جموح أسعار الخام يوسع الفجوات بين الاقتصادات العربية

الدول العربية المنتجة للنفط والغاز تسجل عوائد كبيرة في ظل الأزمة الروسية - الأوكرانية.
الخميس 2022/03/10
الأسعار في ارتفاع مستمر

دبي - تعطي تحذيرات المحللين بشأن انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على بلدان المنطقة العربية نظرة فاحصة حول ما يمكن أن تحققه الاقتصادات المنتجة للخام من إيرادات قياسا بما تنتظره الاقتصادات الأضعف من معاناة وانعكاساتها على توازناتها المالية هذا العام.

ووجدت الدول العربية المنتجة للنفط والغاز في الأزمة الروسية - الأوكرانية فرصة لتحسين هذه الصناعة وتحصيل أكبر قدر من يمكن من العوائد، بالتزامن مع ارتفاعات كبيرة في أسعارها.

وبينما يُمكّن ارتفاع الأسعار الذي وصل ذروته في 14 عاما عند متوسط 138 دولارا قبل أن يستقر عند متوسط 132 دولارا من التحول بسهولة من الدعم إلى تحقيق الإيرادات، تجد دول نفسها في موقف صعب سيجعل الحكومات تعيد حساباتها لتفادي الأسوأ.

وبالتوازي مع ذلك سيكون ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي وصل إلى أكثر من 3200 دولار للألف متر مكعب، وهو أعلى مستوى في تاريخ القطاع، مشكلة أخرى للاقتصادات العربية الضعيفة التي قد تتأثر صناعاتها وأيضا تأمين إمدادات الكهرباء فيها بشكل مستقر.

إندرميت جيل: الحرب ستشل نمو الأسواق الناشئة المتراجعة بالفعل

ووفق بيانات بلومبرغ فإن بلدا مثل السعودية يحتاج إلى سعر برميل نفط عند 72.4 دولارا لتحقيق موازنة دون عجز، بينما تحتاج الإمارات 66.8 والكويت 65.3 والعراق 64.2 وعُمان 60.4 وقطر 44 دولارا.

أما الجزائر فتحتاج إلى 116.6 دولارا للبرميل والبحرين إلى سعر يبلغ 106.6 دولارات حتى تصل إلى نقطة التوزان في ميزانيتها.

ومع ارتفاع الأسعار فوق 130 دولارا للبرميل، فإن كافة الدول العربية المنتجة للنفط ترى في الوضع الحالي وقتا مثاليا لتعزيز ماليتها العامة، وسد أي عجوزات نجمت عن أسعار السنوات الثماني الماضية.

وتنتج السعودية بالمتوسط 10.2 مليون برميل يوميا يليها العراق بنحو 4.4 مليون برميل ثم الإمارات بنحو 3.5 مليون برميل تليها الكويت بنحو 2.6 مليون برميل ثم الجزائر وعمان بمليون برميل لكل منهما.

وعلى هذا الأساس، فقد ترتفع الأصول الأجنبية العامة لدول الخليج، منها الاحتياطيات الأجنبية وصناديق الثروات السيادية، لأكثر من ثلاثة تريليونات دولار بحلول نهاية 2022 أي ما يعادل 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومرت الدول العربية المنتجة للنفط منذ منتصف 2014 بضغوط جراء انخفاض أسعار النفط، حيث تأثرت موازناتها وانعكس ذلك في تأجيل المشاريع الاقتصادية وامتد إلى تراجع الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية، لتنخفض بذلك تحويلات عمالة الدول العربية غير النفطية.

في المقابل، فإن الدول المستوردة للنفط مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس والسودان قد يزيد العجز المجمع في ميزان المعاملات الجارية فيها عن مستويات العام الماضي التي تجاوزت نحو 35 مليار دولار جراء تكلفة استيراد النفط وتراجع عائدات السياحة.

ورجحت بنوك استثمار عالمية مواصلة أسعار النفط الارتفاع، إذ توقع غولدمان ساكس 150 دولارا للبرميل في الأشهر الثلاثة المقبلة، بينما توقعت روسيا أن أي حظر على نفطها يعني أن سعر البرميل سيصل إلى 300 دولار.

وفعلا، أعلنت الولايات المتحدة حظر النفط الروسي من دخول البلاد، ونفس القرار اتبعته بريطانيا، في تصريحين منفصلين مساء الثلاثاء الماضي.

أما بنك جي.بي مورغان فقال في مذكرة حديثة إن “خام برنت قد ينهي العام عند 185 دولارا للبرميل إذا استمرت الإمدادات الروسية في التعطل، مضيفاً أن 66 في المئة من النفط الروسي يكافح حالياً للعثور على مشترين”.

وذكر أن حجم صدمة المعروض كبير على المدى القصير إلى درجة أن أسعار النفط بحاجة إلى الوصول إلى 120 دولارا للبرميل والبقاء عليها أشهراً عدة، على افتراض أنه لن تكون هناك عودة فورية للخام الإيراني.

ورجح البنك الدولي أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى تقليص نمو الاقتصادات النامية الكبيرة المستوردة للخام مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة.

وقال إندرميت جيل نائب رئيس البنك للنمو العادل والتمويل والمؤسسات في مدونة نشرتها المؤسسة المالية على منصتها الرقمية إن “الحرب ستوجه المزيد من انتكاسات النمو للأسواق الناشئة المتراجعة بالفعل على مسار التعافي من الجائحة والتي تجد صعوبة في مواجهة مجموعة من أوجه عدم اليقين من الديون إلى التضخم”.

غولدمان ساكسأن تتوقع أن يصل سعر برميل النفط 150 دولارا للبرميل في الأشهر الثلاثة المقبلة، بينما توقعت روسيا أن أي حظر على نفطها يعني أن سعر البرميل سيصل إلى 300 دولار

ولفت إلى أن التقديرات الصادرة عن نشرة مقبلة للبنك الدولي تشير إلى أن زيادة في أسعار النفط 10 في المئة تستمر سنوات عدة يمكن أن تخفض النمو في الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأساسية بمقدار عُشر نقطة مئوية.

ويرى أحمد حسن كرم محلل أسواق النفط العالمية أن الأسعار سجلت مستويات قياسية بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، والعقوبات الاقتصادية الغربية ضد موسكو.

ونسبت وكالة الأناضول إلى كرم قوله إن “الأسعار تلقت دعما قويا بسبب التأخر في إتمام المحادثات النووية الإيرانية، وبالتالي التأخير في احتمال عودة الخام الإيراني إلى الأسواق”.

واعتبر أن حظر النفط الروسي عن الأسواق دون وجود بدائل سيحدث فجوة كبيرة في المعروض وسيدفع الأسعار إلى المزيد من الارتفاع.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد طالب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بزيادة الإنتاج لسد الفجوة المحتملة في إمدادات الطاقة من روسيا التي تقود 10 منتجين من خارج أوبك ضمن تحالف أوبك+.

وقال المحلل النفطي الكويتي خالد بودي إن “روسيا تمثل حاليا 12 في المئة من إمدادات النفط العالمية التي تعاني أصلا من ضعف”.

وأكد أن حظر النفط الروسي يشكل صدمة للأسواق في ظل عدم وجود بدائل لأن القدرة الإنتاجية لأعضاء تحالف أوبك+ ليست بالجاهزية الكافية لزيادة إنتاجها.

وأوضح أن بعض أعضاء أوبك لديهم القدرة على زيادة الإنتاج مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق، ولكن ليس بكميات كبيرة يمكنها تلبية عجز الإمدادات المتوقعة.

Thumbnail
10