجموعة.
سوف ننطلق من شخصية جوي (الممثلة كيرسي كليمونس) التي تعمل في مقهى وتلتقي بالصدفة مع ريجينا (الممثلة أليكساندرا شيب) لتجتذبها للانضمام إلى تلك المجموعة النسائية لاسيما أنها تكون هي ذاتها ضحية أخرى حيث تم تخديرها واغتصابها.
في الجانب الآخر يكون دور النسوة في المكان الخاص بهن ليس مقتصرا على التثقيف وعلى الحقوق الإنسانية الأساسية وحقوق المرأة، بل بناء تنظيم وحياة اجتماعية شعارها (وبماذا ستساعدني الشرطة)، أجهزة فرض القانون هنا صورة فاشلة من المرتشين والعنصريين والذين هم أبعد ما يكونون عن فرض القانون، بل الأدهى من ذلك أن إحدى فتيات المجموعة لم تكن إلا ضحية شرطي دمر لها حياتها.
تشكل المجموعة تناغما في ما بينها وكما أشرنا فإن الأمر لا يقتصر على عملية تثقيف خاصة بهن، بل يؤسسن ناديا ليليا خاصا بالنسوة الشابات اليائسات والمعنفات وحدهن.
يعمد المخرج إلى بناء نسيج بصري خاص لهذا الفيلم، من الأزياء إلى تصميم المناظر إلى اللقطات، بالإضافة إلى تفاصيل ملفتة للنظر على صعيد الجرافيك والمونتاج، وحيث عمد إلى استخدام الغزارة البصرية من خلال اللقطات السريعة جدا والخاطفة للتعريف بالشخصيات تباعا.
إذ أنه وكلما أراد أن يقدم لنا شخصية من الشخصيات عمد إلى تقديم صور فوتوغرافية لها وهي في مراحل مختلفة من العمر أو في مواقف صعبة، وبذلك لم يلجأ إلى الأسلوب التقليدي في عرض قصة كل فتاة على حدة.
منح الفيلم جوانب حيوية أخرى من خلال استخدام أغاني الراب والأغاني الشبابية الراقصة التي كانت الفتيات يغنينها ويرقصن على أنغامها، وبذلك جمع هذا الفيلم بين الفكرة الجادة والخطيرة وبين جوانب الترفيه التي استندت إلى الموسيقى والغناء.
في موازاة ذلك كان الصراع يشتد ويتفاقم لاسيما مع تعزيز جماعة الرجال أولا من توجهاتهم المتطرفة، فيما كان فريق الفتيات يقوم بما يشبه الدوريات الليلية لإنقاذ المزيد من النساء المعنفات.
ويكمن التحول الدرامي في قرار المجموعة اقتحام تجمع لتلك الجماعة المتطرفة واحتجازها فيه، وهو ما أدى إلى مواجهة دامية أدت إلى مقتل عدد من الفتيات، ثم الإقدام على قتل رجال الشرطة بسبب ضابط شرطة متقاعد سابق شديد التطرف هو الذي سيقود تلك المجموعة المتطرفة ويوجهها ويعيش في وهم كونه لا يزال ضابط شرطة وكلمته مسموعة.
نتوقف خلال ذلك مع جوانب تعاطف إنسانية وخاصة حياة جوي وروجينا والأخريات، فلكل واحدة منهن قصة، لكن جوي تتعاطف بشدة وتتفاعل مع روجينا التي تصبح مقربة منها وهي التي سوف تريها الحقيقة بعين أخرى عن مجتمع مليء بالبشاعة العنصرية والتمييز الجندري الذي لا بد من مقاومته بكل شراسة.
التنويع في موضوع جاد وحساس حمل في طياته إدانة لتيار عنيف ومتطرف ينخر في المجتمع الأميركي، لهذا لا نستغرب أن يقوم أولئك المتطرفون بالإبلاغ عن أعداء لهم وهم نوعان (أميركان من أصول أفريقية ومعهم العرب) وهم خلال ذلك يخفون صراعهم الأساسي والمتفاقم مع النساء من خلال حركة الرجال أولا التي تعج بالعنصريين والمتطرفين ودعاة العنف.
يشهد الفيلم العديد من المواجهات العنيفة بين الطرفين وتتولى النسوة بجرأة الاقتصاص لأنفسهن وللضحايا وبذلك تتسع المهمة إلى التفتيش عن ضحايا العنف في سلسلة من التحولات الدرامية وتغيير المسارات السردية في كل مرة.
لا يتحمل الفيلم مواصفات تلك الدراما التي تتناسق فيها أفعال الشخصيات مع التحديات التي تواجهها بل إنها هنا تنطلق من منطلق جماعي هو الذي شاهدناه طيلة أحداث الفيلم.