روسيا تتّبع في أوكرانيا استراتيجيات اختبرتها في سوريا

الجيش الروسي يحصار المدن ويستهدف البنى التحتية بقصف جوي ومدفعي مدمر.
الجمعة 2022/03/11
القتال في سوريا صحح الكثير من أوجه القصور

واشنطن - تتّبع روسيا في غزوها لأوكرانيا استراتيجية تقوم على حصار المدن واستهداف البنى التحتية بقصف جوي ومدفعي مدمر، قبل تفعيل “ممرات آمنة” لإجلاء المدنيين، في خطوات تذكّر بتدخّلها العسكري في سوريا التي شكلت حقل تجارب لعسكرييها وأسلحتها.

وواجهت موسكو التي لم تنشر قوات على الأرض، مع دمشق، مجموعات معارضة مقاتلة مشتتة غالباً وتفتقر إلى السلاح والتجهيزات والدعم الدولي، بينما تواجه اليوم في أوكرانيا مقاومة من جيش منظم، وسط تعبئة سياسية دولية رافضة للغزو.

وبدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر إلى جانب قوات النظام السوري في سبتمبر 2015، وكانت من أبرز داعمي دمشق منذ اندلاع النزاع في 2011. وسرعان ما ساهم تدخّلها في قلب موازين القوى على الأرض لصالح حليفتها على العديد من الجبهات بعدما كانت القوات السورية قد خسرت جزءا كبيرا من الأراضي.

ومنذ بدأت غزو أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، زجّت روسيا بعشرات الآلاف من قواتها في الهجوم. ويشارك هؤلاء في قصف مدن رئيسية وحصارها حيث باتت تلك المدن تحت مرمى نيرانهم، ما دفع بعشرات الآلاف من السكان إلى الفرار.

أنطون مارداسوف: لروسيا تصور أوضح بعد تجربتها القتالية في سوريا

وتقول موسكو إنها لا تستهدف مناطق مدنية، على الرغم من وجود أدلة تظهر عكس ذلك، دفعت منظمات حقوقية وقوى غربية بينها واشنطن الى الحديث عن “تقارير موثوقة” تشير إلى ارتكاب روسيا لجرائم حرب في هجومها على أوكرانيا، وخصوصا باستهدافها المدنيين.

ويقول مصدر عسكري فرنسي إنّ العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا شكلت “تغيراً في النطاق” معتبراً أنّ “سوريا كانت مسرحاً صغيراً”.

لكنّ الكثير من التكتيكات المتبعة في أوكرانيا مستمدة من تجربة روسيا في سوريا، حيث اكتسب عديدها خبرة عملية واختبرت معظم مكونات الترسانة العسكرية للكرملين.

ومن بين كبار الجنرالات الروس الذين شاركوا في مهمات في سوريا، برز مؤخراً اسما اللواء أندري سوكوفيتسكي، نائب قائد جيش الأسلحة المشتركة الحادي والأربعين، الذي قتل الشهر الحالي في أوكرانيا، والجنرال فيتالي غيراسيموف الذي أعلنت كييف مقتله، ولم تؤكده موسكو.

ويقول الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش “بالنسبة إلى روسيا، تشكل سوريا حقل تدريب للعديد والعتاد”.

ولطالما اتّهمت منظمات حقوقية ودولية روسيا بدعم النظام السوري في حصاره للمناطق الخارجة عن سيطرته وتضييق الخناق عليها عبر استهداف البنى التحتية والمرافق الصحية والخدمية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية من أجل دفع السكان ومقاتلي المعارضة إلى إخلاء مناطقهم.

ويوضح بالانش أنه على الدوام “كان هدف روسيا الأول في سوريا إعادة السيطرة على المدن الكبرى” بدءاً من حلب في نهاية 2016 إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق عام 2018 بهدف منح الرئيس بشار الأسد “شرعية”.

ويشير إلى تشابه مع أوكرانيا حيث تتقدم القوات الروسية باتجاه مدن كبرى أبرزها كييف “التي تشكل مصدر شرعية للسلطة” حيث تسعى موسكو لتجريدها منها.

وكما في سوريا سابقاً، تتبع روسيا في أوكرانيا راهنا، وفق بالانش، أسلوب ترويع المدنيين عبر الانتقال من “قصف مواقع عسكرية إلى بنى تحتية في مجالي الصحة والطاقة لجعل حياة المدنيين مستحيلة ودفعهم إلى المغادرة”، وبالتالي “تسهيل مهمة تقدم القوات” في الميدان.

وخلال هجمات عسكرية في العام 2016 على مدينة حلب (شمال) ثم على محافظة إدلب (شمال غرب) بين عامي 2019 و2020، شنّت موسكو مع قوات النظام السوري غارات استهدفت “بشكل متعمّد” العشرات من المدارس والمستشفيات والأسواق، موقعة الكثير من الضحايا، غير آبهة بنداءات دولية لتحييد المنشآت المدنية.

وقبل يومين من بدء الهجوم الروسي أبدى مدير “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث قلقه من “إمكان استنساخ استراتيجية جرائم الحرب” في سوريا مجدداً في أوكرانيا.

الدمار يغزو كييف
الدمار يغزو كييف

ومع بدء الغزو، اتهمت منظمات حقوقية بينها “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية روسيا باستخدام قنابل عنقودية في قصف على مدرسة ومستشفى في مدينة خاركيف، ثاني مدن البلاد، بما يرقى إلى “جرائم حرب”.

واتهمت كييف موسكو بقصف مستشفى للأطفال والتوليد الأربعاء في مدينة ماريوبول في جنوب أوكرانيا، ما أثار موجة استنكار دولية وتنديدا بما وصفوه بأنه “جريمة حرب”.

وفي سيناريو كانت روسيا المهندس الرئيسي له في سوريا لإخلاء السكان من مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري، أعلنت موسكو فتح “ممرات إنسانية” في أوكرانيا لإجلاء الآلاف، في استراتيجية يشكّك محللون بجدواها.

ولا يحول التماهي في التكتيكات التي اتبعتها روسيا في البلدين دون وجود تباينات على العديد من المستويات، يتعلّق أبرزها بنطاق الهجوم وطبيعة المنخرطين فيه.

ويوضح الباحث في معهد نيولاينز نيكولاس هيراس “في سوريا، اعتمدت روسيا بشكل أساسي على قوّتها الجوية وبعض الوحدات المتخصصة لتقديم المشورة والمساعدة للقوات الموالية للأسد”، فيما “الروس هم القوة المقاتلة” الرئيسية في أوكرانيا.

ويشير هيراس إلى تباين كذلك على صعيد قدرات القوات العسكرية، إذ تواجه روسيا في أوكرانيا جيشاً نظامياً مدعوماً من حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومن دول أوروبية تمدّه بالسلاح، عدا عن أنه يمتلك أساساً قدرات مضادة للطائرات والدروع.

وفي المقابل، خاضت روسيا في سوريا “حرباً على نطاق أصغر كانت لها فيها سيطرة كاملة”.

ويرى الباحث غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي أنطون مارداسوف أن لروسيا بعد تجربتها القتالية في سوريا تصوراً أوضح عن أنظمة أسلحتها وكيفية عملها.

ويقول “صحّحت الكثير من أوجه القصور في أسلحتها عالية الدقة براً وبحراً وجواً التي تم اكتشافها خلال استخدام أنظمة الصواريخ في سوريا”. ويضيف “في أوكرانيا، يتم استخدام الأسلحة عالية الدقة بشكل فاعل ودقيق للغاية”.

5