مساع نيابية لتحييد المال المشبوه عن الأحزاب الأردنية

دخل البرلمان الأردني في مرحلة حساسة على طريق تحديث المنظومة السياسية في الأردن، مع شروعه في مناقشة مشروع قانون الأحزاب المؤسس للحكومات البرلمانية. ويرى عدد من النواب والشخصيات السياسية ثغرات ضمن مشروع القانون وجب تلافيها لضمان شفافية الانتخابات المستقبلية.
عمان – انطلق البرلمان الأردني الأحد في مناقشة قانون الأحزاب الذي أقرته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تمهيدا لتشكيل حكومات برلمانية في المملكة، وسط دعوات لإدخال تعديلات عليه تقطع الطريق أمام لعب الأموال المشبوهة دورا في دعم فوز أطراف حزبية بالانتخابات دون غيرها.
وقال النائب فواز الزعبي إن غالبية الانتخابات التي عقدت في المئوية السابقة بقوانين مؤقتة، مؤكدا أنه آن الآون للخروج في قانون عصري يخدم المصلحة العامة لتكون هناك انتخابات ديمقراطية تخدم الأردن ويتغنى بها أمام العالم.
ودعا الزعبي الحكومة إلى الانتباه من أشخاص دخلوا الأردن “دخولا مؤقتا” وأصبحوا من صناع القرار السياسي الاقتصادي، ولهم سوابق سيئة في الدولة، مضيفا “أعتقد أنهم من يقومون بتمويل بعض الأحزاب السياسية في المستقبل”.
ورغم أن الزعبي لم يذكر صراحة من وصفهم بأنهم دخلوا الأردن “دخولا مؤقتا”، إلا أن تصريحاته تشير إلى الأردنيين من أصل فلسطيني والذين تقر مصادر سياسية لبنانية أنهم يوفرون الدعم المالي والاقتصادي لحزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الإخوان المسلمين السياسية).
وتؤكد هذه المصادر أنه منذ إقرار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وإحالتها على البرلمان للنقاش، انطلقت قيادات إسلامية داخل المملكة في تكوين جبهة سياسية ائتلافية تضم مختلف التيارات الإسلامية استعدادا للانتخابات المستقبلية.
وتشير المصادر ذاتها إن حزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوسط الإسلامي وحزب الجبهة الأردنية الموحدة وحزب الوفاء الوطني قد انطلقت في مشاورات للاندماج تحضيرا للانتخابات.
وفي المقابل، تم الإعلان رسميا عن تأسيس حزب الميثاق الوطني الجديد والذي ينظر له ضمن الخارطة الحزبية الأردنية على أساس أنه الحزب الذي يمثل الوسط المؤيد للسلطة وللدولة في مواجهة الحركة الإسلامية، وباعتباره أيضا أول مبادرة حزبية على المستوى الوسطي لشخصيات قريبة من السلطات ضمن الاستعداد والجاهزية لمرحلة تأسيس أحزاب تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
وكان حزب الميثاق قبل تأسيسه قد أثار الكثير من الجدل بسبب المساعدة التي يتلقاها عن بعد في مجال التأسيس لحزب يعتقد بأنه سيحظى بمساحة متمكنة ضمن خارطة القوى الحزبية في حال تحول البرلمان بالانتخابات المقبلة إلى برلمان تكتلات حزبية.
وأشارت التقارير التي نشرت عن ترخيص حزب الميثاق الجديد إلى وجود نحو تسعة أعضاء مجلس الأعيان و39 عضوا من مجلس النواب بينهم بعض الوزراء السابقين وبعض الشخصيات المقربة من السلطات وتمثل جميع المحافظات.
وظهرت أسماء وزراء سابقين بالجملة في خارطة تأسيس الحزب وقائمة المؤسسين على أمل تمثيل جميع الأطراف في المحافظات.
ويمكن القول إن حزب الميثاق هو الحزب الأول الذي يتم الإعلان عن ترخيصه في توقيت حزمة تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
ويتفق محللون أردنيون على ضرورة وضع ضوابط صارمة وشفافة في تمويل الأحزاب السياسية، إذ أن المال المشبوه ولوبيات الاقتصاد الذين تجمعهم علاقات بالأطراف السياسية سيسعون من جانبهم إلى دعم أطراف حزبية تؤمن لهم مصالحهم الاقتصادية وتتفق مع أيديولوجيتهم الفكرية.
ويشير هؤلاء إلى أن عددا من كبار التجار في الأردن الذين سبق أن دعموا أطرافا حزبية بالمال خلال الحملات الانتخابية سيعملون على ذلك إذا ما لم يدخل البرلمان تعديلات جوهرية على قانون الأحزاب قيد الدراسة خاصة في جانب التمويل الحزبي.
فواز الزعبي: من دخلوا الأردن دخولا مؤقتا سيمولون الأحزاب في المستقبل
ويؤكد هؤلاء أن للأحزاب الإسلامية في الأردن ذراعا مالية عادة ما تكون خفية وتنشط ضمن شبكات معقدة يصعب ترصدها، تستثمرها في الانتخابات لدعم تموقعها داخل سلطات القرار.
والأحد، تراجعت اللجنة القانونية في البرلمان الأردني عن تضمين مصطلح “الهوية الوطنية الجامعة” المثير للجدل ضمن قانون الأحزاب، ما أنهى موجة من الاتهامات طالت الحكومة الأردنية.
وأشاد النائب صالح العرموطي بقيام اللجنة القانونية بمجلس النواب، بحسم الجدل حول “الهوية الجامعة”.
وقال إن اعتماد مصطلح “المواطنة” ضمن مواد مشروع قانون الأحزاب، حسم الموضوع بصورة واضحة وجلية حول استحداث مصطلح “الهوية الجامعة”.
وجاء في مطلع المادة “الحزب تنظيم سياسي وطني يتألف من مجموعة من الأردنيين تجمعهم قيم المواطنة وأهداف وبرامج ورؤى مشتركة”.
وشغل مصطلح “الهوية الجامعة” المقترح من قبل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الرأي العام الأردني، إذ يعتبره رافضون أنه جزء مهم من صفقة القرن وإلغاء حق العودة وترسيخ فكرة الوطن البديل للفلسطينيين وهو ما يهدد بتغيير ديموغرافي يمس من وحدة المملكة.
وانتقد رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري مصطلح “الهوية الوطنية الجامعة”، قائلا “هذا المسمى يشي لكل سامع وقارئ وكأن الأردن متعدد الهويات، وهي منخرطة في صراعات طاحنة، وهذه أكذوبة يراد بها تمرير ما هو أخطر من مجرد معناها الشكلي”.
وشدد المصري على أن “في الأردن هوية وطنية أردنية واحدة، علينا أن نؤمن بهذا قولا وفعلا، وبغير ذلك سيأكلنا محيطنا وإقليمنا السياسي أكثر مما يجب”.
ويبدي الأردنيون مخاوف من أن يؤدي مصطلح “الهوية الجامعة” إلى تغييرات ديموغرافية، خصوصا ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرض المملكة، إضافة إلى اللاجئين السوريين الذين يرفض معظمهم العودة الطوعية إلى بلادهم.
ويخشى هؤلاء أن ينهي القانون القضية الفلسطينية على حساب الأردن وما يتعلق بذلك من تداعيات قد تطال حق العودة لفلسطينيي الأردن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، أو السماح بتوطين لاجئين جدد، وما يتصل بذلك من تغييرات ديموغرافية، إضافة إلى احتمال استقرار اللاجئين السوريين الذين لا يرغب بعضهم في العودة الطوعية إلى بلادهم، في ظل انشغال النظام السياسي الأردني بقضايا المنطقة وعلاقاته مع اللاعبين الدوليين الفاعلين، لاسيما الولايات المتحدة.
ويتخوف الأردنيون أيضا من آثار “الهوية الجامعة” على قانون الانتخابات التي قد تؤدي حسب رأيهم إلى تمثيل أكبر للأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان.
ويخشى الأردنيون أن يترجم هذا الأمر إلى تعديلات على قانون الانتخاب تفضي إلى محاصصة من حيث المقاعد النيابية لكل فئة من فئات الشعب الأردني بما يؤثر على المكون الأساسي، أي الأردنيين من أصول أردنية.