"إمارات الرؤى.. سردٌ ووعد" نصف قرن من الفن

يحتفي معرض “إمارات الرؤى..سرد ووعد” بمنجز خمسة عقود من الفن التشكيلي في الإمارات، مجسّداً مبادئ الإبداع والابتكار والتعاون التي ميّزت مسيرة نشوء مشهد الفنون التشكيلية وتطوّره فيكشف للزائر روح دولة الإمارات العربية المتحدة وميزاتها.
عندما تتجول في معرض “إمارات الرؤى .. سردٌ ووعد” الذي يستمر على مدار ثلاثة أشهر وإلى غاية السادس عشر من أبريل القادم في منارة السعديات تحت رعاية الشيخ شخبوط بن مبارك آل نهيان، تكتشف روح الإمارات التي سردتها مجموعة من الفنانين والشعراء والكتّاب والموسيقيين والرسامين إذ عايشوا مغامرة البناء ليرووا قصة تشكيل النواة الأولى لهذا البلد، لا من خلال بنيته التحتية بل تشكله الفني والإبداعي حيث يوثق المعرض مراحل تقدم الفن التشكيلي، وتطوره وازدهاره.
والمعرض ضخم ليس بموجوداته بل في ندرة الأعمال الفنية المعروضة فيه، بعضه تمت استعارته من شركاء ومؤسسات ثقافية ومتحفية عديدة منها: مؤسسة بارجيل الإماراتية للفنون، و”يو أي أي. آنليمتد”، ومجموعة فرجام الفنية، ومقتنيات عبدالرحمن العويس، وكليفلاند كلينك أبوظبي، ودائرة الثقافة والسياحة أبوظبي، ومتحف غوغنهايم أبوظبي، ومؤسسة الشارقة للفنون ومتاحف الشارقة، والفن الجميل، وجامعة نيويورك أبوظبي، ومتحف “رامين صلصالي”، ومجموعة سماوي.
وترصد هذه المجموعة المعروضة للمرة الأولى في مكان واحد، تاريخ الفنون التشكيلية في الإمارات ونموّها على مدى نصف قرن من التطور والتحول، بدءاً من مؤسسي المشهد الفني ووصولاً إلى جيل الفنانين الناشئين في الوقت الحاضر.
اتبع المعرض أسلوب السرد التاريخي في تتبع آثار هذا الإبداع الفني وتطوره من خلال تركيزه على أفكار وموضوعات ترسم خريطة الإبداع الفني التي تبدأ بـ”الوطن والذاكرة” من خلال التركيز على فكرة الوطن، وذكريات الفنان ونشأته، استكشافاً للمعنى الأوسع للانتماء، وموضوع “طبيعة الوطن وناسه”، حيث الوطن هو الرؤى والتحول والأصالة والحداثة في مكان يحتضن التعددية والتنوع في الثقافات.
وفي موضوع “اللغة والهوية”، يبحث المعرض في وسائل التواصل والحوار، وأخيراً يتناول المعرض “التحول الاجتماعي” والتغيير الاجتماعي المطّرد.
ومن أبرز المشاركين في هذا المعرض الضخم نخبة من الفنانين: حسن شريف، نجاة مكي، محمد كاظم، سارة العقروبي، محمد الأستاد، عمار العطار، خالد البنّا، آمنة الدباغ، ليلى جمعة، إيمان الهاشمي، سعيد المدني، فاطمة المزروعي، عزة القبيسي، زينب الهاشمي، حمدان بطي الشامسي، هند بن دميثان، محمد أحمد إبراهيم، محمد المزروعي، عائشة جمعة، لطيفة بنت مكتوم، خالد مزينة، سلامة نصيب، خالد الشعفار، خليل عبدالواحد وغيرهم.
المعرض سعى لتكليف عدد من الفنانين لاستحضار بعض المظاهر الفنية في الواقع الإماراتي في عيون عشرين فنانا، ولم يكتف المعرض بالأعمال الجاهزة بل سعى لتكليف عدد من الفنانين لاستحضار بعض المظاهر الفنية في الواقع الإماراتي في عيون عشرين فنانا. ولعل أهم ما يميّز الأعمال المشاركة طاقتها في سرد التاريخ والفن، وإسهام هذه الأعمال الفنية في تحولات المجتمع الإماراتي من خلال تعاقب الأجيال، منهم الفنان الراحل حسن شريف والجيل الذي تلاه من طلبته من الفنانين الشباب الذين جددوا نظرتهم إلى الفن.
وتتراوح هذه الأعمال الفنية بين المنحوتات واللوحات والصور الفوتوغرافية وفن الكولاج وأفلام الفيديو وأعمال فنية تركيبية، وتعابير فنية أخرى مستوحاة من وحي الحرف اليدوية التقليدية. إنها الرؤى التي تمزج الفنون جميعها في فن واحد هو توثيق الإبداع: لوحة، صورة، تركيب، موسيقى، سرد، تنوّع كبير في هذه الفنون، ويُضاف إلى ذلك دور أصحاب صالات الفن والغاليريهات والتشكيليين بحيث يتجاوز المعارض التقليدية، لأنه يجسد الفن بكل تشابكاته المعقدة التي تمزج أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل معًا.
مسار المعرض يمزج بين الأشخاص والتاريخ والقصص من خلال صداقات الفنانين والتبادل الثقافي بينهم
ويمزج مسار المعرض بين الأشخاص والتاريخ والقصص من خلال صداقات الفنانين والتبادل الثقافي بينهم، ويتعدى ذلك إلى التأليف والتوثيق الموسيقي الذي يدعم الأعمال الفنية من خلال سلسلة ألبومات جديدة، وهي ألبوم “اسمك” لمغنية البوب السعودية تام تام، و”حكايات: حكايا سيمفونية” لإيهاب درويش، “بالتقاليد الموسيقية” أول ألبوم لفرقة محطة جاز القاهرة التي تضم فنانين شبابا من مصر وتركيا والبرتغال وإيطاليا، بالتعاون مع مهرجان “إيكزون بروفانس”، إضافة إلى ألبوم “كونشيرتو البيانو رقم 1” لعمر الرحباني، والذي يمزج فيه الموسيقى من أصوله اللبنانية والعربية مع موسيقى الباروك الأوروبية لكبار مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية العالميين أمثال باخ وفيفالدي، والأنغام الهندية المعقدة، والإيقاعات البرازيلية النابضة بالحياة.
إضافة إلى إصدار مجموعة “رحلة مع آلة العود العربية”، مع كتيب يشكل أرشيفاً شاملاً لأهم آلة موسيقية في المنطقة العربية، إلى جانب الابتكار الموسيقي الرائد “نظام مقام موسيقي بوليفوني متعدد الأصوات”، للمؤلف الموسيقي والباحث العراقي البلجيكي قتيبة النعيمي، وفيلم قصير للمخرجة والفنانة الإماراتية نجوم الغانم، مع تكريم الراحل كريستو جافاشيف، عن منجز حياته وإرثه الفني ومسيرته الإبداعية.
كما تصاحب المعرض مجموعة من الندوات والحوارات والورش والجولات الارشادية لتتبع هذه الأعمال الفنية المعروضة في المجالات الفنية المتعددة منذ بدايات تشكل دولة الإمارات إلى وقتنا الحاضر.
واستطاعت مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون تنظيم هذا المعرض بنجاح ودقة سواء في اختيار المواد الفنية والفنانين الذي عاصروا هذا التطور، أو في تقديم موضوعات المعرض وثيماته الأساسية بطريقة تاريخية متقنة حيث تؤكد هدى إبراهيم الخميس، مؤسسة هذه المجموعة الرائدة، على أن الإمارات إضافة إلى بنائها المعماري أنتجت فكرًا وريادة وإبداعًا، وحضارةً خلال خمسة عقود، والوعد كما هو مرسوم في عنوان المعرض يطمح إلى توثيق الخمسين عامًا المقبلة وما سيصاحبها من علامات فنية تصبح فنارًا لهذا الابداع الإنساني الذي يجمع الذاكرة والتاريخ لأجيال المستقبل.
