الظواهر الاحتفالية في المغرب أولى الخطى نحو المسرح

"التمسرح وتجلياته في الظواهر الاحتفالية المغربية" كتاب يحلل مفهوم "التمسرح" والسياقات التي أفرزته.
الخميس 2022/03/03
الاحتفالية فلسفة وفكرة وثقافة مسرحية

الشارقة - في كتابه الجديد بعنوان “التمسرح وتجلياته في الظواهر الاحتفالية المغربية” يغوص الباحث المغربي محمد محبوب في عدة قضايا مسرحية هامة تعود إلى جذور الفعل المسرحي وتكشف عن طرق تشكله ومآلاته فنجده يبحث في “التمسرح محاولة تحديد”، و“الممثل كحامل للتمسرح في الحلقة”، كما يحلل “اللعب كبعد تمسرحي في فرجة الحلقة” و“الفضاء كبعد تمسرحي في فرجة الحلقة”، ليختم دراسته بمبحث “نحو شعرية للظواهر الاحتفالية: الحلقة نموذجا”.

ينتقل الباحث في دراسته من تحديد مفهوم “التمسرح” والسياقات التي أفرزته، إلى تحديد مفهوم “التمسرح” من زاوية تاريخية، بمقاربة لموضوع التمسرح وعلاقته بالواقع استنادا إلى الاتجاهات الجمالية القائمة، ويفرد جزءا هاما من بحثه للممثل باعتباره جوهر التمسرح وأداته الأساسية، إذ يعتبر الممثل ركيزة أساسية للعمل المسرحي، حيث يعطي من طاقته وأدائه ما يحوّل الأفكار إلى صور، كما يتجاوز غالبا تصورات المخرج إلى نحت أبعاد أخرى للمشاهد ولتشكلها السمعي البصري. لذا يهتم المسرحيون كثيرا بالممثل كمنتج للعرض. بينما يرى اللعب باعتباره تمسرحا، أما الفضاء فهو مكون أساسي لتحقق التمسرح.

الباحث في دراسته يحدد مفهوم التمسرح من زاوية تاريخية بمقاربة علاقته بالواقع جماليا

وفي فصل أخير يناقش الباحث قواعد التمسرح وثوابته في الظواهر المسرحية المغربية وتجسيد طبيعة الأنساق الدالة وكيفية تنظيمها واشتغالها. وقد ارتكز في ذلك على السيميولوجيا لتفكيك فرجة الحلقة ومعرفة آليات اشتغالها، وأنساقها الداخلية، وطرق إنتاجها للمعنى.

ويذهب الباحث محمد محبوب، في مقدمة كتابه، إلى أن الأطروحة المركزية التي أسس عليها بحثه انخرطت في صلب إشكالية التمسرح باعتبار الفعل المسرحي يتحدد من موقع التعدد والانزياح عن المرجعية الجمالية الأحادية. وهذا لا يتأسس - كما يقول الكاتب - على اختلاف الممارسة المسرحية وتنوعها، وتنوع الجماليات ونظريات اللعب فحسب. بل يستند كذلك إلى حضور التمسرح داخل اليومي عبر تمظهرات تبدو في الظاهر خارجة عن سلطة المسرح وقوانينه، لكنها في العمق تحمل خصيصات وعناصر مسرحية.

ويرى محبوب أن الحديث عن الهوية الاحتفالية، ووضعها في إطارها الجمالي، وتعميق الرؤية لهذه الحركة المسرحية بمقوماتها الدرامية وتصوراتها الفكرية ومنطلقاتها الفلسفية، وبعدها التمسرحي يقتضي منا مساءلتها والإحاطة بمدلولها الجمالي وقيمها الفكرية، ومنطلقاتها الفلسفية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وأثارت زوبعة من الجدل الفكري والجمالي والأيديولوجي أفضى في النهاية إلى تخصيب الساحة الثقافية والفكرية والمشهد المسرحي المغربي والعربي عامة.

ويضيف “لا شك في أن ملامسة حقيقة المسرح الاحتفالي، وجوهر الفكر الاحتفالي يقتضي – بالضرورة- طرح مجموعة من الأسئلة التي نعتبرها مفاتيح لفك مغالق هذه المنظومة المتكاملة تنظيرا وممارسة وإبداعا”.

ويتساءل الباحث “ما معنى أن تكون احتفاليا؟ وماذا تعني الاحتفالية؟ هل الاحتفالية مجرد شكل مسرحي؟ هل هي تقليعة أو موضة مسرحية؟ هل هي تقنيات وآليات فنية مغايرة. أم هي رؤية و تصور يستشرف أفقا منفتحا على الفكر والجمال والإبداع؟ ما هي الأسس الجمالية والمنطلقات الفكرية للاحتفالية؟ ما هي حدود الاستمرارية والقطيعة في الفكر والتمسرح الاحتفالي؟ ما هي حدود الاتباع ومظاهر الإبداع في الاحتفالية؟ أين يكمن التجدد في جوهر الممارسة الفكرية والدرامية الاحتفالية؟”.

ملامسة حقيقة المسرح الاحتفالي، وجوهر الفكر الاحتفالي يقتضي بالضرورة طرح مجموعة من الأسئلة تمثل مفاتيح لفك مغالق هذه المنظومة المتكاملة تنظيرا وممارسة وإبداعا

ويبين أن الإجابة عن هذه الأسئلة تدفعنا منذ البداية إلى الإقرار بأن الاحتفالية ليست مجرد شكل مسرحي قائم على أسس وتقنيات فنية مغايرة، وهي ليست دفوفا وأعراسا، بل هي رؤية فلسفية وجمالية تحمل تصورا جديدا للوجود والإنسان والتاريخ والفن والأدب والسياسة والصراع.

وفي رأيه تتجاوز الاحتفالية بذلك في مدلولها الجمالي والفكري التنظير المغلق على فن الخشبة لتنفتح على الفضاء الرحب للحياة والإنسان والوجود. فالاحتفالية منظومة فكرية وفلسفية تؤسس لتمسرح مغاير، لكنه أصيل يمتلك عمقه من الرصيد الثقافي والدرامي العربي، وينفتح على الجذور الأفريقية للمغرب، ويمتد للثقافة المتوسطية المحملة بالتراث الموريسكي. إنها نظرية درامية وفلسفية شاملة غايتها الإنسان بغض النظر عن أصله وجنسه ولونه ولغته ودينه.

ومن خلاصات كتابه الذي يقع 305 من الصفحات يصل محبوب إلى ضرورة تكريس مبدأ التخلص من الهيمنة والتبعية للغرب وإذكاء النفس التحرري الفعلي، وذلك بنبذ الأحكام والنظرات الاستشراقية التي تنظر إلى التراث العربي الإسلامي، والرصيد الثقافي الحضاري عامة بنوع من الدونية والتنقيص، بينما تعتبر كل ما يصدر عن الغرب مكتملا وذا سمة كونية حيث يجب احتذاؤه.

يذكر أن محمد محبوب حاصل على دكتوراه في الأدب الحديث، تخصص المسرح، وله دراسات وكتب منشورة منها “المسرح المغربي، أسئلة ورهانات”. وكتاب “التمسرح وتجلياته في الظواهر الاحتفالية المغربية” يأتي ضمن إصدارات الهيئة العربية للمسرح، ضمن سلسلة دراسات تحت رقم 88، حيث تحرص الهيئة من خلال إصداراتها الجديدة على إثراء محتوى المكتبة المسرحية العربية بالمفيد والجديد والمشتبك مع واقعه والمتطلع لتحرره الفعلي من المناهج التي تنظر إلى ثقافتنا نظرة دونية.

13