خيرسون الاستراتيجية في قبضة الجيش الروسي

كييف - بعد أسبوع على بدء عمليتها، استولت القوات الروسية على خيرسون المدينة الكبيرة في جنوب أوكرانيا، قبيل جلسة ثانية على المحادثات يفترض أن تعقد صباح الخميس بشأن وقف إطلاق النار بين المفاوضين الروس والأوكرانيين.
وخيرسون هي أكبر مدينة تسيطر عليها القوات الروسية في النزاع الذي أدى منذ بدايته قبل سبعة أيام إلى فرار مليون شخص إلى الدول المجاورة، حسب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي.
ومن شأن الاستيلاء على العاصمة الإقليمية الاستراتيجية الجنوبية، حيث يتدفق نهر دنيبرو إلى البحر الأسود، أن يمثل أول سقوط لمركز عمراني مهم منذ شنت موسكو غزوها في الرابع والعشرين من فبراير.
وهذا يعني أن القوات الروسية بات بإمكانها الآن عبور نهر دنيبرو، الذي يقسم أوكرانيا إلى قسمين، والاتجاه غربا وشمالا لمهاجمة كييف من الاتجاه الثاني.
ولم تُسقط القوات الروسية حكومة كييف بعدُ، لكن وردت أنباء عن أن الآلاف لقوا حتفهم أو أصيبوا وفرّ أكثر من مليون من أوكرانيا، وسط أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ عام 1945.
وأعلن إيغور كوليخاييف، رئيس بلدية هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 290 ألف نسمة، أنه أجرى مناقشات مع "ضيوف مسلحين" في مبنى تابع لإدارة خيرسون، ملمحا بذلك إلى القوات الروسية من دون أن يسميها.
وكتب في رسالة على فيسبوك "لم تكن لدينا أسلحة ولم نكن عدوانيين. أظهرنا أننا نعمل لتأمين المدينة ونحاول التعامل مع عواقب الغزو".
وطلب رئيس الإدارة الإقليمية غينادي لاخوتا في رسالة عبر تطبيق تلغرام، من سكان المدينة البقاء في منازلهم، مشيرا إلى أن "المحتلين (الروس) موجودون في جميع أنحاء المدينة وهم خطيرون جدا".
وتتابع المحكمة الجنائية الدولية الأعمال التي تقوم بها روسيا على الأراضي الأوكرانية بدقة. وقد أعلن مدعي عام المحكمة كريم خان مساء الأربعاء "فتح تحقيق فورا" في جرائم حرب.
وأعلن الجيش الروسي صباح الأربعاء أنه سيطر على خيرسون الواقعة على مقربة من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في 2014. وقد تعرضت هذه المدينة الساحلية ومحيطها لقصف كثيف.
إلى الشرق، قالت سيدة تقيم في ماريوبول الميناء الأوكراني الرئيسي على بحر آزوف، "إنه يتدهور من ساعة إلى أخرى". وأوضحت مارينا (28 عاما) أنه تم قصف وسط المدينة.
وفي حال سيطر الجيش الروسي على ماريوبول، سيؤمن اتصالا ميدانيا بين قواته القادمة من شبه جزيرة القرم وتلك القادمة من المناطق الانفصالية في الشمال الشرقي.
وجاء التقدم العسكري الروسي قبل ساعات فقط على محادثات وقف إطلاق النار التي وافقت موسكو على إجرائها.
وستبدأ هذه المفاوضات صباح الخميس في مكان في بيلاروسيا "غير بعيد عن الحدود مع بولندا"، على حد تعبير المفاوض الروسي فلاديمير ميدينسكي.
ولم تسفر مباحثات أولية جرت الاثنين في بيلاروسيا أيضا، عن نتائج ملموسة، إذ طالبت كييف بإنهاء فوري للغزو، بينما كانت روسيا تنتظر استسلاما على ما يبدو.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة "ستدعم الجهود الدبلوماسية" لأوكرانيا للحصول على وقف لإطلاق النار مع روسيا، وإن كان "تحقيق ذلك أصعب بكثير عندما يطلق الرصاص وتتقدم الدبابات".
كما شدد وزير الخارجية الأميركية على "الكلفة البشرية (...) الهائلة" حتى الآن. وقال في مؤتمر صحافي إن "المئات إن لم يكن الآلاف من المدنيين قُتلوا وجُرحوا"، معتبرا أن "عدد القتلى والجرحى المدنيين والعواقب الإنسانية، سيزداد سوءا في الأيام المقبلة".
وعبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته في "البقاء على اتصال" مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين "لإقناعه بالتخلي عن السلاح". وجاء تصريح ماكرون في خطاب متلفز قال خلاله "لسنا في حرب مع روسيا".
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا "يطالب روسيا بالكف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا". ومن أصل 193 دولة عضوا في المنظمة الدولية، عارضت خمس فقط النص وامتنعت 35 أخرى بينها الصين، عن التصويت.
وميدانيا من جديد وفي اليوم السابع من بدء غزو أوكرانيا، أعلن الجيش الأوكراني أن وحدات روسية محمولة جوا أُنزلت في خاركيف، ثاني مدينة في البلاد، وتقع في شرق البلاد على بعد خمسين كيلومترا عن الحدود مع روسيا.
وغداة عمليات قصف لوسط المدينة أودت بحياة 21 شخصا على الأقل حسب إدارة المنطقة، أصيبت مبان تضم قوات أمنية والجامعة. وقُتل أربعة أشخاص على الأقل وأصيب تسعة آخرون بجروح.
وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مساء الأربعاء مقتل عضو أوكراني من بعثتها المحلية، خلال "قصف" خاركيف في اليوم السابق.
وفي محطة دوروهوزيشي لشبكة قطارات الأنفاق في كييف التي تحولت إلى ملجأ عند وقوع غارات جوية، رأت وكالة فرانس برس العشرات من العائلات. وقد أمضى كثيرون الليالي الست الأخيرة على الأرض مستلقين على ملاءات ومناشف.
وأثار القصف الجوي لكييف وخاركيف استياء كبيرا في العالم، حيث تضاعفت التظاهرات ضد الحرب وإشارات التضامن مع أوكرانيا والعقوبات الشاملة ضد روسيا في الأيام الأخيرة.
ومن الإجراءات الاقتصادية، أكد الاتحاد الأوروبي أن سبعة مصارف روسية ستستبعد من نظام سويفت الأساسي في التمويل الدولي، اعتبارا من الثاني عشر من مارس. وأوقف البنك الدولي كل برامج المساعدات المخصصة لروسيا وبيلاروسيا.
وبسبب العزلة الاقتصادية المتزايدة لموسكو، ارتفعت أسعار المحروقات والألومنيوم التي تعد روسيا مصدرا رئيسيا لها، مع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
وخسر الروبل خلال أيام أكثر من ثلث قيمته مقابل العملات الأجنبية. ويهدد الوضع الوظائف والرواتب والقروض المصرفية.
ويزداد عزل روسيا تدريجيا في الرياضة والثقافة. وأعلنت شركة سبوتيفاي العملاقة للبث التدفقي للموسيقى مساء الأربعاء، إغلاق مكاتبها في روسيا وإزالة المحتوى الذي ترعاه الدولة الروسية من موقعها.