خيارات البرهان لحل أزمة السودان: توافق أم انتخابات

لا تزال القوى السياسية السودانية منقسمة بشأن سبل تجاوز الأزمة في البلاد وهو ما يخدم حسب مراقبين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي يطرح خيارين لحل الأزمة يصب كلاهما في صالح مساعي المكون العسكري لمواصلة السيطرة على الحكم.
الخرطوم- عاد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إلى التأكيد على عدم تمسكه بالسلطة واستعداده لتسليمها في حالة حدوث توافق وطني أو تشكيل حكومة منتخبة، بعد نحو أربعة أشهر على اتخاذ قرارات وضعت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية.
ولم يعد الحديث عن إصلاح مسار الانتقال والتصحيح ذا أهمية بالنسبة إلى البرهان في الوقت الراهن، مع إقراره والمكون العسكري والجميع بأن البلاد في حالة أزمة سياسية.
وجاء حديث البرهان في لقاءين منفصلين أجراهما مع كل من رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في البلاد “يونيتامس” فولكر بيرتس والقائمة بأعمال السفارة الأميركية بالخرطوم لوسي تاملين.

خالد الفكي: الجيش يسعى لانتخابات مبكرة تشرف عليها أجهزته
وأبدى البرهان التزام حكومته بإدارة حوار شامل بين القوى الوطنية السودانية يفضي إلى توافق وطني يخرج البلاد من أزمتها الراهنة.
ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يشهد السودان أزمة سياسية واحتجاجات رافضة لإجراءات استثنائية اتخذها البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية “انقلاباً عسكرياً”، في مقابل نفي الجيش.
ووفق لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية) قُتل 82 محتجا منذ بدء المظاهرات برصاص ما تسميها “قوات السلطة الانقلابية”.
واتهمت وزارة الداخلية محتجين بممارسة العنف ضد عناصرها وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، وحمّلت من سمّته “طرفا ثالثا” المسؤولية عن سقوط القتلى، فيما أعلنت السلطات عن فتح تحقيقات.
ويقول الرافضون لإجراءات البرهان إنها تمثل “انقلابا” على مرحلة انتقالية بدأت في الحادي والعشرين من أغسطس 2019، ومن المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع عام 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020، بينما يرفض البرهان توصيف ما جرى بالانقلاب.
وفي السابع عشر من فبراير قال البرهان “لا أريد حكم السودان، ولا أريد للمؤسسة العسكرية أن تحكم البلاد أيضاً، والوفاق السياسي أقرب وأسهل من الانتخابات”.
إلا أن هذا الوفاق يبدو أكثر تعقيدا بحسب متابعين باعتبار أن القوى السياسية في البلاد ما تزال متباعدة في مواقفها، لاسيما تلك التي تريد الإطاحة بالعسكريين من السلطة وترفع شعارات “لا تفاوض لا شراكة لا مساومة”.
وهذه القوى بكتلها المختلفة والتي تقود الحراك في الشارع تريد تسليم السلطة إلى المدنيين وإبعاد العسكريين نهائيا من السلطة خلال الفترة الانتقالية، ولم تتوصل بعد إلى ميثاق واحد يجمعها رغم اتفاقها على أن ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر هو “انقلاب”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله أنه “من الصعوبة تحقيق وفاق بين القوى السياسية في الوقت الراهن”.

عثمان فضل الله: من الصعب تحقيق وفاق سياسي في الوقت الراهن
واستدرك “لكن يمكن حدوث ذلك في حال توقفت التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني”.
وأوضح فضل الله أنه “من حيث البرنامج أرى أن القوى السياسية جميعها متفقة على حكومة مدنية من كفاءات مستقلة تدير المتبقي من الفترة الانتقالية، ومن السهولة بمكان أن يتم التوافق على شخصية وطنية تقود البلاد في المرحلة المقبلة”.
واعتبر أن “نقطة الخلاف الأساسية التي لم يحدث اتفاق حولها هي تفكيك النظام السابق (نظام عمر البشير)”، مضيفا أنه “رغم مرور عامين فإن أذرعه ما تزال متحكمة في عدد من الملفات بالدولة والاقتصاد”.
ونالت لجنة إزالة تمكين نظام البشير جزءا كبيرا من قرارات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر ولا تزال، حيث اعتقلت السلطات خلال الأيام الماضية قادة اللجنة وعلى رأسهم عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان ووجدي صالح وطه عثمان.
وجمّد البرهان عمل اللجنة “إلى حين مراجعة قانون عملها واتخاذ موقف بشأنه”. وفي العاشر من نوفمبر الماضي قرر البرهان تشكيل لجنة لمراجعة واستلام الأموال المستردة بواسطة لجنة إزالة التمكين.
وتشكلت لجنة إزالة التمكين بقرار من المجلس السيادي في العاشر من ديسمبر 2019 لـ”إنهاء سيطرة رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير على مفاصل الدولة، ومحاربة الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة”.
ويقول مراقبون إن الانتخابات هي “الكرت” الذي ما زال المكون العسكري يلوح به منذ الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، إذ دأب الجيش على رفعه عند حدوث أي أزمة في البلاد.
وفي أكثر من مرة طالب البرهان بانتخابات حرة ونزيهة، وآخرها إعلانه عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر أن الانتخابات ستجرى في يوليو 2023، أي قبل موعدها المحدد وفق الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية في مطلع يناير 2024.
ووضع البرهان مرة أخرى الانتخابات خيارا للخروج من أزمة البلاد باعتبار أنها قد تكون محفزا على الاستقرار رغم اعتراض الأحزاب السياسية على انتخابات يشرف عليها جهاز الدولة.
لم يعد الحديث عن إصلاح مسار الانتقال والتصحيح ذا أهمية بالنسبة إلى البرهان في الوقت الراهن، مع إقراره والمكون العسكري والجميع بأن البلاد في حالة أزمة سياسية
واعتبر المحلل السياسي خالد الفكي أن “المكون العسكري في السلطة يسعى للخروج من الأزمة من خلال طرحه لانتخابات مبكرة حتى يلقي عن كاهله المسؤولية الأخلاقية عن سنوات الحكم الانتقالية”.
وقال الفكي إن “الأجواء العامة لا تساعد على تحقيق هذه الرغبة لدى العسكريين في ظل بروز طموح كبير لديهم لشرعنة الوضع الراهن بمثل هذه الانتخابات”.
واستدرك “لكن إذا أراد المكون العسكري إجراء انتخابات حرة ونزيهة عليه تقديم تنازلات تبدأ بتهيئة الأجواء السياسية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وغيرها من الإجراءات التي تساعد على الاستقرار”.
ويعزو الفكي مخاوف القوى السياسية من إجراء انتخابات في الوضع الراهن إلى “أنها تريد إجراءات سليمة توفر كل الاشتراطات القانونية والفنية للعملية الانتخابية”. ويشير إلى أن “هذه القوى معنية أكثر بعملية الانتخابات دون غيرها، ومن حقها إجراء هذه الانتخابات بشكل ديمقراطي صحيح”.