العراق يطلق مبادرة زراعية آملا في مواجهة تحدي الأمن الغذائي

يسعى العراق لتفادي أي مشاكل محتملة في تأمين سلة غذاء السكان مستقبلا عبر تفعيل برنامج لتنمية الزراعة وتوفير تمويلات لإطلاق المشاريع ومساعدة أهل القطاع في ظل الضبابية التي تلف سلاسل التوريد وخاصة القمح جراء ما يحدث في شرق أوروبا.
بغداد – أعلنت وزارة الزراعة العراقية الجمعة عن تشكيل لجنة تحت إشراف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإعادة العمل بالمبادرة الزراعية، فيما أوصت بتخصيص أموال ضمن الموازنة لصندوق الإقراض الميسر.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى مستشار الوزارة مهدي القيسي قوله إن “أمرا صدر بتشكيل هذه اللجنة برئاسة الكاظمي وعضوية وزراء الزراعة والموارد المائية والمالية وعدد من المختصين”.
ومن المتوقع أن تجتمع اللجنة في غضون الفترة المقبلة لوضع الآلية المناسبة لفتح أبواب المبادرة بطريقة محكمة تتجاوز السلبيات التي رافقت المبادرة السابقة التي انطلقت قبل 14 عاما.
وأطلقت السلطات في 2008 استراتيجية لدعم القطاع الزراعي في عموم البلاد تحت اسم “المبادرة الزراعية”، وخصص لها آنذاك مليار دولار على أن توزعها على مدار أربع سنوات.
مهدي القيسي: الزراعة هي المستقبل الذي نعول عليه بدلا من النفط
وأوضح القيسي أن المبادرة السابقة ساهمت نوعا ما في تطوير الإنتاج الزراعي على الرغم من وجود البعض من الإخفاقات وخاصة التي تتعلق بتمويل المشاريع وتوفير القروض من البنوك المحلية.
وأكد أن هناك حاجة ماسة إلى تخصيص الأموال. وقال “نأمل في الموازنة الحالية أن يتم تخصيص أموال لصندوق الإقراض الميسر الخاص بالمشاريع الصغيرة”.
وتعد الزراعة قطاعا حيويا إلى جانب النفط والغاز كونه المسؤول عن حياة المواطنين، لذلك فإنه يتم التعويل عليه لتحقيق الأمن الغذائي كما أن له دورا بارزا مرتبطا بالقطاعين الصناعي والنقل. وقال القيسي إن “الزراعة هي المستقبل الذي نعول عليه بدلا من النفط”.
ورغم هذه الطموحات وفي ظل موجة الجفاف المتواصلة والتي أثرت على موسم هذا العام سيضطر العراق إلى استيراد القمح لتغطية النقص في المحصول.
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون الجمعة إن “الوزارة طلبت من وزارة المالية مبالغ تكفي لاستيراد مليوني طن من القمح لتلبية الاحتياجات بالكامل وتوفير مخزون استراتيجي”.
وأوضح أن العراق، وهو مستورد رئيسي للحبوب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جانب مصر والجزائر، سيقبل العروض من الشركات العالمية لشراء القمح اعتبارا من الأحد المقبل.
وتطرح الشركة العامة لتجارة الحبوب الحكومية مناقصات دولية بشكل دوري لاستيراد القمح والأرز من أجل برنامج دعم الغذاء الذي يغطي الطحين وزيت الطعام والأرز والسكر وحليب الأطفال.
ويحتاج البلد النفطي إلى ما بين 4.5 وخمسة ملايين طن من القمح سنويا من أجل برنامجه لدعم الغذاء. وتقوم الجهات المعنية بخلط القمح المحلي مع حبوب من أستراليا وكندا والولايات المتحدة قبل تزويد الأسواق به.
ولكن الوضع الراهن سيكون أقسى مع انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا التي جعلت أسعار القمح تحلق إلى مستويات هي الأعلى منذ 2008 في ظل المخاوف المتصاعدة من حدوث نقص عالمي في الإمدادات.
واتجهت أسعار القمح في السوق العالمية لتسجل ارتفاعا قياسيا بنسبة 40 في المئة، ما يزيد من الضغوط على التضخم في أسعار المواد الغذائية ويعمق معضلة البنك المركزي العراقي بشأن مدى رفع أسعار الفائدة في وقت تضر فيه الحرب والعقوبات النمو وتلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي لفترة قد تطول
وتعدّ ملوحة المياه، مرفقة بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة، ضربة للقطاع الزراعي الذي يشكل نحو 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ويوظّف 20 في المئة من إجمالي اليد العاملة في البلاد.
ولكن القطاع ضعيف أصلا، فهو لا يؤمن أكثر من نصف احتياجات البلاد الزراعية، فيما تغرق الأسواق بواردات زراعية ذات جودة أعلى.
وبات جفاف الأنهار والأهوار واضحا ويتسارع بشكل مطرد في بلد شهد منذ أربعة عقود حروبا وأزمات متتالية أضرت بشدة بالبنى التحتية، فبات العراق يفتقر إلى مقومات التأقلم مع مناخ لا ينفك يزداد قساوة.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) فإن نحو 3.5 في المئة من الأراضي الزراعية في العراق فقط مزودة بأنظمة ري، حيث طال التصحر نحو 69 في المئة من إجمالي الأراضي الصالحة لإنتاج المحاصيل. ويثير هذا الوضع قلق الكثير من المزارعين وحتى مربي الماشية.
وفي يونيو الماضي أكدت لجنة الزراعة والمياه النيابية في البرلمان أن التصحر يقضم 10 آلاف هكتار كل عام من أراضي البلاد، في الوقت الذي كشفت فيه حينها عن توجه لإنشاء سدود إضافية من أجل مواجهة شح المياه.
وأشاعت كمية الأمطار القياسية التي تساقطت في البلاد قبل ثلاث سنوات حالة من التفاؤل بين المزارعين الذين سارعوا إلى زراعة مساحات شاسعة لم يكن يزرع بعضها بالحبوب في المواسم السابقة بسبب فترات الجفاف.
وشهد العام 2019 تحقيق العراق للاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب وخاصة الحنطة والشعير لأول مرة منذ عقود، كما شهد إيقاف استيراد عدد كبير من المحاصيل إضافة إلى إنتاج البيض والدواجن.