شيخ الأزهر يغرد خارج السرب المصري أم يحدث توازنا سياسيا

القاهرة - لم يكن الأزهر بعيدا في أيّ وقت عن الالتزام بالخطوط العامة في السياسات الرسمية، ولو بدا كأنه يغرد أحيانا خارج السرب، فإن ما يعبر عنه في أيّ من القضايا الخارجية بطريقة دينية أو إنسانية لا يخلو من أغراض سياسية تخدم الدولة المصرية.
ويمكن التعرف على معالم هذه المعادلة المتحركة من خلال توقيت تعبير شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب (مساء السبت) عن تعاطفه الإنساني مع ما يجري في أوكرانيا جراء التدخل العسكري الروسي عندما دعا إلى زيادة المساعدات الإنسانية.
ونشر الطيب تغريدة على موقع تويتر كتب فيها "ما نشاهده من ترويع الأوكرانيين الآمنين وخروجهم من ديارهم بحثًا عن الأمن والأمان لهو اختبار حقيقي لإنسانيتنا".
وكان يمكن فهم التغريدة كأمر طبيعي يتناسب مع المكانة الروحية للأزهر لو أعلنت القاهرة موقفا واضحا مما يجري في أوكرانيا.
وفهم الموقف المصري الأوّلي على أنه انحياز لروسيا لذلك تعرضت القاهرة إلى ضغوط من بعض الدول الغربية لحثها على الاصطفاف إلى جانبها، وهي الضغوط التي ظهرت نتيجتها في تصويتها لصالح قرار الأمم المتحدة لإدانة التدخل الروسي.
وحاولت وزارة الخارجية المصرية ضبط الدفة مع روسيا، وأصدرت بيانا يدين استخدام العقوبات الاقتصادية ضد موسكو وهو ما ولد شكوكا حيال تذبذب موقف القاهرة وسعيها للحفاظ على خطوط دافئة مع روسيا تحسبا لإمكانية ربح المعركة العسكرية والسياسية.
ويتماشى تعاطف الأزهر “الجيّاش” مع أوكرانيا ودعوته لزيادة المساعدات لها، مع الخطاب الغربي الذي يريد استثمار الأزمة في هذا البعد لجلب دعم كبير من الشعوب وقياداتها.
ونشر شيخ الأزهر تغريدته بالعربية والإنجليزية والأوكرانية لتوصيل رسالته، قائلا: "أدعو المجتمع الدولي لمضاعفة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا وبذل المزيد من الجهد لوقف الحرب وأسأل الله أن يعجِّل بذلك ويعود هؤلاء الأبرياء إلى ديارهم سالمين".
خرج الطيب بهذه المفردات جزئيا عن الخط السياسي الذي ارتضاه لنفسه في بداية الأزمة ويتماشى في فحواه مع الخط الرسمي في مصر، والذي يركز على تأويلات أقرب إلى الحياد دفعته إلى استخدام عبارات مرنة ومطاطة وحمالة أوجه.
ودعا الشيخ الطيب كلاّ من روسيا وأوكرانيا في بداية الأزمة إلى وقف الحرب وتسوية النزاعات بينهما بالطرق السلمية، بما يصعب تفسيره على أنه انحياز لطرف محدد.
وكتب تغريدة عقب التدخل الروسي على تويتر قال فيها “لن تجلب الحروب لعالمنا سوى المزيد من الدمار والكراهية، ولا يمكن تسوية النزاعات إلا بالحوار، أدعو روسيا وأوكرانيا إلى الاحتكام لصوت العقل، وأطالب قادة العالم والمؤسسات الدولية بدعم الحلول السلمية لإنهاء النزاع بين الجارتين”.
وتتجاوز مواقف الأزهر ذات الصبغة السياسية الخلافات الظاهرة بينه وبين النظام المصري في ملفات مثل تجديد الخطاب الديني والتخلي عن التمسك الحرفي بالنصوص الدينية وضرورة تبني فتاوى عصرية، وتؤكد أنه لا يزال يمثل ثقلا معنويا وأداة بيد الدولة.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو الشوبكي إن موقف الأزهر يتناغم مع موقف القاهرة العام الذي أدان الحرب الروسية على أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيرا، وما ذهب إليه شيخ الأزهر يخدم هذا التوجه.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن موقف الأزهر “نقلة في مواقف الهيئات الدينية الإسلامية التي دائما ما تكون حاضرة على مستوى التضامن مع القضايا ذات الارتباط المباشر بالمسلمين، فلجان الإغاثة تتجه إلى الأماكن المنكوبة في العالم الإسلامي، لكن الأزهر استهدف إعلاء القيم الإنسانية بعيدا عن الدين أو الموقف السياسي”.
وأشار الشوبكي إلى أن الأزهر لا يزال يلعب دورا مهما في دعم حضور القاهرة وسط تراجع أدوات عديدة كانت تمتلكها، ويستند إلى رصيد تاريخي كبير ويحاول توظيف إرثه للتأثير في بعض المحافل الدولية.
ويقول متابعون إن موقف الأزهر يضبط خللا في مواجهة أصوات شعبية ارتفعت في مصر وبعض الدول العربية بشأن الربط بين ما يجري في أوكرانيا وما جرى، ولا يزال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد إسرائيل، حيث تزايد الصخب على مواقع التواصل الاجتماعي عقب التدخل الروسي حول ازدواجية المعايير الغربية.